نسرين إدريس قازان
اسم الأم: نهاد ضاهر
محل الولادة وتاريخها: بنت جبيل15/3/1974
الوضع العائلي: متأهل وله ولدان
رقم السجل: 169
محل الاستشهاد وتاريخه: خربة سلم 21/7/2006
سبقه اسمه قبل سنة من ولادته، وفي اسم يُحاكي صفاته؛ فكان "نضال" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وفي مختلف ساحات الحياة التي ما فتئ يهيّئ السّلاح الأمضى لكلّ مواجهة له معها.
حينما كان والده يعمل في ليبيا، أطلق رفاقه عليه لقب "أبي نضال" لإعجابهم الشديد بتعبه وكدّه في سبيل تأمين العيش الكريم. وبعد سنة واحدة، رزق بابنه "نضال"، وكأنّه رأى تجلّيات ساعات عمره أمامه في تلك العينين الصّغيرتين اللّتين اختزنتا في عمقهما بريقاً غريباً طالما ترك في القلب حيرة.
* أصالة التديّن في محياه
منذ اللحظة الأولى لولادته ترك نضال تساؤلاً غريباً في نفس والدته، فقد ولد من غير أن ينتابها ألم المخاض، وكأنه ينبئها في تلك اللحظة أنه سيعيش أيامه من دون أن يشعرها بتعبِ تربيته. فانسلتْ أيامه من بين يديها لتراهُ يكبر رويداً رويداً. أمّا الحربُ التي شرّدت الهدوء على أرصفة الفزع، فما فتئت تنتقل بهم من مكانٍ إلى آخر، تارة إلى بنت جبيل، وأخرى إلى برج حمود، إلى أن استقرت العائلة أخيراً في منطقة حي ماضي في الضاحية الجنوبية، حيث كان مسجد الإمام الرضا عليه السلام قريباً منه، ليكمل انطلاقته الإيمانية التي بدأها والداه معه مذ كان طفلاً. فالصلاة في وقتها، والمسجدُ، وحفظ القرآن كان بدايةً ابن السابعة من عمره، التي أفضت إلى شابٍّ برقت أصالة التديّن في مُحياه.
* ناضل لإعانة والديه
عندما بلغ الثالثة عشرة من عمره، سافر نضال إلى أمريكا بطلب من أحد أقاربه، وسرعان ما لحقت به أمه وأخوه الصغير المريض للعلاج. ثم رجع إلى لبنان؛ ليتابع دراسته. فكان يتعلّم حتى الساعة الثانية ظهراً، ويدرس حتى السّابعة، ثم يذهب إلى العمل في محل والده حتى السابعة صباحاً، وفي بعض الأحيان يعمل في محطة بنزين، وكان يرسل كل جناه إلى أمه وأخيه للمساعدة في مصاريف العلاج.
لم يهنأ نضال برؤية والده يكابد التعب في سبيل تأمين سُبُل العيش الكريم، فترك مدرسته ليقف إلى جنب والده في العمل. فزمن الحرب يرسم على صفحة المرء أشياء لم تكن لتخطر على باله.
امتهن نضال مهناً عدة واستغنى بما اتقنه عن الاستعانة بأصحاب المهن. وخصوصاً أنه كان منذ صغره يهوى الاستكشاف، فتراه يفكك الأغراض ويعيد جمعها. ونذَرَ ما تعلّمه لخدمة المحتاجين ورفاقه، فكان يقوم، بما أتقنه وتعلّمه، بالعمل للآخرين بسعر زهيد، وكان- لكرم نفسه - يساعد رفاقه والمحتاجين على الرغم من حالته المادية الضّيقة. حتى عندما كان يجهّز بيته الزوجي، وهو في تلك الحالة، بحاجة إلى كل قرش معه، أعطى راتبه كلّه إلى رفيقه الذي تعرّضت سيارته لحادثة. وذات مرة طُلب إليه أن يطلي منزلاً في الطابق الحادي عشر من الخارج، ففعل لأجل أن يعطي الأجرة لوالديه الّلذين كان يلتفت كثيراً لتعامله وحديثه معهما حتى لا يزعجهما بحرف.
* عشق وولاء لأهل البيت عليهم السلام
عشق نضال زيارة المقامات المقدّسة. وعندما رزقه الله تعالى زيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام، طُلب إلى الزّائرين المساعدة في تنظيف المقام، فلم يصدّق نضال ما سمع، وطار فرحاً، فكان من يراه يرى جسداً يمسح الأرض بروحه، وبدموع الغبطة التي تفيض من بين جنباته. يومها، جمع بعض الغبار واحتفظ به في حقيبة لتوضع معه في القبر. أما في كل عاشوراء، فكان يقوم بطهو "الهريسة" بنفسه ويوزعها على الناس.
عاش نضال أيامه وعشقُ الجهاد والمقاومة يسري في شرايينه. فمنذ أن بلغ التاسعة من عمره كان يتحيّن الفرص للقاء المجاهدين في مسجد الإمام الرضا عليه السلام، وكان يساعدهم ويخدمهم، حتّى بلغ العمر الذي يمكّنه من الالتحاق بالدورة العسكرية، وهناك بدا واضحاً شغفه وبراعته في تركيب وتفكيك العبوات.
* زواج وحياة متواضعة
تزوّج نضال بما تيسّر معه من مال، مكتفياً بما يحتاج إليه، فلم تأخذه شؤون الدّنيا وبهارجها، بل جلُّ ما كان يسعى إليه عيش كريم فيه رضا الله من دون أن يعلم أحد، قريب أو بعيد، كيف تمضي الأيام خلف تلك الجدران المزيّنة بالسكينة. وأحد أيام الشتاء لتجده وزوجته يقبعان بين أرجاء الصقيع ودفء القناعة يجلّلهما، فراع قلبها أن لا تجد سجاداً في بيت ابنها. فما كادت شمس النّهار التالي تشرقُ، حتى انتظرت ذهاب ابنها إلى عمله، وتحيّنت فرصة زيارة زوجته لأهلها، وقامت بفرش المنزل بالسجاد. وحين عاد نضال وزوجته وفتحا باب المنزل، دمعت عيناهُ وعوض الدخول إلى البيت توجه مباشرة إلى أمه ليشكرها.
كان نضال يهتمُّ كثيراً بولديه، و كان قلبه يعتصرُ حسرة على انشغاله الشديد عنهما، وعندما كان يعود إلى المنزل بُعيد منتصف الليل، كان يوقظهما، في بعض الأحيان، شوقاً لرؤيتهما، ولطالما كان يطلبُ المسامحة منهما على التقصير الذي كان رغماً عنه.
* وانتهت غربته
أشعلت بداية حرب الوعد الصادق الخوف في قلب نضال، فهو المتحسّر دوماً بسبب البقاء، وهو الخائف أبداً من أن يتركه قطار الشهادة على مقعد انتظار جديد، فلم يعرف كيف يلملم شتات روحه لينتقل إلى محاور القتال في الجنوب، ليتنقل من مكان إلى مكانٍ وقد تعلّقت روحه بساحات القدس والجهاد تسأله القرب والدنو، عسى تلك الغربة التي عاشها بعد أن سبقه الكثير من رفاقه شهداء تنتهي، وكان له ما أراد إذ استشهد، فيما كان يرابطُ في قرية خربة سلم، أثناء تصديه للعدوان الإسرائيلي على القرى والبلدات.
* من وصية الشهيد
أمي الحنون، أطلب منكِ المسامحة والعفو كما أطلب منكِ أن تصبري ولا تحزني، وكلما أتتكِ ذكراي تذكَّري السيدة زينب عليها السلام أم المصائب، واصبري كما صَبَرت على أخيها الحسين عليه السلام. إني أشكركِ لحثّي وتشجيعي على البقاء على هذا النهج الشريف، نهج حزب الله مع إخواني المجاهدين. لا أعرف ماذا أقول لكِ، لا شيء أستطيع قوله يمكن أن يكفي للتعبير لكِ عن شكري.
أبي العزيز،أطلبُ منكَ السَّماح والمغفرة والصبر والحث ومساعدة إخوتي على البقاء على هذا النهج.