مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصايا العلماء: اجعل روحك روحاً إنسانية

الشيخ حسين كوراني‏


مجالس العلماء باللَّه، مصنع العقول السليمة التي لا يخترمها السبات، فضلاً عن الأسر، فكيف بالهدم. ومصنع القلوب السليمة التي تستضي‏ء بنور العقل، فلا تلغي العاطفة التي تعني دفن القلب، ولا تلغي العقل التي تعني دفن الإنسان.

وهذه محاولة ننتقل معها إلى هذه المجالس بكل ما تحفل به من رحيق براعم الوحي وأزهاره، وشذا عطره المحمدي، وأريجه المتضوع. لئن كان كل ما يجود به العلماء باللَّه تعالى، فيه شفاء للناس، في عالم الروح والمعنى، والظاهر والمادة أيضاً، فإن عطاءهم المميز، هو ذلك الذي نجده في "وصاياهم" سواء أكانت قد تجلت منهم كوصايا، كتلك التي يكتبونها لأولادهم، أو المريدين، أو جاءت كذلك بعفو السجية والإسترسال.

وما زلنا في مجلس الإمام الخميني قدس سره أيها العزيز: فكر... وابحث عن حل... واعثر على طريق النجاة ووسيلة الخلاص لنفسك، وألجأ إلى اللَّه أرحم الراحمين، والتمس في الليالي المظلمة من تلك الذات المقدسة بتضرع وعجز أن يعينك في جهاد النفس هذا، لتكون الغلبة حليفك إن شاء اللَّه تعالى وتجعل مملكة وجودك رحمانية وتخرج منها جنود الشيطان، وتسلم البيت إلى صاحبه ليعطيك اللَّه السعادات والبهجة والرحمات، فإن كل ما سمعته من وصف الجنة والحور والقصور أمام ذلك لا يعادل شيئاً، وتلك هي السلطنة الكلية الإلهية التي أخبر بها أولياء اللَّه من هذه الملة البيضاء الحنيفة. والأعلى من ذلك هو تلك الأمور التي لم تسمع بها أذن أحد ولا خطرت على قلب بشر(1).

للإنسان صورة وشكل ملكوتي غيبي... وتلك الصورة تابع لملكات النفس وخُلق الباطن في عالم ما بعد الموت، سواء كان البرزخ أو القيامة. إذا كان خُلق الإنسان الباطن وملكته وسريرته إنسانياً، فإن صورته الملكوتية أيضاً صورة إنسانية، أما إذا كانت ملكاته غير الملكات الإنسانية فلن تكون صورته إنسانية! وستتبع الصورة تلك السريرة والملكة. مثلاً: إذا غلبت ملكة الشهوة والبهيمية على باطنه، وأصبح حكم ملكة الباطن حكم البهيمة، فإن صورته الملكوتية صورة إحدى البهائم المتناسبة مع ذلك الخُلُق. وإذا غلبت ملكة الغضب والسبعية على باطنه وسريرته وأصبح حكم الباطن والسريرة حكم السبع، فإن صورته الغيبية صورة أحد السباع. وإذا أصبح الوهم والشيطنة ملكة له، وأصبح الباطن والسريرة ذات ملكات شيطانية من قبيل الخدعة، والاحتيال، النميمة، الغيبة، تصبح صورة غيبه وملكوته صورة أحد الشياطين المناسبة لذلك.

وأحياناً يمكن وبطريقة التركيب أن تكون ملكتان أو عدة ملكات منشأ للصورة الملكوتية! عندها لا تكون الصورة بشكل أي من الحيوانات، بل تكون صورة غريبة مدهشة وموحشة لا تشبهها أية صورة في هذا العالم!!


روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "يحشر بعض الناس يوم القيامة على صور تحسن عندها صور القردة والخنازير"، بل من الممكن أن تكون للشخص الواحد في ذلك العالم عدة صور لأن ذلك العالم ليس كهذا العالم الذي لا يمكن فيه للشي‏ء الواحد أن يتخذ أكثر من صورة (في آن واحد) وهذا الأمر مطابق للبرهان أيضاً وهو مقرر في محله. واعلم أن الميزان لهذه الصور المختلفة التي إحداها صورة إنسان والباقي أشياء أخرى... هو وقت خروج النفس من هذا البدن، وظهور مملكة البرزخ وغلبة سلطان الآخرة التي أولها في البرزخ في وقت الخروج من البدن، حيث تتشكل الصورة الأخروية للإنسان وفق الملكة التي غادر بها الدنيا وتراه العين الملكوتية البرزخية وحتى هو نفسه، عندما تفتح عينه البرزخية فإنه يرى نفسه بالصورة التي هو عليها، إذا كانت له عين! لا تلازم بين الصورة التي يكون فيها الإنسان في هذه الدنيا وبين الصورة التي يظهر فيها هناك. يقول اللَّه تعالى حكاية عن بعضهم عند الحشر: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (طه: 125).

أيها المسكين كانت لك عين مُلكية ترى الظاهر، إلا أن باطنك وملكوتك كان أعمى، وأنت الآن تدرك عماك هذا، إلا أنه كان منذ البداية ولم تكن لك عين بصيرة باطنية يمكنك أن ترى بها آيات اللَّه! أيها المسكين، أنت ذو قامة مستقيمة وصورة مُلكية جميلة التركيب؛ إلا أن ميزان الملكوت والباطن غيرُ هذا. يجب أن تحصل على الاستقامة الباطنية لتكون مستقيم القامة في القيامة. يجب أن تكون روحك روحاً إنسانية لتكون صورتك في عالم البرزخ والآخرة صورة إنسان. أنت تظن أن عالم الغيب والباطن الذي هو عالم كشف السرائر وظهور الملكات، مثل عالم الظاهر والدنيا، حيث الاختلاط والإشتباه. عينك وأذنك واليد والرجل وسائر أعضائك. الجميع يشهدون بكل ما عملت بلسان ملكوتي بل بناء على رأي البعض، وبصور ملكوتية.

فيا أيها العزيز... افتح إذن القلب، وشمِّر عن ساعد الجد وارحم حالة شقائك، لعلك تستطيع أن تجعل نفسك في صورة إنسان فتخرج من هذه الدنيا بصورة آدمية... لتكون من أهل النجاة والسعادة، حذار أن تظن أن هذه الأمور موعظة وخطابة! إنها جميعاً نتيجة البرهان الحكمي للحكماء العظام، وكشف أصحاب الرياضة، وأخبار الصادقين والمعصومين. ولا بناء في هذه الأوراق على إقامة البرهان، ونقل الكثير من الأخبار والآثار(2).


(1) الأربعون حديثاً، تحت عنوان "المقام الثاني" الفصل الأول.
(2) من الحديث الأول، تحت عنوان "فصل في الإشارة إلى بعض القوى الباطنية".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع