كلّنا يعلم أن مستقبل دولة ما وشعب ما ونظام ما رهين بيد الطبقة المثقفة بعد عامة الناس، وإن الهدف الكبير للاستعمار الحديث هو السيطرة على مواقع هذه الشريحة. وإن ما ألحق ببلادنا خلال العقود الأخيرة من آلام وصدمات إنما هو بسبب الخونة في هذه الشريحة. وإن التبعية للشرق والغرب إنما قامت على أيدي المتشرقين والمتغربين ومن يسمّون أنفسهم بالمثقفين الذين تخرجوا من الجامعات، لكن إطار تفكيرهم كان قد تمّ إعداده في المدارس الابتدائية والمتوسطة.
فهؤلاء ألحقوا أضراراً كبيرة بثقافتنا وديننا وبلادنا، وذلك لأنهم ومن أجل إكمال التبعية للشرق والغرب ولأمريكا أخيراً، عملوا ما بوسعهم من أجل مصلحة هؤلاء. لأنهم كانوا قد درسوا، فقد جاؤوا بالتغرب والتشرق، وقد قاموا بانتخاب السلع الأفضل لأربابهم وكعبة آمالهم مثل اللصوص الذين يأتون حاملين سراجاً.
* خطر المثقفين المتغربين
لو كانت جامعاتنا قائمة على ترتيب أصولي، لما كان لدينا أبداً طبقة من المثقفين الجامعيين تبتعد عن الشعب في أشد الأزمات التي مرت بإيران، والصراعات وتعدد الطوائف، وتهتم بنفسها فقط، ولا تبالي بما يحدث للناس وكأنها لا تعيش في إيران. إن سبب جميع أنواع التخلف تعود إلى عدم المعرفة الصحيحة لأكثر مثقفينا الجامعيين بالمجتمع الإسلامي الإيراني، وهذا مع الأسف موجود حتى الآن. إذ أن أكثر الضربات المهلكة التي لحقت بشعبنا كانت بيد هؤلاء المثقفين الذين تخرجوا من الجامعات، وكانوا دائماً ينظرون إلى أنفسهم بإعجاب ولا يزالون، وكانوا ينطقون ولا يزالون بكلمات لا يفهمها سوى صديقه المثقف الأخر ولا يهمهم أن يفهم الناس، لأن الشيء الآخر الذي لم يكن مطروحاً هو الناس، ويهتمون بأنفسهم فقط. فكان المثقف الجامعي الذي ينشأ على التعليم السيء لجامعات الملك أصلاً لا يقيم أي اعتبار للناس المستضعفين ومع الأسف فإن هذا موجود حتى الآن.
* المثقفون والتغريب
يجب القول أن جامعاتنا كانت تدار من قبل مجموعة متغربة ومنهزمة نفسياً وعميلة، وكان العلماء المتدينون قليلين ومسلوبي القدرة، وكانت الأغلبية المتغربة تحبب الغرب لشبابنا، وترسلهم أفواجاً أفواجاً إلى الخارج، فيمارس الاستعمار دوره ويوجّه الشبان بالشكل الذي يريده، ليعودوا إلى البلاد بأفكار غربية وغير إسلامية وغير وطنية، وكانت هذه فاجعة القرن الأخير التي ألمتَّ بالدول الإسلامية وأشباهها. من المؤلم والمؤسف أن الجامعات والثانويات كانت تدار من قبل المتغربين والمتشرقين الذين ينفّذون خططاً مرسومة لهم باستثناء أقلية مظلومة ومحرومة. وعلى أيدي هؤلاء، كان يتلقى أعزاؤنا التعليم والتربية، فكان قدر شبابنا الأعزة والمظلومين أن يتربوا في أحضان هذه الذئاب العميلة للقوى الكبرى، وأن يتصدوا لمناصب التشريع والحكم والقضاء لينجزوا أعمالهم وفق أوامر النظام البهلوي الظالم(1).
من أجل ثقافة مستقلة إننا نريد من شباننا الجامعيين كلّهم أن يقفوا بوجه الغرب عندما يقف الشعب الإيراني بوجهه، وكذلك أن يقف بوجه الشيوعية عندما يقف الشعب بوجهها، لا أن يقف شباننا الذي قبل بسبب سذاجته تلك التربية الباطلة على يد بعض المعلمين بوجهنا عندما نريد بناء جامعة مستقلة وإحداث تغييرات أساسية فيها ونبقى مستقلين ونقف بوجه الغرب والشرق والشيوعية. وهذا دليل على أننا لم نكن نملك ولا نملك تلك الجامعة الإسلامية التي تربي شباننا. وهذا دليل أيضاً على إن شبابنا غير متربين تربية صحيحة ومن جانب اخر، فإنهم لا يهتمون بالدراسة، ويقضون أعمارهم بالشعارات وبالدعاية السيئة الباطلة، ويؤيدون أمريكا، ويؤيدون الاتحاد السوفيتي. إننا نريد من شبابنا أن يكونوا مستقلين، ويهتموا بأنفسهم، ويهتموا باحتياجاتهم، ولا يكونوا شرقيين ولا غربيين. إن هؤلاء الذين ساروا في الشوارع أو في الجامعات، وأوجدوا المشاكل للدولة والشعب، إن هؤلاء إما مؤيدون للغرب أو الشرق. وباعتقادي فإنهم مؤيدون للغرب ولأميركا. إننا اليوم نقف بوجه أمريكا، ونحتاج من شباننا أن يقفوا بوجهها أيضاً، بينما يقف شباننا بوجه بعضهم البعض، ويعملون لأمريكا.
إننا نريد لجامعاتنا أن تكون بحيث يعمل شبابنا لأنفسهم ولشعبهم. إن معنى أسلمة الجامعات هو أن تكون مستقلة، وتنفصل عن الغرب، وتنفصل عن الشرق، وأن تكون بلادنا مستقلة، وجامعاتنا مستقلة، وثقافتنا مستقلة. أعزائي إننا لا نخشى المحاصرة الاقتصادية، ولا نخشى التدخل العسكري، وإن ما نخشاه هو التبعية الثقافية. إننا نخاف من تلك الجامعة الاستعمارية، إننا نخاف تلك الجامعة التي تربّي شباننا ليكونوا في خدمة الغرب.
* أسلمة الثقافة
يضن البعض، وهم متوهمون في ذلك إن إصلاح الجامعات وجعلها إسلامية يعني أن العلوم على قسمين، كل علم له قسمان أحدهما إسلامي والاخر غير إسلامي، مثلاً، أحد أقسام علم الفيزياء إسلامي والآخر غير إسلامي، لذلك فهم يعترضون بأن العلوم لا يوجد فيها إسلامية وغير إسلامية. وتوهّم البعض الآخر أن المقصود من أسلمة الجامعات هو أن تُدرس علم الفقه والأصول والتفسير فقط، أي نفس الشيء المتّبع في المدارس القديمة. فهذه اشتباهات تصدر من البعض، أو يوقع نفسه فيها.
إننا لا نقول بأننا لا نريد العلوم الجديدة، ولا نقول بأن العلوم على قسمين كما يناقش البعض بذلك عن عمد أو عن جهل، بل نريد القول أن جامعاتنا لا تملك الأخلاق لإسلامية، ولا تربي إسلامياً. لو كانت جامعاتنا ذات تربية وأخلاق إسلاميين لما صارت ميداناً للصراع العقائدي الذي يضرّ بلادنا. لو كانت الأخلاق الإسلامية موجودة في الجامعات لما وقع ذلك الصراع الذي يكلفنا غالياً. فذلك كله بسبب أنهم لا يعرفون الإسلام وغير متربين إسلامياً. فيجب أن تكون التربية الإسلامية موجودة إلى جنب تحصيل العلم، لا أن يربونهم تربية غربية، فنرى أن مجموعة تجرّ شباننا نحو الغرب، وأخرى تجرّهم نحو الشرق.
* التخلص من التغرب
يجب على طلبة المدارس والجامعات والأساتذة والمعلمين الملتزمين أن يبذلوا كل جهدهم وقدرتهم في الكشف عن عوامل الفساد، وتطهير تلك الأوساط التربوية والتعليمية من رجس وجودها، ولا يتصوروا بأن هذا التغلغل إنما هو من أجل انحراف الجامعات فقط، إذ أن المنحرفين والمنافقين يعطون أهمية أكبر للتغلغل داخل المدارس الثانوية، بل وحتى الابتدائية لكي يهيؤا الشبان للانحراف في الجامعات. إنهم يعلمون لو أن الأحداث تربّوا تربية صحيحة في مراكز التعليم، وأحسوا بحيل المستعمرين، ولمسوا مؤامراتهم المختلفة؛ لانخفضت فرص النجاح أمام عملاء الاستعمار في الجامعة.
لهذا نراهم يبدون أهمية خاصة لبناء الجهاز الاستعماري الشرقي أو الغربي للدخول إلى الجامعة، وذلك من المرحلة الابتدائية والثانوية وقبل الدخول إلى الجامعة. لذلك يجب على الأجهزة التعليمية الملتزمة والحريصة على انقاذ البلاد أن تبذل اهتماماً خاصاً في المحافظة على الأحداث والشباب الأعزاء الذين يرتبط استقلال البلاد وحريتها في المستقبل بتربيتهم تربية صحيحة. ومن هنا يبرز دور المعلمين والأساتذة في تربية التلاميذ وطلبة الجامعات وتهذيبهم لأن لهم الدور الأساسي والمهم، وكلنا شاهدنا تلك الفجائع والمصائب التي لحقت بالبلاد بسبب ميولهم الشرقية والغربية وكيف أن الجامعات أصبحت كالقلعة المحكمة لخدمة الشرق والغرب، وخرَّجت الأكثرية الساحقة من المتغرّبين والمتشرِّقين في هذه البلاد وسلّمتهم إلى المجتمع. والان يجب على المعلمين الملتزمين والمسؤولين في المدارس الابتدائية والثانوية أن يبذلوا جهدهم من أجل إرسال شبان إلى الجامعة مثقفين بالثقافة الإيرانية الإسلامية المستقلة والفنية، وواعين للانحرافات السابقة في الجامعة.
ويجب على الأساتذة الملتزمين وبعد فتح أبواب الجامعات أن يوعّوا الشباب بمجرد مشاهدة انحرافهم وميولهم لأحد القطبين، وأن يقدِّموا للمجتمع شباناً ملتزمين وحريصين على مصالح البلاد وواعين للأهداف الإسلامية. وثقوا بأنكم ستضمنون حرية بلادكم واستقلالها الكامل من خلال هذه الخدمة. فكروا أيها الطلبة الجامعيون الأعزاء بالتخلص من التغرب، والعثور على ضالتكم فالشرق ضيع ثقافته الأصيلة، ويجب عليكم أنتم الذين تريدون أن تكونوا مستقلين وأحراراً أن تقاوموا، وأن تبني جميع الفئات أمرها على أن تكون هي نفسها. يجب على المزارعين أن يكونوا بصدد إخراج قُوتَهم من تحت الأرض، وأن تكون المصانع مكتفية ذاتياً حتى تنمو الصناعات في بلادنا.
كذلك يجب على الجامعات أن تكون مكتفية ذاتياً ومستقلة حتى لا تشعر بالحاجة. ينبغي على شبابنا وعلمائنا وأساتذتنا أن لا يخافوا من الغرب، وأن تكون لهم الإرادة لينتفضوا بوجه الغرب ولا يخافوا.
* رسالة مثقفي عالم الإسلام
يجب على المثقفين الإسلاميين جميعاً ومن خلال العلم والوعي أن يسلكوا الطريق الصعب لتغيير عالم الرأسمالية والشيوعية، ويجب على جميع المتحررين ومن خلال الوعي والتوعية أن يرسموا الطريق للشعوب المظلومة الإسلامية والعالم الثالث لتصفع الدول العظمى والكبرى وخاصة أمريكا.
* نهضة المثقفين هي الأمل
إن النقطة المضيئة التي تمثل الأمل في نهاية حياتي هي وعي الجيل الشاب ويقظته ونهضة المثقفين المتسارعة المتنامية وإن شاء اللَّه تصل إلى نتائجها القطعية والتي هي قطع يد الأجانب وبسط العدالة الإسلامية. أنتم أيها الشبان الطاهرون مكلّفون بتوعية الشعب أكثر بأية وسيلة، وكشف الستار عن الحيل المختلفة للجهاز الحاكم، وتعريف العالم بالإسلام الذي يريد نشر العدالة. إن وظيفتنا هي الوقوف بوجه الدول العظمى، وإننا نملك مثل هذه القدرة بشرط أن يمتنع المثقفون عن التشرق والتغرب والميل للشرق والغرب، وطي طريق الصراط المستقيم للإسلام والشعب.
(1) كانت الجامعة في العهد البهلوي تعاني من تبعية كاملة للغرب في مجال التقنية والثقافة، وكانت تشكل محفلاً ومعرضاً للعقائد المستوردة وغسل أدمغة الشباب، ودفعهم نحو التبعية إلى الغرب أكثر فأكثر، ولهذا قلّما نشاهد في الجامعات في ذلك العهد البائد ابتكارات وإبداع وحداثة، وأسوأ من ذلك أن المبدعين لم يتلقوا التشجيع، ولم نرَ أي إنتاج مهم وبارز في المجالين العلمي والتقني للجامعة آنذاك. وفي العقد الأخير من الحقبة البهلوية تحوّلت الجامعات إلى قاعات عرض أزياء، وابتعدت عن الثقافة الوطنية والدينية، بحيث كانت الأقلية من الطلاّب الجامعيين والأساتذة الملتزمين والمتحرقين لمصلحة البلاد يحترقون كالشمعة، بل وحتى أن العديد منهم فقد حياته من أجل مواجهة الثقافة المنحطة والفاسدة للحكّام والجامعات. لكن هذه الثلّة المؤمنة من الأساتذة والطلاّب الجامعيين وبدافع وطني وديني قاموا بمواجهة مظاهر الثقافة المنحطة، وبثوا الفكر الديني في الجامعة خاصة بعد ثورة الخامس من حزيران 1963م بقيادة الإمام الخميني ممّا أنتج تحوّلاً كبيراً في مسيرة نضال الشعب الإيراني، وفي عقد التسعينات تحقق أحد آمال الإمام الخميني قدس سره بتقارب علماء الدين مع الجامعيين، مما ضيّق الخناق على النظام البهلوي، وبعد انتصار الثورة الإسلامية حصلت الجامعات على استقلالها الكامل، وخطت عدّة خطوات مهمة ومؤثرة في مسيرة الحداثة، لتجد دورها الأساسي والتاريخي الذي كانت تفتقده.