مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قرآنيات‏: أحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص(1)

الشيخ محمود سرائب‏


﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (يوسف: 3). القرآن الكريم، كتاب لا يحتاج إلى تعريف فهو الذي يعرِّف نفسه بأنه كتاب هدى للعالمين، ونور مبين، وتبيان لكل شي‏ء، فلا نريد في هذا البحث أن نعرّف القرآن؛ لأن هذا العمل خارج عن الطاقة البشرية، بل نريد أن نستلهم شيئاً من هداه، وقبساً من نوره، لعلنا ننير الطريق "لمن ألقى السمع وهو شهيد". فهذا القرآن الكريم قد وصفه الإمام علي عليه السلام بقوله: "تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء للصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص..."(1). وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب اللَّه..."(2). فالقرآن إذن من أوصافه أنه أحسن القصص، لذا سنحاول في هذا البحث المختصر أن نتعرف على بعض مميزات وأهداف القصة القرآنية.

* مميزات القصة القرآنية
القصص: "جمع قصة، ويقال: اقتصصت الحديث، وقصصته قصاً وقصصا: رويته على جهته، وهو من اقتصصت الأثر أي: اتبَّعته، والقصص: الخبر الذي تتابع فيه المعاني"(3). القصة في القرآن ليست عملاً فنياً مستقلاً في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة أحداثه، كما هو شأن القصَّة الفنية الحرة، بل هي وسيلة لتبليغ الأهداف الدينية؛ باعتبار أن القرآن هو كتاب هداية للبشرية ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(إبراهيم: 1).

والقرآن من أجل وصوله إلى هذه الأهداف، يوظف مجموعة من الأدوات والعناصر المتنوعة ومن ضمنها القصص التي هي عبارة عن: نقل الحوادث، وإخبار الماضين، والحديث عن سوء المصير وحسن الخاتمة، ولكن القرآن في كل ذلك كتاب حكمة وموعظة هدفه الأساسي هو غرس التقوى، والمبادئ‏ الإلهية في النفوس البشرية. فهو بذلك لا يختلف عن غيره من الكتب السماوية، والإرشادية سوى في طريقته الخاصة والمميزة في أداء غرضه الديني. فالقرآن الكريم، عندما يعرض القصة تراها كأنها مشهد واقعي يجسد حاضراً منظوراً أمامنا ينبض بالحركة والحيوية. فإذن أداء الغرض الديني من خلال القصة لا يمنع من بروز الخصائص الفنية التي منها التصوير الفني الذي هو عبارة عن: "تجسيد المعاني وهو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن فهو يعبر بالصورة الممثلة عن معنى ذهني أو حالة نفسية، أو عن حوادث غابرة، أو مشاهد آتية، أو عن نموذج إنساني ما، وغرائزه وتصرفاته في هذه الحياة. فكأنها صورة شاخصة، وهيئة مشهودة ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة، ويفيض عليها الحركة"(4).

فالتعبير القرآني ينطلق في حركة ازدواجية تأليفية تناسقية بين الغرض الديني والفني والسبب في ذلك أن قولبة المشهد بمثال فني جميل تعتبر أفضل طريقة مقصودة للتأثير الوجداني، فمن خلال هذا الأسلوب يخاطب النص القرآني حاسة الوجدان بلغة الجمال وبيان ساحر، ليدهش الطرف المقابل. فمن خلال هذا الاندهاش يتأثر الوجدان الإنساني؛ لأن الدهشة تشكل حالة من الارتياح هي عين الشعور بالجمال، فتنفعل النفس، ويظهر هذا الانفعال بشكل غريزي من خلال الفرح والحزن، وهذا الأسلوب يؤثر على الشخصية الإيمانية، ويعتبر من أنجح الأساليب التربوية. فالقرآن ليس كتاباً تاريخياً، ولا صحيفة من الصحف فيه قصص تخيلية، إنما هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. فلذا لا نرى في القرآن خصائص الأحداث التاريخية كالزمان، والأوضاع الاجتماعية، والسياسية. إنما القرآن استهدف مجموعة أهداف خاصة هي التي تحكمت في عرض القصة، وفي إدارة أصدائها، وإبراز بعض شخصياتها، ونفس هذه الأهداف هي التي فرضت بدايات وأحجام خاصة للقصة القرآنية. والإطلاع على هذه الأهداف سيسهل علينا الإجابة عن بعض التساؤلات التي تثار حول القصص القرآنية.

* أهداف القصة القرآنية
ونقصد بها الأهداف الخاصة التي يسعى القرآن إلى بلوغها وتحقيقها من خلال "القصة"، والتي يجب أن تكون متناغمة في طبيعتها، ومضمونها مع الرسالة، والأهداف العامة للقرآن الكريم. وإليك بعض أهداف القصة القرآنية:

1- إثبات وحدانية اللَّه:
يولي القرآن الكريم اهتماماً بالغاً للإيمان بوحدانية اللَّه تعالى، وأنه الأساس في صياغة شخصية المسلم، فاللَّه هو الواحد الأحد... لا شريك له في خلقه ولا في ألوهيته على شؤون الخلق ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران: 62).

2- إثبات الوحي الرسالي:
كل قصة لها بنهاية المطاف مصدر ترجع إليه قد يكون قابلاً للصدق، والكذب، باستثناء القصص القرآنية لأن مصدرها الوحي المبارك الذي لا يقبل الخطأ. ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (آل عمران: 44).

3- الدعوة لعبادة اللَّه الواحد وأنها هدف الأنبياء عليهم السلام:
فالكون يبدأ حسب التصور الإسلامي من الحقيقة الإلهية الواحدة التي صدر عنها، فالدين موحد في الأساس وهو العبادة والطاعة للإله الواحد وتبعاً لهذا كانت ترد قصص مجموعة من الأنبياء عليهم السلام في سورة واحدة لتدعو الناس إلى التوحيد في العبادة الذي هو أساس الرسالة التي يشترك فيها جميع الأنبياء عليهم السلام: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ...(الأعراف: 59)، ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (الأعراف: 85)، ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (الأعراف: 65). وهكذا كانت دعوى كل الأنبياء عليهم السلام.

4- بيان عاقبة الخير والشر:
وهذا ما استهدفه القرآن الكريم لبيان العبرة والعظة من القصة ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً... (الأنبياء: 35)  ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (البلد: 10) ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف: 176).

5- بيان أحوال الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم:
قوم نوح: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا.
قوم هود: ﴿يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ... (هود: 53).
قوم صالح: ﴿يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (هود: 62).

6- بيان نصرة اللَّه للأنبياء عليهم السلام:
وإن اللَّه في نهاية المطاف ينصر أنبياءه ويختم لأعدائهم مصارع السوء. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ.

7- بيان قدرة اللَّه تعالى على الخوارق:
كما في قصة سيدنا آدم عليه السلام وسيدنا عيسى عليه السلام وسيدنا إبراهيم عليه السلام.

8- بيان تنبيه أبناء آدم عليه السلام إلى غواية الشيطان وإبراز العدواة الخالدة بينه وبينهم:
 إلى غير ذلك من الأهداف التي تتحكم بالقصة التي لا نتمكن من عرضها في هذه العجالة.


(1) الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، ج‏1، ص‏216.
(2) الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج‏5868، ج‏4، ص‏402.
(3) الطبرسي، مجمع البيان، ج‏2، ص‏312 بتصرف.
(4) سيد قطب، التصوير الفني، ص‏29.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع