أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مواجهة النبي صلى الله عليه وآله لفتن اليهود

الشيخ علي دعموش


لقد كان اليهود ولا يزالون أشدَّ الناس عداوة وحقداً على الإسلام والمسلمين، وقد كفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ولم يؤمنوا بالإسلام، بل وقفوا في مواجهة هذا الدين من أول يوم ظهر فيه على الرغم من كل الحقائق التي كانوا يعرفونها ويروجون لها عن الإسلام استناداً إلى ما بشرت به توراتهم وكتبهم وأحبارهم. والذي يدقق يجد أن شعور اليهود بالخطر المباشر من الإسلام على امتيازاتهم ومصالحهم وأطماعهم من جهة، وحسدهم للعرب في أن يكون النبي منهم وليس من بني إسرائيل من جهة أخرى، وانحسار نفوذهم وهيمنتهم على المنطقة أمام حركة الإسلام من جهة ثالثة، كل ذلك كان من جملة الأسباب والعوامل التي جعلتهم يقفون هذا الموقف من الإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله ويواجهونه بكل قوة من أجل القضاء عليه.

* فتن اليهود
وقد حاول اليهود مواجهة المد الإسلامي عبر الفتن والأساليب والممارسات التالية:
1 - بث الشكوك حول الإسلام ومفاهيمه، وتشكيك البسطاء وضعاف النفوس، وزعزعة ثقتهم وقناعتهم بعقيدتهم، وقد ذكر القرآن ذلك بقوله تعالى: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (1). وقال تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (2). وقد جاء في سبب نزول هذه الآية: أن جماعة من يهود خيبر وغيرها وضعوا خطة لزعزعة إيمان بعض المسلمين فتعاهدوا فيما بينهم أن يصبحوا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ويتظاهروا بالإيمان واعتناق الإسلام، ثم عند المساء يرتدُّون عن إسلامهم، فإذا سُئلوا لماذا فعلوا ذلك؟ يقولون: لقد راقبنا أخلاق محمد وسلوكه عن قرب ثم عندما رجعنا إلى كتبنا وإلى أحبارنا وجدنا أن ما رأيناه من صفات محمد وسلوكه لا ينسجم مع ما هو موجود في كتبنا، ولذلك ارتددنا عن الإسلام، وكانوا يقدرون أن هذا الأسلوب سيدفع بعض المسلمين إلى الارتداد والرجوع عن إسلامهم لأنهم سيقولون إن هؤلاء قد رجعوا إلى كتبهم السماوية التي هم أعلم بها منّا، فما يقولون صحيح، وبذلك تتزعزع عقيدتهم. ويوضح القرآن في موضع آخر سبب حرص اليهود على بث الشكوك في الإسلام وإضلال المسلمين فيذكر أنه الحسد! الحسد من الإسلام الذي عرفوا أنه الحق وأنه بدأ يؤتي نتائجه ويؤثر في قلوب الناس وعقولهم. قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(3).

2 - طرح الأسئلة التعجيزية على النبي صلى الله عليه وآله بهدف افشال دعوته، فكان أحبار اليهود يوجهون أسئلة تعجيزية للنبي صلى الله عليه وآله للايحاء للناس بعدم صدقه في ادعائه للنبوة. فقد طلبوا منه أن يأتيهم بقربان تأكله النار كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ(4). وطلبوا منه أن يأتيهم بكتاب من السماء خاص بهم، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً (5). وقالوا للنبي صلى الله عليه وآله أيضاً: يا محمد إن كنت رسولاً من اللَّه كما تقول، فقل للَّه فليكلمنا حتى نسمع كلامه، فأنزل اللَّه في ذلك: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (6).

3 - الضغط الاقتصادي على المسلمين ومقاطعتهم للمسلمين تجارياً وامتناعهم عن دفع ما يجب عليهم دفعه من ديون ومستحقات وأمانات لمن اعتنق الإسلام، مدعين أن ما كان لهم من حق إنما كان لهم قبل الإسلام وأن دخولهم في هذا الدين قد أبطل حقهم فيه. وإلى هذا يشير القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (7).

4 - تحريض أعداء الإسلام ومساندتهم بكل الوسائل من أجل قتال المسلمين وإسقاط دعوة الإسلام، فمن ذلك مثلاً تحريضهم لقريش ضد النبي صلى الله عليه وآله حيث ذهب جمع من اليهود إلى مكة بعد حرب بدر وحرضوا المشركين على الأخذ بالثأر ولم يخرجوا من مكة حتى جمعوا أمر المشركين على حرب النبي صلى الله عليه وآله فكانت معركة أحد فيما بعد. واليهود هم أول من انطلق لدعوة الأحزاب والقبائل العربية وتحريضهم ضد المسلمين في غزوة الخندق، وبعد أن قرر الأحزاب غزو المدينة قام اليهود بإمدادهم بالمال والسلاح وبكل أسباب القوة..

5 - تآمرهم على حياة النبي ثل ومحاولتهم القضاء عليه، فقد هموا بالغدر به صلى الله عليه وآله بإلقاء صخرة عليه من فوق أحد البيوت حينما ذهب إليهم يستعين بهم في دية قتيلين من بني عامر. كما أن امرأة يهودية مدفوعة من قومها دست السُّم في شاة وأهدتها إليه بغية قتله صلى الله عليه وآله حسبما أورد ابن هشام في سيرته(8).

6 - إثارة الفتن بين شرائح المسلمين واستغلال الأحقاد الدفينة التي كانت بين الأوس والخزرج قبل الإسلام وتحريكها من جديد، ونذكر هنا على سبيل المثال قضية شاس بن قيس فقد مرَّ هذا الرجل اليهودي الذي كان شديد العداء للمسلمين على جماعة من الأوس والخزرج المسلمين فغاظه ما رأى من ألفتهم ووحدتهم فأخذ يذكرهم بالماضي المشحون بالعداوة فيما بينهم وينشدهم بعض ما قيل من الشعر في حروبهم فحرك وجدانهم وأثار عصبيتهم حتى ثاروا وتنادوا بالسلاح وكادت الحرب تقع بينهم لولا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الذي خرج إليهم ووعظهم ونبههم إلى أن ذلك فتنة ومؤامرة من عدوهم فبكوا وتعانقوا وانصرفوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. وفي هذه الحادثة نزل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ(9).

7 - الكيد للإسلام والمسلمين ومؤامراتهم ومحاولاتهم المتعددة لإثارة البلبلة وتشويش الأوضاع باشاعة الأكاذيب وتخويف ضعاف النفوس. فقد ذكر المؤرخون أنه عندما أراد المسلمون اقتحام حصون خيبر أشاع اليهود في وسط المدينة أنهم أصحاب قوة وبأس وأنه لا طاقة للمسلمين على مواجهتهم في خيبر المدججة بالرجال والعتاد والسلاح.

8 - أساليبهم العدوانية في مواجهة الإسلام والمسلمين ومنها تآمرهم مع المنافقين على الإسلام ومكرهم معهم ضد المسلمين، ثم علاقاتهم المشبوهة مع قريش وتحريضهم إياها على محاربة النبي صلى الله عليه وآله في أكثر من موقع، ثم تآمرهم لمنع المسلمين من الخروج للجهاد كما حصل في غزوة تبوك حيث اجتمع بعضهم في بيت سويلم اليهودي لأجل تثبيط الناس وشل إرادتهم عن الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وآله.

* النبي صلى الله عليه وآله في مواجهة اليهود
نستطيع أن نقول أن جميع محاولات اليهود تلك للقضاء على الإسلام والمسلمين باءت بالفشل الذريع بسبب وعي القيادة الإسلامية لأساليبهم ومؤامراتهم. لقد صبر النبي صلى الله عليه وآله في البداية على مؤامراتهم وخياناتهم الكبرى تفادياً لحرب قاسية تجر الويلات على الناس في مقره الجديد في المدينة المنورة، حتى طفح الكيل وصعدوا من تحدياتهم وأصبحوا يشكلون خطراً حقيقياً يتهدد وجود الإسلام من الأساس، ولا سيما أنهم كانوا يعيشون في قلب المجتمع الإسلامي ويعرفون الكثير من مواقع الضعف والقوة فيه، ويتربصون به الدوائر، ويترصدون الفرصة المؤاتية للانقضاض عليه، فكان لا بد من صياغة التعامل معهم على أساس الحزم والقوة بدلاً من العفو والتسامح والرفق، فليس من المصلحة أن يترك اليهود يعيثون في الأرض فساداً، وينقضون العهود والمواثيق، ويسددون ضرباتهم للمسلمين من دون ردّ حاسم، بل لا بد من الرد الحاسم والحازم والعادل على كل اعتداء أو فتنة، ومواجهة كل تحدٍّ وتآمر وكيد وخيانة.

والذي يدقق في التاريخ الإسلامي يستنتج أن النبي صلى الله عليه وآله تعامل معهم بعد أن اتضح نقضهم لكل العهود والمواثيق بثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: هو الاغتيالات المنظمة لرموزهم وبعض أفرادهم.
الاتجاه الثاني: هو الحرب الشاملة والمصيرية ضدهم.
الاتجاه الثالث: هو كشف وفضح مؤامراتهم والتعامل مع المستجدات والأحداث بما تقتضيه طبيعة الحدث بحكمة وحزم.

الاتجاه الأول: وفيه اتبع النبي صلى الله عليه وآله مع اليهود المتآمرين أسلوب الاغتيالات المنظمة لرموزهم الأساسيين حيث قام باغتيال أبي عفك اليهودي الذي كان يحرض على إلحاق الأذى بالنبي صلى الله عليه وآله فقتله سالم بن عمير، وقتلت العصماء بنت مروان اليهودية على يد عمير بن عوف، وأرسل النبي صلى الله عليه وآله أحد أصحابه في السنة الثانية بعد الهجرة على رأس مجموعة فاغتالت كعب بن الأشرف أحد رموز اليهود، واغتيل ابن سنينة وأبو رافع بن أبي الحقيق من يهود خيبر وغيرهم.. لقد كانت هذه العمليات بمثابة جزاء عادل وإنذار حازم لكل من ينقض عهداً ويتآمر على مصلحة الإسلام والمسلمين، وقد نظمت هذه الاغتيالات ونفذت ببراعة ودقة فائقة وذكاء وعبقرية، فأرعبت اليهود في المنطقة وأخافتهم لا سيما بعد قتل كعب بن الأشرف حتى أنه لم يبق في المدينة المنورة ومحيطها يهودي إلا وهو خائف على نفسه.

الاتجاه الثاني: ولكن على الرغم من ذلك، فإن اليهود لم يتراجعوا عن الدس والتحريض والتآمر، واستمروا في عنادهم وتماديهم في إيذاء المسلمين وإثارة الفتن ونشر الفساد ونقض المعاهدات، وكان ذلك يتفاقم بين حين وآخر إلى درجة بالغة الخطورة، فكان لا بد من التعامل معهم بأسلوب آخر فكانت الحرب الشاملة والمصيرية ضدهم حيث لا يمكن اجتثاث مادة فسادهم بغير ذلك. فحاربهم النبي صلى الله عليه وآله في داخل المدينة فيما عرف بغزوتي بني قينقاع وبني النضير وأجلاهم عن المدينة، وحاربهم في محيطها فيما عرف بغزوة بني قريظة، وحاربهم في خيبر التي كانت تمثل المعقل الأساسي لهم في شبه الجزيرة العربية حيث استطاع المسلمون كسر شوكتهم والقضاء عليهم.

الاتجاه الثالث: وفيه تتبع النبي صلى الله عليه وآله خططهم وفتنهم ومؤامراتهم بيقظة كاملة، ولم يحدد طريقة ثابتة في مجابهة أعمالهم وإنما راح يضع لكل حالة إجراءاً أو خطة تتناسب تماماً وحجم المحاولة التخريبية، وتكبتها قبل أن تأتي بثمارها المرة وقبل أن تزرع شوكها في طريق الإسلام فتجده صلى الله عليه وآله أثناء التجهز لمعركة تبوك عندما علم باجتماع بعض اليهود والمنافقين في بيت سويلم اليهودي ليثبطوا الناس عن الجهاد يتخذ إجراءاً فورياً بحقهم فيأمر بحرق الدار عليهم. وفي موقف آخر نجده صلى الله عليه وآله يفضحهم ويكشف فتنهم، وينبه المسلمين إلى خططهم ومؤامراتهم، ويحذر الناس منهم. كما في حادثة شاس بن قيس مع الأوس والخزرج وكان هذا بطبيعته يمثل حصانة ومناعة للمسلمين ضد اليهود ومكائدهم وإفشالاً لكل محاولاتهم العدوانية. ومن وراء الرسول صلى الله عليه وآله كانت آيات القرآن تنزل من عند اللَّه الذي لا يخفى عليه شي‏ء في الأرض ولا في السماء فاضحة خططهم اللئيمة، منددة بأساليبهم، مظهرة أفعالهم ومكرهم صابة عليهم غضبها المخيف في أعقاب أية محاولة يستهدفون من ورائها فتنة أو خديعة أو مؤامرة.
والحمد للَّه رب العالمين.


(1) آل عمران: 69 - 70.
(2) آل عمران: 72.
(3) البقرة: 109.
(4) آل عمران: 183.
(5) النساء: 153.
(6) البقرة: 118.
(7) آل عمران: 75.
(8) ابن هشام، السيرة النبوية، ج‏3 ص‏353.
(9) آل عمران: 99 - 100.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع