نسرين إدريس
الاسم: محمد علي الحاج حسن اسم الأم: سلمى عبدو محل وتاريخ الولادة: النبي شيت 24/4/1964 الوضع العائلي: متأهل وله ابنة رقم السجل: 42 مكان وتاريخ الاستشهاد: الشياح 15/5/1988 |
الاسم: أحمد علي الحاج حسن اسم الأم: سلمى عبدو محل وتاريخ الولادة: النبي شيت 17/10/1966 الوضع العائلي: عازب رقم السجل: 42 مكان وتاريخ الاستشهاد: الغبيري 1/2/1988 |
عندما تفقد الحياة معناها الحقيقي، وتصبح حالةً م العبث اللامحدود، تبقى بكل جراحها النازفة تبحثُ في طيات الكلمات عن مكان لها تلتجئ إليه، تركض خلف الفواصل والنقاط تبحث عن إنسانٍ يستحقُ أن يعيشها.. وعندما يصبحُ الإنسان كاملاً يستحق الحياة، فلن يجد خلا الموت وساماً يضعه على صدره قرب قلبه ليعلن استعداده للحياة الأبدية؛ هذه هي الفلسفة التي كتبها مجاهدو حزب الله بالدّم، ولن يستطيع قرءاتها إلا من أتقن تفسير رموز الدّم..
إنها الحقيقة التي لا مناص بالغة أمرها، إنه الحب الرباني الذي لا يستطيع أي قلب أن يناله، "الشهادة"، العشق الذي زرعه الإمام الخميني قدس سره في قلوب المتطلعين إلى ثورته كخلاص من عبودية البحث، والعبور إلى مرحلة السلوك إلى الله".. ومحمد وأحمد لم ينتميا إلى عائلة كانت الحياة بالنسبة إليها طيّ أيام والسعي للأفضل، بل عائلة مزجت كل تفاصيل حياتها بقضية الإسلام المحمدي الأصيل؛ "لجان العمل الإسلامي المساندة للثورة الإسلامية"، "اتحاد الطلبة المسلمين"، "الحرس الثوري"، "حزب الله"، مراحل شهدت على تماسك القضية وتطورها في ذهنية المناضلين العاشقين لله..
لم يكن الالتزام بالأحكام الشرعية يحتاجُ إلى بداية معهما، فهما نشأ على ذلك، وتعلما أن الدين ليس صلاة وصياماً فحسب، بل هو أعمق من ذلك بكثير، وأيقنا أن الانتماء لمنظمة أو حزب ما ليس كلاماً يُلقى على المنابر ويدون على صفحات الجرائد، بل هو خليط من الروح والدم ليصبح الجسد صفحةً لا يُكتب عليها إلا الحقيقة.. وفي الشياح، حيث تربيا وعايشا المراحل المتخبطة التي مرّت بها البلاد، وشاهدا بأم العين انهيار العديد من المبادىء الفكرية والصراعات القومية، فتماشيا مع كل تلك التغيرات؛ ناقشا وحللا، فحملا من الثقافة ما جعلتهما بين أقرانهما أكثر ميزةً، خصوصاً أنهما لم يحصدا الثقافة دون العلم والسلاح..
فمحمد الذي يكبر أحمد بسنة، كان من الطلاب الذين لم تسرقهم المقاعد الدراسية من المشاركة في الندوات والنشاطات الدينية والثقافية، وقد انخرط في صفوف "لجان العمل الإسلامي لمساندة الثورة الإسلامية قبل انتصار الثورة بقيادة الإمام العظيم، وعمل على تدوين يوميات الثورة لحطةً بلحظة، وحدثاً فحدث، وقد تعلق قلبه بالإمام الخميني تعلق الإمام الحسين بأسوار الكعبة قبل ارتحاله إلى كربلاء.. كان عمره خمسة عشر عاماً عندما حمل البندقية، وشارك في الدورات العسكرية التي أقامها الحرس الثوري آنذاك ليعد المجاهدين الأفذاذ، وبشجاعته وإقدامه وحبه للشهادة اشترى جنة عرضها السماوات والأرض.. كان ينوي محمد أن يتعلم ميكانيك طيران، إلا أنه وبعد أن أنهى صف الثاني الثانوي التحق بالحوزة الدينية، فصبّ جلّ اهتماماته بالجهاد وتلقي العلوم الدينية وتدريب الأخوة على السلاح.. وتحول منزل العائلة إلى مركز يؤم إليه الأخوة المجاهدون، فكانوا يجلسون بكامل عتادهم لينطلقوا من هناك إلى ساحة الجهاد، وفي تلك الحقبة كان مجاهدو حزب الله يشترون السلاح من جيبهم الخاص ليقاوموا به العدو المحتل، وكان الشهيد محمد الحاج حسن أول من أطلق الصواريخ على مستعمرة كريات شمونه عام 1985.
ولم تكن سنوات الجهاد تلك لتتركه دون أوسمة، فقد تعرض الشهيد محمد للإصابة مرتين ثانيها عندما سقط صاروخاً بالقرب منه وهو على الدراجة النارية فطار في الجو حوالي عشرين متراً ثم سقط متعرضاً لارتجاج في الدماغ شفي منه بصعوبة، ولكنه سرعان ما عاد إلى ساحة المعركة وهو يحمل ذات العقيدة.. في مقابل ذلك، كان ذلك المجاهد المغوار الفتى البار بوالدته، فيساعدها ويعينها في شؤون المنزل، خصوصًا بعد أن تحول البيت إلى قاعدة عسكرية.. وفي عام 1986 تزوج وبدأ يهيئ نفسه لفريضة الحج، وكيفما تلفت يوصي والدته أن تذهب إلى الحج حالما تسنح الفرصة بذلك.. عندما وصل الشهيد محمد إلى الديار المقدسة، وبينما هو يطوف وإذ برجل يستوقفه من خلف ويخبره أن الله تعالى رزقه ابنة وسيسميها "هاجر".. تلفت محمد إلى الرجل فوجد إنه اختفى في الزحام.. وعندما عاد إلى لبنان علم أن زوجته حامل.. إزاء ذلك كان أحمد يسير على الخط ذاته الذي سلكه شقيقه، بل أشقاؤه، فكان الفتى الهادئ الحنون الذي يعامل الجميع كأنه أم رؤوم، شابٌ قوي العزيمة عميق الفهم والوعي، وقد احتل في قلوب أهله مكاناً جعل جرحه في قلوبهم طريًا مؤلمًا..
منذ صغره كان أحمد متميزاً بتعاطيه، فكيفما تلفت يعكس صورة ملاك رحمة يبعثُ الاستقرار في الروح.. بهدوئه الذي يسكبه على زوايا البيت وهوي قوم بإصلاح بعض الأدوات الكهربائية كهواية أحبّ أن يمتهنها في المستقبل، لكن ظروف الحياة الصعبة التي مرّ بها لبنان إبان الحرب جعلته يترك الدراسة بعد أن أنهى الأول الثانوي ليعمل ويعين والده في تحمل أعباء الأسرة، فباع سيارته الخاصة واشترى سيارة أجرة ليعمل عليها عندما يعود من المحاور.. وكان أحمد الذي حمل السلاح وهوف في الثالثة عشر من عمره عاشقاً له، والشهادة كلمة نادراً ما يسكت عنها لسانه، وقد حمل في شخصيته ميزات إيمانية عكست على وجهه نور الشهادة، فبإخلاصه الواضح، وصمته العميق وبسمته التي لا تفارق وجهه، وصلته القوية بالمسجد وصل إلى حيث كانت نفسه تصبو..
وقد شارك في العديد من العمليات العسكرية في الجنوب والبقاع الغربي، شأنه شأن أخيه الأكبر محمد، وصد هجومات الجيش الإسرائيلي في البقاع، وأصيب مرتين أثناء قيامه بعمليات عسكرية في جبل عامل، ومرة إبان الاعتصام الشهير الرافض لاتفاقية الذل في 17 أيار 1983 أمام مسجد الإمام الرضا عليه السلام حيث استشهد حينها الشهيد محمد نجدي، وقد بقي أحمد على الرغم من جراحه يصرخ "الموت للاستعمار..". من بيروت إلى النبي شيت إلى البقاع الغربي فالجنوب، بالهمة العالية والبأس الحسيني كانت أقدام أحمد تخط مسيرة أخذت على عاتقها تحرير الأرض من رجس الاحتلال، وكان أحمد ينقل السلاح معرضًا نفسه لخظر جسيم، ولكنه دومًا لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.. ومهما حاولنا أن نقلّب صفحات حياة الشهيدين محمد وأحمد الحاج حسن لنذكر المواقف والمهام، فإن الصمت يبقى طريق الذكرى في الوقوف عند أعتاب التضحية التي قدماها، فوحده السكوت يشهد على أن هناك الكثير الذي لا يُحكى عنه، وإنما يبقى خلف ستائر الذكريات يوقظه الحنين الدافئ إلى الأيام التي مرّت..
قبل استشهاد الشهيدين بحوالي ست سنوات، أطلق المجاهدون على الحاجة أم حسين والدتهما لقب "أم الشهداء"، وكيف لا تكون أمًا للمجاهدين والشهداء وقد هيأت الأسلحة، وألبست جعبة الشهادة لولديها ورفاقهما.. ولا يسعنا إلا القول أنه في الحديث عن الشهيدين محمد وأحمد الحاج حسن فإننا نفتح صفحة من حقبة تاريخية مليئة بالتضحيات والعطاءات والقهر الذي كتب بتجلده أعظم انتصار على العدو الصهيوني المتغطرس؛ سنوات كانت المقاومة خيارًا لقلة مخلصة، كان محمد وأحمد منهم.. في 1/2/1988، وبينما كان مكلفاً بإحدى المهمات الجهادية في منطقة الشياح، أصابته رصاصة قنّاص في رأسه أردته شهيدًا على الفور.. كانت شهادة أحمد بدايةً طبيعية لحياته الأبدية التي سعى إليها دومًا، وفي الآن ذاته نافذة سفرٍ لأفق روح محمد تعشق التحليق فيه، فكان يشدُ على جرح والدته بالصبر، ويخبرها أن الطريق لن تنتهي عند نقطة دم ذرفها أحمد على قارعة الطريق وهو يؤدي تكليفه الشرعي..
بعد مضي ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وتحديدًا في 15 أيار 1988، كان محمد في الغبيري يتابع إحدى المهمات، لكن رصاصة قنصٍ عمياء أصابته في رأسه لتكون شهادته توأم شهادة أخيه.. وليغمض عينيه قبل أن يرى ابنته "هاجر" التي سماها في أشهر الحمل الأولى، وقد ولت بعد استشهاد أبيها بخمسة أيام.. هكذا أعطى محمد وأحمد للحياة معناها، وجعلوا من أيامهما دستورًا لها.. تاركين وصيةً كوصية جميع الشهداء: "تابعوا الطريق.. واحفظوا المقاومة الإسلامية..".