الشيخ كاظم ياسين
قال تعالى في كتابه العزيز:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ﴾ لقد قضى اللَّه تعالى بأن يكون المستضعفون في الأرض بمستوى القدرة على إصلاح البشرية وإلى ذلك اليوم الموعود، ماذا ينبغي أن يفعل هؤلاء؟
إن الذي تسيطر عليه أنانيته ويهرب بنفسه من دائرة المواجهة مع الظلم لن يعمل على إزالة ذلك الظلم ولن يستطيع بالتالي الوصول إلى مستوى من الوعي والقدرة المطلوبين في معركة العدالة الكبرى الآتية. كذلك المجتمع الذي يتعايش مع الظلم ويستسلم له ويؤثر الخنوع مع الرفاه النسبي ولا يبذل جهداً أو تفكيراً ولا يقوم بعمل لرفع هذا الظلم أو التخفيف منه فسوف يكون هذا المجتمع عديم المسؤولية سلبياً مستسلماً لا يملك إرادةً ولا عزماً وبالتالي لن يكون مؤهلاً لكي يمتلك دوراً في ذلك اليوم الكوني الموعود، يوم إحلال العدالة على ربوع الإنسانية ومحو الظلم.. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).
إن نظرية التمهيد لخروج شمس العدالة الإنسانية تقوم على التفكير الجدي الدائم والعمل الجهادي الصالح عند الفرد والمجتمع لكي تعلو درجة الإخلاص ويكبر الشعور بالمسؤولية ويمتلك الفرد والمجتمع كلما تقدم الزمان يوماً المران على البذل والتضحية والصمود والاستعداد للمواجهة العالمية مع الكفر والظلم. ولذلك نشأ بيننا وبين ظهوره الشريف تداخل وتأثير وتأثر فكلما تقدّمنا في جهادينا الأصغر والأكبر كلما اقترب الإذن الإلهي والعكس صحيح.
من هنا كانت حركة الإمام الخميني قدس سره من أعظم الحركات التاريخية التي شكلت خطوة نوعية في التمهيد للظهور الشريف، ولعلها توازي قروناً متطاولة من الصبر والانتظار السلبيين ومن السكون وتحمل الظلم والقهر بدون بذل التفكير والجهد في مواجهة ذلك. لقد خطت الإنسانية مع الإمام الخميني قدس سره خطوتين إلى الأمام في مسيرة التمهيد الطويلة للحقيقة المهدوية:
الخطوة الأولى في الانسجام مع الإرادة الإلهية بجعل الظلم حافزاً للإنسانية لكي تقوم وتثور عليه مغيِّرة ما في نفسها نحو الكمال، فنادى بنبذ حب الذات والأنانية وحرض على القيام والثورة والقتال والتضحية مهما بلغت الأثمان من الأموال والنفوس. فأجَّج نار الثورة سلوكه وكلماته وجعل الأمة التي وقعت تحت وطأة الاضطرار والشعور بالضغط والإحراج تقف موقفاً إيجابياً من الظلم فتنطلق للتغيير وتفجر إمكانياتها وطاقاتها وتستعيد شبابها وعنفوانها.
والخطوة الثانية في اندفاع الفرد والمجتمع بشكل اختياري وواع ومخلص نحو الانخراط في سلك التغيير والدعوة والهداية إلى اللَّه بالسلاح والكلمة والحكمة إدراكاً منهم للمسؤولية والموعظة الحسنة الإسلامية الشرعية فنشأت في ظل أفكار الإمام الخميني قدس سره وتحت تأثير كلماته صفوف طويلة من المجاهدين والكوادر والمفكرين والكتاب والفلاسفة والفقهاء الذين انضموا لمسيرة التمهيد المهدوية بدافع العقل والشعور بالمسؤولية الشرعية لا بدافع الاضطرار والشعور بالضغط والإحراج.
لقد كانت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني قدس سره تطوراً نوعياً في حياة الأمة الإسلامية، وضعها على نار التمهيد الحامية للظهور المبارك وحوّله إلى نظرية عالمية بعد أن كان دفين الكتب والهمس والتقية قروناً.