أديب كريِّم
"إن بروتوكولات حكماء صهيون الفخمة هي نبوءة وإحدى أفكار اليهود الدينية الهستيرية. فعندما تقرؤها تسخر منها ولكنك فيما بعد تكتشف حكمتها. إن الاعتقادات المتعصبة المتطرفة تتوافق تماماً مع تطور الأشياء، بل قل إن تطور الأشياء هو الذي يتراكم هندسياً بشكل عجائبي على هذه الأوهام ويتطابق معها"(1) بعد خمس سنوات من انعقاد مؤتمر بال في سويسرا عام 1897م، والذي ضم ألمع الشخصيات اليهودية بزعامة "تيودور هرتزل"، نشر العالم الروسي "سيرجي نيلوس" المقررات السرية التي تمخضت عن هذا المؤتمر ودونت تحت عنوان "بروتوكولات حكماء صهيون". كيف أُتيح له أن يضع يده على هذه الوثيقة؟ وما هي قصة هذه البروتوكولات التي أُعتبرت أخطر نص تجرأت على صياغته مجموعة من المؤتمرين في التاريخ القديم والحديث؟
ويجمع أكثر الباحثين على أن سيدة فرنسية من أصل روسي وابنة أحد الضباط الروس كانت ناشطة في تزويد وزير الداخلية الروسي بالمعلومات السياسية من باريس، استطاعت، ومن خلال أحد المتعاونين معها من اليهود ويدعى "جوزف سكورت" واسمه الحقيقي "شابيرو" وهو عضو في المحفل الفرنسي الماسوني، استطاعت الحصول على وثيقة هامة سلمتها إلى أحد زعماء روسيا الشرقية وهو "اليكس نيقولافيتش" والذي قدمها بدوره إلى صديقه العالم "سيرجي نيلوس". وقد هال هذا الأخير ما تضمنته الوثيقة من مقررات وخطط خطيرة، بالإضافة إلى التطابق الحاصل بين المنصوص عليه والأحداث الجارية وقتذاك. الأمر الذي حثه على طبعها سنة 1902 ونشرها بهدف إطلاع الناس عليها، ويُقال إن حالة من الاضطراب سادت أوساط العامة بعد وقوفها على خفايا المخطط اليهودي الرهيب، ونتج عن ذلك مصادمات راح ضحيتها الآلاف من اليهود. وعلى الأثر تحركت رموز الجماعة اليهودية بسحب كل نسخة من السوق مقابل أثمان مضاعفة، غير أن نسخة واحدة وصلت إلى المتحف البريطاني في 16 آب 1906 ووضعت تحت رقم (17 - 5 - 3926) وذلك بعد أن ختمها بختمه. وفي عام 1917 قام الصحفي "فيكتور مارسدن" أحد مراسلي صحيفة المورننغ بوست بترجمتها إلى الانكليزية بعد أن اطلع عليها في المتحف البريطاني قبل ذهابه في مهمة صحفية لتغطية أحداث الثورة البلشفية. وبذلك يكون مارسدن أول من ترجم البروتوكولات إلى الانكليزية.
ولم يقف اليهود مكتوفي الأيدي حيال انكشاف سرهم وشيوعه، بل قاموا، زيادة على شراء النسخ الموجودة في الأسواق، بملاحقة كل من ترجمها من المترجمين الأوروبيين وبنسف مقار الصحف التي كانت تجرؤ على نشر مضمونها. وفي هذا الإطار يقول الأستاذ "محمد خليفة التونسي" في مقدمة كتابه الذي تضمن أول ترجمة عربية للبروتوكولات في خمسينيات القرن الماضي: "لقد شاع أنه ما من أحد ترجم هذا الكتاب أو عمل على إذاعته بأي وسيلة إلا انتهت حياته بالاغتيال أو بالموت الطبيعي في ظروف غامضة، فأفزعت الناس هذه الشائعة، وكان من بينهم الأديب أنيس منصور المحرر في جريدة الأخبار ورئيس تحرير جريدة الجبل، الذي اعتذر عن الترجمة برغم ضخامة الأجر المعروض..". وفي 28 - 8 - 1952 نشرت مجلة "روز اليوسف" المصرية في العدد 1211 مقالاً بعنوان "روز اليوسف تحصل على أخطر كتاب في العالم هو الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون" . يبلغ عدد البروتوكولات أربعاً وعشرين بروتوكولاً، وتقع أساساً في مئة وعشر صفحات، وفيها يرسم اليهود "خطة خبيثة لكيفية السيطرة على عالم العصر الحديث عن طريق استغلال رؤوس الأموال وجهود العمال وإشاعة الكراهية بين الشعوب والأجناس، واحتكار الصناعة والتجارة ووسائل الإعلام والدعاية، وإذكاء نيران الفتنة والفوضى والحروب"(2) ونشر الرذيلة ومظاهر الإباحية والسفور. وفيما يلي بعض الفقرات من كتاب البروتوكولات مدرجة تحت عنوانين رئيسيين نتصور أنها تلامس موضوعات على جانب من الأهمية، ومدعمة بوقائع وأحداث دامغة من حيث التطابق الفعلي. مفهوم القوة والعنف: "يجب أن يكون شعارنا كل وسائل العنف والخديعة، إن القوة المحضة هي المنتصرة في السياسة، يجب أن يكون العنف هو الأساس، إن العنف الأعمى وحده هو العامل الرئيسي في قوة الدولة، فيجب أن نتمسك بخطة الخديعة والعنف ويكفينا أن يُعرف عنا أننا ذوو عنف في القضاء على كل تمرد. (البروتوكول الأول).
"العنف هو الأساس... لا نهتم بالضحايا من نسل هؤلاء البهائم... الوصول إلى الغاية ولو على أشلاء الضحايا..." عبارات لا تطرق مسامعنا ولا تقع عليها أبصارنا إلا في كل نتاج دُمغ بأيدٍ يهودية، ومفاهيم ومقررات لا يتبناها ويتأبطها ويمارسها على مدى عقود وقرون من الزمن إلا من استوطن جوارحه إبليسٌ همجي ودموي حتى النخاع. ومن يجرؤ على تجريد الإنسان من قيمته وحقه في العيش، ويضحي به على مذبح شهواته وغرائزه لا يعقل أن يكون روحياً وأخلاقياً من طبيعة إنسانية إلا في ملامح الهيئة لا أكثر. ولو كان المرء في زمن غير هذا الزمن، أو من كوكب غير هذا الكوكب، لأعتقد جازماً أن ما حفلت به البروتوكولات وتحديداً عن العنف وأساليبه، لا يعدو كونه عملاً ملحمياً أسطورياً إبتدعته كائنات متوحشة لم تطأ أقدامها أرضاً استُخلف عليها الإنسان. أما وأن يكون الإنسان منا شاهداً على هذا العصر وأحداثه، فلا مناص له من الاعتقاد بمشروعية القول بوجود حالة استثنائية سلبية وظاهرة فريدة في التاريخ البشري ممثلة بقوم اليهود الذين أسلموا كل تاريخهم ورؤاهم وميكانيزمية تفاعلاتهم إلى ثقافة سوداء وإرث مظلم، كان من شأنهما إنتاج هذه البروتوكولات الخبيثة والمقررات الوضعية. وما حصل ويحصل في فلسطين المحتلة من مذابح جماعية وأساليب قمع وتدمير وتشريد على أيدي أعداء اللَّه والإنسانية وصد شعب أعزل وفوق أرضه، لهو أصدق تجسيد لمفاعيل هذا الإرث البروتوكولي.
- مخطط الإفساد الأخلاقي: "عليكم أن تعطوا عناية خاصة عند استعمال مبادئنا إلى الأخلاق الخاصة بالأمة التي تحيط بكم، أو تعملون فيها، وعليكم أن تتوقعوا النجاح العاجل في استعمال مبادئنا بكل ما فيها حتى يُعاد تعليم الأمة بآرائنا وتعاليمنا، ولكنكم إذا تصرفتم بحكمة في استعمال مبادئنا فسترون أنه قبل مضي عشر سنوات ستنهار أشد الأخلاق تماسكاً..." (البروتوكول التاسع). "ولكي نبعدها (أي الجماهير) عن أن تكتشف خططنا الجديدة، سنلهيها أيضاً بكل أنواع الملاهي والألعاب وما يشغل فراغهم ويرضي أمزجتهم وكذلك بالجمعيات العامة... وما إلى ذلك" (البروتوكول الثالث عشر). الإناء ينضح بما فيه، وثقافة الانحراف والشذوذ لا تولد غير نفوس متعطشة لإشباع غريزي مثقلة من الضوابط والأطر الأخلاقية. وبؤر الرذيلة والفحشاء التي تتغذى على جذور فاسدة قد تستحيل فعلاً إلى تيار جارف يطيح بكل ما هو إنساني الجوهر والسلوك. والنصوص التي بين أيدينا تظهر بوضوح كيف أسست الشخصية اليهودية التاريخية والمعاصرة القياد لسلطة التلاعب الممنهج والمدبر بأخلاقيات الشعوب. وبرغم أن الحديث عن هذا الشق يطول ويمتد، إلا أننا لا نجد بداً من إيراد سلسلة من النماذج التطبيقية التي نعتقد أنها تشكل مدماكاً في الموقف الرؤيوي لدى المراقب للتحقق من الأشواط التي قطعتها خطة اليهود في محاولة تفريغ التجربة الإنسانية من محتواها الأخلاقي والنماذج المختارة لا يحكمها قالب جغرافي أو ديني أو عرقي... وهذا يعود إلى أن العقيدة اليهودية البروتوكولية في منابعها التلمودية والتوراتية قد ارتكزت على معادلة عنصرية جافة يشكل اليهود أحد طرفيها و(الغوييم) الطرف الآخر.
1 - نموذج الإعلام الهابط: يمتلك اليهود أكبر شبكة إعلامية عالمية للانتاج السينمائي الاباحي، والاستعراضي الخلاعي، والفني الهابط، ويندرج في هذا السياق سيطرتهم شبه المطلقة على قطاع الإنتاج في هوليود من خلال شركات إنتاج وتوزيع عملاقة تتكفل في ضخ مئات الأفلام الهابطة سنوياً في شرايين الشبكة التلفزيونية عبر العالم. ومن تلك الشركات شركة (Paname - Pictures) اليهودية الأميركية المتخصصة بالإنتاج السينمائي، وشركة (Martel - Entertainmant) المتخصصة بمجمعات الترفيه والإنتاج السينمائي، وشركة (universal) العاملة في مجال التوزيع. زد على ذلك امتلاك اليهود لأوسع وأشهر مجلة إباحية والمسماة (Play Boy) بالإضافة إلى محطة (Music. tv) وهي الشبكة العالمية المتخصصة في بث أشرطة غنائية استعراضية غالباً ما تكون فاضحة، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق الواقعة في دائرة بثها. وفي ألمانيا يمتلك اليهود أشهر محطتين أرضيتين وفضائيتين وهما (Rtl2) و(Vox) اللتان تبثان في أوقات أسبوعية محددة أفلاماً وبرامج فاضحة بالإضافة إلى تخصيصها مساحة واسعة للإعلانات الإباحية في ساعات الليل، وأيضاً الصحيفة اليومية (Bezet) المعروفة بشعبيتها وسعة انتشارها تخصص يومياً أربع صفحات كاملة لنشر عناوين وأرقام هواتف "بائعات الهوى" في أنحاء ألمانيا مع عبارات جنسية هابطة.
2 - شبكات الدعارة: في أواخر تسعينيات القرن الماضي تناقلت الصحف الأميركية خبر اكتشاف شبكة مافيا واسعة تعمل في أسواق الدعارة السرية في المدن الكبرى. وبينت التحقيقات فيما بعد أن مصدر الشبكة هو "تل أبيب". وفي هولندا لمع اسم "ليون ديلينياك" اليهودي الثري الذي جمع ثروته من خلال إدارته لأكبر شبكة على الأراضي الهولندية تُعنى بالمتاجرة بدعارة الأطفال. وفي عددها الصادر بتاريخ 10 نيسان 2001 نشرت صحيفة الحياة تقريراً يسلط الضوء بالأرقام والأسماء على مافيات "إسرائيلية" تعمل في مجال تصدير ألوف الشابات الروسيات إلى الشرق الأوسط وخصوصاً إلى لبنان والأردن والإمارات ومصر وغيرها... وذلك تحت مسميات مختلفة في دور البغاء!
3 - الشذوذ الجنسي: إن رئيس أول جماعة عالمية للشواذ جنسياً من الذكور هو اليهودي "ماجنوس هيرشفيلد" (1868 -1935) ومساعده اليهودي "كورت هيلر" (1885 - 1972). وهذا الأخير كان أول من طالب بسن قوانين تحمي حقوق الشواذ جنسياً. وعلى الوتيرة نفسها يرتفع اليوم صوت الممثلة اليهودية المعروفة "ليز تايلور" مدافعاً عن حقوق اللواطيين والمتهمين بإنحرافات جنسية.
4 - الاتجار بالمخدرات: في عام 1994 ظهرت فضيحة اكتشاف مختبر لانتاج المخدرات الاصطناعية في هولندا بإدارة يهود يحملون الجنسية "الإسرائيلية". وفي نفس العام أُفتضح أمر تورط اليهود في عمليات تبييض أموال مهربي المخدرات في أميركا الجنوبية، وذلك بعد سقوط طائرة بنمية ومقتل إثني عشر يهودياً وصفوا بأنهم من كبار رجال المافيا. كلمة أخيرة: يجدر بنا الإشارة أخيراً إلى وجود رأي بين بعض الباحثين يذهب إلى أن كتاب البروتوكولات يتنافى مع البحث العلمي التاريخي، الذي يؤكد على أن البروتوكولات تعتبر مجرد كتاب غير صحيح ولا علاقة له بالحقائق والتاريخ (مقالة للكاتب العربي صقر أبو فخر - الحياة - 13 ش2 1997). والبعض يرجح أن تكون المخابرات الروسية وراء صياغة الكتاب لتأليب الرأي العام على اليهود الذين كانوا يناصبون العداء للحكم القيصري وقتذاك (د. محمد عبد الوهاب المسيري اليد الخفية - دار الشروق). وإذا ما أراد القارىء العزيز تبني الموقف الوسط - وهذا حقه بين وجهتي النظر المختلفتين، فإننا نحيله إلى ما نشرته مجلة "التايمس" في الثامن من أيار 1920 بقولها: "إما أن البروتوكولات من صنيع حكماء إسرائيل وعندئذ يكون كل ما أثير ضد اليهود مشروعاً وضرورياً وملحاً، أو أن البروتوكولات هي غير صحيحة وفي هذه الحالة تكون رؤية مفيدة باعتبارها تنبأت قبل عام 1915 بكل ما ستعانيه أوروبا بدءً من عام 1914".
(1) عن كتاب: الصهيونية والشعوب الشهيدة، تأليف بيير هابس - دار النضال - ص680.
- كتاب مفتوح إلى المواطن العربي - د. المحامي أحمد عمران الزاوي- دار المجد - سوريا.
- بروتوكولات حكماء صهيون - تأليف شوقي عبد الناصر - مؤسسة دار الكتاب الحديث.
- بروتوكولات حكماء صهيون - عجاج نويهض - دار الاستقلال.
- ملف اللوبي اليهودي في العالم - نديم عبده - الإعداد الطباعي منريخ.
(2) مجلة العربي العدد 521 - نيسان 2002 - سليمان مظهر - حكماء في عمل الشر...!! ص86.