الشيخ هشام شري
الإنترنت لم يعد مجرد وسيلة تختزن أرشيفاً من المعلومات
يمكن أن تراجعه وتنتقي منه ما تحب كلما تشاء، وكذلك لم يعد مجرد صندوق بريد ترسل من
خلاله الرسائل أو تتلقاها من كل أرجاء العالم في ثوانٍ معدودة، لقد اتسعت إمكانات
الإنترنت حتى صار وسيلة اتصال مباشر يمكن لك من خلاله أن تتحدث بشكل مباشر مع أي
شخص في العالم لتناقشه ويناقشك فيما تحب ويحب، بل صار بالإمكان عقد جلسة على طاولة
الإنترنت لعدة أشخاص يناقشون فيها مواضيعهم ويتباحثونها ويقررون، وكل واحد منهم في
بلد يختلف عن الآخر، لقد استطاع الإنترنت أن يلغي المسافات، وكل ذلك من خلال خدمة
الدردشة التي يقدّمها أكثر من موقع عربي وأجنبي والتي يصطلح عليها بكلمة "chat".
* تطور عالم الدردشة
في البداية انطلقت هذه الخدمة بشكل مكتوب فقد وفي اللغة الأجنبية (حروف انكليزية)،
حيث يمكن أن يتحاور مجموعة أشخاص من خلال الكتابة باللغة العربية أيضاً، فانفتحت
هذه الإمكانية على العالم العربي ودخلها العرب من بابها الواسع، وبلغتهم الخاصة.
واستمر التطور حتى صار يمكن المحاورة من خلال التخاطب الصوتي، إلى أن وصل إلى
إمكانية عرض الصورة المتحركة أيضاً بشكل مباشر، فصرت قادراً على مخاطبة من يجلس في
أي بقعة من بقاع الدنيا وأن تتحدث معه ويراك وتراه بشكل مباشر. وهذه الإمكانية
جديدة صنعت ساحات وإمكانات جديدة جعلت العالم كله داخلاً ضمن دائرة الإنترنت، كل
شخص فيه قادر على التأثير أو التأثر بأشخاص آخرين مهما كانت ثقافتهم وبعدهم
الجغرافي، فصار الإنسان يتفاعل مع العالم بما فيه من ثقافات من خلال هذه الصفحة
الصغيرة المفتوحة أمامه.
* آثار عالم الدردشة
الدردشة من خلال الانترنت عالم واسع ومفتوح على كل شيء، ولا يوجد أي حدود تقف أمامه،
فلا الشبكات التي تعرض خدمة الدردشة مراقبة ومقيدة بقوانين خاصة ولا المستفيدين من
هذه الخدمة ملتزمون بأي ضابط من الضوابط أو قانون من القوانين، والضابط الوحيد الذي
يراقب الإنسان هو نفسه وأخلاقه، من هنا نجد لهذا العالم سلبياته الكثيرة، خصوصاً مع
وجود مجتمعات لا تحكمها مبادئ أخلاقية أو قيم إنسانية تحكم تصرفاتها في حياة أهلها
الشخصية والاجتماعية. وسنجد الكثير من العقد النفسية والأمراض الاجتماعية
والانحرافات تظهر بشكل واضح على الكثير من هذه الساحات، إلى درجة أننا لا ننصح
بارتياد هذه الساحات ومخالطة من فيها بشكل مطلق لأن ذلك يمكن أن تؤثر بأخلاقنا
وصحتنا النفسية بشكل سلبي، فالكثير من هذه الساحات إما بعيدة عن الأخلاقيات أو على
الأقل تضيع وقت الإنسان الثمين فيما لا يفيد.
ولكن يبقى السؤال هل يمكنك أن تكتشف حقيقة الشخص الذي
تخاطبه؟
قد تعتقد أن الذي تخاطبه أنثى وبالواقع يكون ذكراً والعكس صحيح، فانتحال الشخصيات
أمر شائع في عالم الدردشة، خصوصاً مع وجود برامج مساعدة تستطيع من خلالها تغيير
نبرة الصوت من كبير إلى صغير ومن رجل إلى امرأة... فعالم (التشات) وهمي أكثر مما هو
حقيقي بحيث قد تكون كل المعلومات التي حصلت عليها من الطرف الآخر المخاطب غير صحيحة.
ومن الواضح أن البعض قد استخدم عالم الدردشة كمصيدة للآخرين والاحتيال عليهم ولنشر
الفساد بين الجيل الصاعد وقد أدى هذا العالم الخطير بالبعض إلى الانحراف أو الوقوع
في فخ قراصنة الإنترنت، وهناك قصص نشرت على صفحات الانترنت من قبل نفس ضحايا التشات
وماذا حل بهم وقد سجلت حالات طلاق كان سببها عالم الدردشة، ورجال أعمال خسروا
أموالهم من قبل بعض قراصنة (التشات) وقصص كثيرة لا نريد أن نفصل فيها.
ومن جهة أخرى
نجد لعالم الدردشة فوائد متعددة وايجابيات كثيرة، فمن خلاله يتم التواصل العائلي مع
أفراد العائلة المسافرين بكلفة زهيدة وبالصوت والصورة، أو التواصل بين الأستاذ
وطلابه، حيث نجد بعض المعاهد التي تدرس من خلال الإنترنت تستفيد من مساحة الدردشة
للقاء الأستاذ مع طلابه المنتسبين إلى المعهد من خلال الإنترنت والمنتشرين في
العالم، فيشرح لهم الدروس ويجيب عن تساؤلاتهم... وحتى مجرد التعارف أمر جيد إذا كان
ضمن الضوابط الشرعية. ولا ننسى أن نذكر أن الإدمان على (التشات) يسبب بل سبب الكثير
من المشاكل وهدم عائلات وضياع مستقبل الشباب، بحيث تجد الشباب يقضون ساعات على (التشات)
بشكل يؤدي إلى هدم ثقافتهم ومستقبلهم العلمي.
* الرادع النفسي
في جو فقدان الرقابة على هذه الساحات وعدم وجود قوانين وضوابط تحكمها، لا يبقى ضمان
للإنسان يحفظه من الضياع والتيه سوى الرادع النفسي، بحيث يكون له رادع من نفسه
يردعه ويحفظه عن أي انحراف يمكن أن يقع فيه، ويستحضر دائماً في نفسه وقلبه ووجدانه
الله سبحانه وتعالى الشاهد الرقيب، فصحيح أنه ربما لا رقيب يراقبني من الآدميين في
تلك الساحات، ولكن يراقبني من هو أعظم منهم وهو خالقهم وبارئهم الذي بيده ناصية كل
واحد منا، يقول الله تعالى:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾
(القيامة/15) فإن لم يلتفت الإنسان إلى هذا الرادع فليلتفت على الأقل إلى
المضرات التي تنتج عن الدردشة والتي ذكرنا بعضها، والتي لا تنحصر في الجانب النفسي
والاجتماعي، بل تشمل حتى الجانب الاقتصادي. الإنترنت مسؤولية فلنكن أهلاً لتحملها.