مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

رسولاً يزكّيهم (*)



أبارك لكلّ المسلمين ذكرى بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وأسأل الله تعالى التوفيق للجميع في اتّباع هذا الوجود المقدّس.


* دافع البعثة النبويّة والهدف منها
إنّ غاية البعثة هي ما قاله الله تبارك وتعالى في سورة الجمعة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (الجمعة: 2).

لقد بعث الله رسولاً يبلّغ بعض الأمور من قبل الله. القرآن، هذا الكتاب العظيم، آيات إلهيّة وهو غاية البعثة. فالقرآن الكريم هو مائدة بسطها الله تبارك وتعالى بواسطة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بين البشر لكي يستفيدوا منها، كلٌّ بحسب استعداده. وهو كتاب تنزّل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة لكي نستطيع الاستفادة منه. ففيه مسائل يستفيد منها العاميّ والعارف والعالم وغير العالم. نعم، بعض مسائله لا يستطيع فَهمها وإدراكها والاستفادة منها أحد إلّا أولياء الله تبارك وتعالى، أو بالتفسير الذي ورد عنهم، وبمقدار الاستعداد الموجود في البشر.

لقد كان دافع نزول هذا الكتاب المقدّس وغاية بعثة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أجل أن يكون هذا الكتاب في أيدي الجميع ويستفيد منه الجميع بمقدار سعَة وجودهم وفكرهم. للأسف، لم يستطع البشر ولم يستطع علماء الإسلام أن يستفيدوا منه.

* التزكية من أجل فَهم الكتاب والحكمة
إذاً، غاية البعثة هي نزول الوحي والقرآن، وغاية تلاوة القرآن على البشر هي أن تَحدُث التزكية وتصفّى النفوس من الظلمات الموجودة فيها، حتّى تكون، بعد أن تُصفّى، قادرة على فَهم الكتاب والحكمة. فالغاية هي التزكية من أجل فَهم الكتاب والحكمة.

فلا تستطيع النفس أن تدرك هذا النور المتجلِّي والمتنزّل من عالم الغيب الذي وصل إلى عالم الشهادة طالما أنّه لا توجد تزكية من كل التلوّثات، وأكبرها تلوّث النفوس بالأهواء النفسانيّة.
ما دام الإنسان في حجاب نفسه لا يستطيع أن يدرك هذا القرآن الذي هو نور، ولا يكون أهلاً لانعكاس هذا النور الإلهيّ في قلبه طالما لم يخرُج من حجابه الشديد الظلمة، وبقي أسيراً لأهوائه النفسية، وللأنانية... ظلماتٌ بعضها فوق بعض.

إنّ الذين يريدون أن يفهموا القرآن ومحتواه لا يمكنهم أن يقتربوا من مبدأ النور والمبدأ الأعلى إلّا برفع الحجب، ورفع حجاب النفس. إذاً، إحدى الغايات هي أن يكون تعلّم الكتاب بعد التزكية، والتعليم والحكمة بعد التزكية.

* الخلاص من الطغيان في تزكية النفس‏
إنّ أول آية نزلت على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بحسب الروايات آية: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (العلق: 1). وقد دُعي فيها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم منذ البداية إلى القراءة والتعلّم.

وفي هذه السورة نفسها يقول تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (العلق: 6 - 7). يُعلم من هذه الآية أنّه ومن أجل سحق الطاغوت يجب تعليم وتعلّم الكتاب والحكمة والتزكية؛ إذ بمجرّد أن يستغني أحد ما من الناس فإنّه يطغى. ففرعون الذي يسمّيه الله تبارك وتعالى طاغية؛ لأنّه حصل على المقام ولم يكن عنده غاية إلهيّة، جرّه هذا المقام إلى الطغيان. الأشخاص الذين يحصلون على أشياء مرتبطة بالدنيا سوف يزداد طغيانهم بدون تزكية النفس. وإنّ وبال المال والمقام والجاه والمنصب من الأشياء التي تؤدّي إلى تعرّض الإنسان للمتاعب والصعوبات في الدنيا، وفي الآخرة بقدرٍ أكبر.

إنّ غاية البعثة هي أن تخلّصنا من هذا الطغيان وأن نزكّي أنفسنا، ونخلّصها من هذه الظلمات. فلو حصل هذا التوفيق للجميع، ستصبح الدنيا نوراً واحداً كنور القرآن، وتجلّياً لنور الحقّ.
فغاية البعثة إذاً هي السيطرة على نفوس العصاة ونفوس الطغاة ونفوس المتمرّدين ودفعها إلى التزكية.

* التزكية ثمّ التعليم
إنّ كلّ الخلافات الموجودة بين البشر هي بسبب الطغيان الموجود في النفس.
ولو تزكّى الإنسان وتربّت نفسه سوف تنتهي كلّ الخلافات. فلو اجتمع كلّ الأنبياء العظام في مدينة ما وفي بلد ما لن يختلفوا مع بعضهم بعضاً أبداً، فهم يملكون "العلم" و"الحكمة" بعد "التزكية".

إنّ الخطر الناشئ عن العالِم الذي لم يُربِّ نفسه ولم يُزكّها على البشر أكبر من خطر المغول. فلو أنّ النفوس لم تُزَكَّ ولم تُرَبَّ ثمّ دخلت أيّ ساحة: ساحة التوحيد، ساحة المعارف الإلهيّة، ساحة الفلسفة، ساحة الفقه، ساحة السياسة، في أيّ ساحة دخلت، ولم تتحرّر من هذا الشيطان الباطنيّ، فإنّ خطرها على البشر كبير. ويجب على الأشخاص الذين يريدون أن يأخذوا بزمام الأمور أن يزكّوا أنفسهم، حتّى لا يطغَوا أو يفعلوا أعمالًا شيطانية. والبعثة كانت لتزكية الجميع.

نحن مكلّفون بتزكية أنفسنا، فقد أتت البعثة من أجل التزكية التي إن لم تحدث فإنّ كل ما يأتي إلى النفس هو حجاب للإنسان. كلّنا مكلفون بتزكية أنفسنا حتّى نستفيد من النور الإلهيّ ونور القرآن.


(*) من خطاب الإمام الخميني قدس سره بتاريخ 27 رجب 1401هـ.ق‏، في حسينية جماران‏ (طهران).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع