مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شباب: الغضب الصامت

ديما جمعة فوّاز



انطلق محمد مسرعاً في سيارته بصحبة صديقيْه الحميمين. لم يكن ينقص "شلّة" الرفاق سوى كريم الذي سبقهم إلى القرية لتحضير عدّة الصيد، وطه الذي فضّل التوجّه إلى مكان التجمّع عبر النقل العام. لم يفهم الرفاق السبب الذي يجعل طه منذ فترة يبتعد شيئاً فشيئاً عنهم. فقد نشأ هؤلاء الفتية معاً.

قصدوا سوياً مدرسة الحيّ واستمرّت صداقتهم حتّى بعد دخولهم الجامعة.. "نحن أشبه بالإخوة الذين لا يختلفون، ويهتمّ كل منّا لمشاعر الآخر وصداقته". هكذا كان محمّد يفكّر أثناء قيادته السيارة.. وبعد أن قطعوا نصف المسافة، أخرج هادي شريطاً ومرّره إلى عليّ الذي وضعه في المسجلة وصدح صوت غناء وطرب. غضب محمد، ولكنه لم يتفوّه كالعادة بأيّ كلمة، خاصّة حين بدأ رفيقاه بترديد الكلمات بإتقان والتصفيق بفرح.

وصلوا إلى القرية وكان في استقبالهم في الساحة كريم، وطه الذي وصل متعباً من المواصلات العامة، وتوجهوا جميعاً نحو الجبل لاصطياد الطيور.

أمضوا يوماً ممتعاً وكان الصيد وفيراً.. وفي آخر النهار، قصد الرفاق مكانهم المعتاد للتخييم، بدأ عليّ وهادي بنصب الخيمة التي سيبيتون فيها ليلتهم، وتسلّم طه مهمة إشعال النار لشيّ الطيور.

بدأت رائحة اللحم الناضج تملأ المكان، وصوت الزيز ينبئ بليلة قمريّة جميلة.. حينها أمسك عليّ علبة حديد فارغة وبدأ يطرق عليها ويدندن أغنية حزينة.. شاركه هادي الغناء بينما اكتفى كريم بالتصفيق بهدوء، أمّا محمّد فقد كان ينظر إليهم بحزن ويفكّر: "منذ فترة يجاهر الرفاق بالاستماع للغناء، رغم ذلك لم يحاول أن يجادلهم خوفاً من أن يؤثّر رأيه سلباً على صداقتهم فيخسرهم. ولكنّ عدم تعبيره عن الامتعاض جعلهم يتمادون شيئاً فشيئاً...".

فجأة قطع عليّ أغنيته صائحاً: "هل تشمّون رائحة حريق؟". التفتوا جميعاً نحو النار الملتهبة وبدأوا يصيحون من هول المشهد: لقد تصاعدت ألْسِنة النيران وتطاير اللهب.. حصاد يومهم من الطيور المختلفة صار متفحماً، وسرعان ما بدأ هادي ينادي: "أين طه؟ كان هنا! هل ابتلعته النار؟!". ارتعب محمد وبدأ يرمي التراب على النار محاولاً السيطرة عليها... فجأة تحوّل الصخب إلى صمت مُخيف.. التفت محمّد بعينيه إلى حيث أشار لهم كريم بيده فوجد طه جالساً تحت غصن شجرة يتأمّلهم. صاح محمد بغضب: "أنت هنا! كيف تركت النار تشعل الطيور؟ كدت تحرق الخيمة بلا مبالاتك وقلّة مسؤوليتك..". بقي طه يتأمّلهم وأجاب بهدوء: "لم أجد سوى هذه الوسيلة لإيقاظكم من غفلتكم.. أنا أتجنّبكم منذ فترة، تعرفون لماذا؟ لأنّني أهرب من الحرام وأخشى غضب الله.. أخبرتكم مراراً أنّني ملتزم بما أمرنا الله وأبتعد عن المجالس التي يسود فيها اللغو، لذلك فضّلت أن أبتعد قليلاً حين بدأتم بالغناء..".

هزّ كريم رأسه قائلاً: "حسناً، نحن أخطأنا ولكن ما ذنب حصاد يومنا من الطيور كي تتركها تحترق؟" قاطعه طه غاضباً: "لا بأس إذا اشتعلت تلك الطيور! يمكنك أن تصطاد غيرها ولكن اجعل أسفك على حصاد حسناتك التي تحرقها بفعل الحرام..". ضرب عليّ كفاً بأخرى صائحاً: "درس جميل ومؤثّر، لكننا جياع... هل إلى التوبة من وسيلة؟".

ضحك الجميع بينما احتضنه طه هامساً: "أجل، حسناتي لم تحترق. الحمد لله"، وأشار إلى صحنٍ يحتوي بضعة أفراخ من الطيور الناضجة، دفعه نحوهم ولكن محمّداً تراجع بضع خطوات قائلاً: "أنا أتبرّع لكم بحصّتي، لست جائعاً"، واتجه صوب النار لإعادة إشعالها بأعواد الحطب، بينما تعالت همهمات الرفاق وضحكاتهم. مسح محمد عينيه بكفّيه متأثراً فقد امتلك طه جرأة إيقاظ الضمائر الغافية بينما هو كان مكتفياً بالغضب الصامت..
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع