الشيخ حسين كوراني
بالإضافة إلى السؤال الأول حول مصطلح " صاحب الأمر" والذي
عرضنا الإجابة عليه في الحلقة الماضية وتم فيه بيان حقيقة استعمال هذا المصطلح
بالنسبة للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) هناك سؤالان هما: هل أنَّ لهذا المصطلح
قاعدة عقائدية ينطلق منها، من قبيل مصطلح الإمام أو " الحجة" أم أنّه مصطلح لغوي لا
يرتكز إلى خصوصية عقائدية؟ أي: هل هو أمر موقوف على الشرع أم أنّه من كلام الناس لا
يحظى بخصوصية شرعية تجعله توقيفياً؟ ماهي الواجبات والآداب التي ينبغي الإلتزام بها
و استلهامها من هذا المصطلح.. على صعيد الفرد..والأمة؟ والسؤال عن الحيثيات والبعد
العقائدي، يُوجب التعرف بعض الشيء إلى " الأمر" الذي نتحدث عن " صاحبه" ليتضح
جلياً أنه ليس المراد به محض السلطة السياسية، وإدارة شؤون الحكم، وإن كان ذلك
بصيغته الإلهية الفضلى بعض المدلول كما سنرى. ويتم التعرف إلى " الأمر" في محاور:
الأول: " الأمر" الذي جرى الحديث عنه في آية طاعة " أولي الأمر" قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...﴾
. قال القمي: " ...ويمكن الاستدلال بالآية على وجه آخر: وهو أن صاحب الأمر هو الذي
ولاّه الله، لأنه ليس لغير الله أمر ، لقوله تعالى:
﴿... إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ..﴾
فمن أعطاه الله الأمر بالنص فهو صاحب الأمر ، ومن لم يعطه الأمر بالنص، فليس بصاحب
الأمر، ولا يجب اطاعته، وأئمة المخالفين لم يكونوا منصوصين، فلم يكونوا أولي الأمر
الواجب اتباعهم، فثبت أن أولي الأمر أئمتنا المعصومون الإثنا عشر ، ويجب اتباعهم
دون غيرهم" . وأضاف: " ويمكن الاستدلال أيضاً بوجه آخر: وهو أن أولي الأمر الذين
أوجب الله تعالى علينا اتباعهم على سبيل الاطلاق كاتباع الله واتباع رسوله، لا يجوز
أن يكونوا غير معصومين، لأن غير المعصوم لا يجوز اتباعه على سبيل الإطلاق ، بل في
حال العصيان يجب مخالفته ونهيه عنه، وأئمة المخالفين لم يكونوا معصومين، بالإجماع،
فثبت أن المراد بأولي الأمر أئمتنا المعصومون الإثنا عشر" . وأنت ترى بوضوح أن
الحديث عمن ثبت لكل منهم أنه " صاحب الأمر" ؛ وعليه فالجميع هم " أولو الأمر"
والمعنى واحد. ومنه يتضح أن الأمر بمعنى المرجعية الدينية بما يشمل السياسية،
والقانونية والإدارية، هي مما يدل عليه مصطلح " صاحب الأمر" كما هي مما يدل عليه "
أولي الأمر" .
الثاني: " الأمر" الذي جرى الحديث عنه في آيات ليلة القدر، قال تعالى:
1 -
﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا
كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾
(الدخان: 4 5).
2 -﴿
لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ َنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾
(القدر: 3 4).
فما هي العلاقة بين مصطلح " صاحب الأمر" وهذا " الأمر" في ليلة القدر؟
والروايات في هذا المجال كثيرة جداً، منها:
1 - عن أبي جعفر عليه السلام: " إنما يأتي الأمر من الله في ليالي القدر الى
النبي صلى الله عليه وآله والى الأوصياء عليهم السلام: إفعل كذا وكذا" . قال
السيد ابن طاووس معقِّباً: " أقول: واعلم أن إلقاء هذه الأسرار في السنة إلى ولي
الأمر ما هو من الوحي، لأن الوحي انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وآله، إنما هو
بوجه من وجوه التعريف يعرفه من يلقى إليه صلوات الله عليه، وقد قال جل جلاله:
﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾،
وقال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾،
وقال جل جلاله:
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾
ولكل منها تأويل غير الوحي النبوي" .
2 - وفي نص طويل عن أمير المؤمنين نجد الربط بين " صاحب الأمر" و" أولي الأمر" و"
كل أمر" . قال السائل: ما ذاك الأمر ؟ قال علي عليه السلام: الذي به تنزل الملائكة
في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، من: خلق، ورزق، واجل، وعمل، وعمر، وحياة
وموت، وعلم غيب السماوات والأرض، والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة
بينه وبين خلقه، وهم وجه الله الذي قال:
﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
﴾ هم بقية الله يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة (المهلة)
فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ومن آياته الغيبة والاكتتام، عند
عموم الطغيان، وحلول الانتقام، ولو كان هذا الأمر الذي عرفتك (به) للنبي دون غيره،
لكان الخطاب يدل على فعل ماض، غير دائم ولا مستقبل، ولقال: " نزلت الملائكة" " وفرق
كل أمر حكيم" ولم يقل:
﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ﴾
و﴿يُفْرَقُ
كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
﴾ .
الثالث: العلاقة بين صاحب الأمر وبين " أمر الله" . إن سعة تداخل معنى " الأمر" في
مصطلح " صاحب الأمر" وفي مصطلح " أمر الله" تعني أن الصاحب من الناس للأمر الذي هو
من الله تعالى، هو من ولاّه الله عز وجل أي رضيه ولياً فجعله إماماً. تتم الإدارة
الإلهية للنظام الكوني بمشيئته سبحانه، بإيجاد أسباب قريبة تستند كلها إلى مسبب
الأسباب جلّت عظمته، وترتبط جميع الأسباب التي تفتقر كلها إليه سبحانه، بوجود
المعصوم النبي أو الإمام " صاحب الأمر" الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم. يشبه موقعَ المعصوم، من بعيد موقعُ الماء والهواء والنور من حركة الحياة.
إن هذه المرجعية الإلهية التي منحه إياها الله تعالى هي التي تجعله " صاحب الأمر"
على أوسع نطاق ممكن.