* أهمية يوم الغدير في تعيين الولاية والحكومة
لقد ورد عن عيد الغدير في كتاباتنا الإسلامية أنه "عيد اللَّه الأكبر" "يوم العهد
المعهود" "يوم الميثاق المأخوذ" وكل هذه الخصائص وهذه التعابير تبين مدى التركيز
على هذا اليوم الشريف ومدى الاهتمام به كما أن أهم خصوصية يتمتع بها هذا العيد
تتعلق بقضية الولاية، يعني أن الحكومة الإسلامية وتطبيق أحكام القرآن هي الضمانة
لتطبيق سائر الأحكام لأنه إذا كان الناس يتحلون بالإيمان والعقيدة وأداء الواجبات
الفردية وما شاكل ذلك ولكن السلطة في مرحلة التقنين وفي مرحلة التنفيذ والتطبيق لا
تكون بأيديهم بل بأيدي الآخرين فإن تطبيق الإسلام في ذلك المجتمع سيكون مرتبطاً
بعدل ومدى إنصاف أولئك الآخرين، فإذا كانوا أناساً جائرين غير منصفين سيحل
بالمسلمين ما نراه اليوم... وما شاهدناه بالأمس.
* القداسة الحقيقية للدين
إن قضية الحكومة كانت محور الأمور التي تصدى لها جميع الأنبياء. ولكن البعض يرغب
بإطلاق بعض العبارات والمفاهيم المرفوضة والخاطئة والوهمية في أطر حديثة ظاهرياً،
فإننا نسمع أن البعض يقول بأنه إذا أصبح للدين سلطة فإنه سيفقد قداسته، فما تعني
القداسة؟ هل القداسة شأن لا خاصية له أو اسم أو حيثية اعتبارية لا تمت للواقع بصلة
يطلقها الإنسان على نفسه، فهل هذه هي القداسة؟ إن القداسة الحقيقية عبارة عن واقع
يؤثر على الناس وعلى حياتهم وعلى علاقاتهم وعلى شؤونهم في الدنيا والآخرة ويترك
أثراً طيباً ويصلح الحياة، هذا هو الدين، فإذا استطاع الدين القيام بهذه المهمة فإن
القداسة ستكون منه وإليه. حتى لو افترضنا أن زيداً أو عمراً من أصحاب المواقع في
السلطة في هذا الدين يواجهون بالاتهام والإهانة واللعن والسباب من قبل البعض،
فليكن. إن جميع أفراد البشر وكذلك أنا وأمثالي والآلاف المؤلفة فداء لبقاء الدين،
فما أهمية ذلك؟ المهم تطبيق الدين وأحكامه ولقد تم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي وكواقع
قانوني في الإسلام في يوم الغدير.
* معنى يوم الغدير
إن هذا الواقع كان موجوداً منذ بداية الهجرة النبوية فالرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله كان حاكماً، ولكن الكثير من الناس كانوا يأملون بتقطُّع أوصال هذا الحبل
المتين الذي ألّف بين الناس والقلوب بعد رحيل ذلك الرجل الذي جاء بالإسلام، ولكنه
قطع دابر هذه الرؤى في عالم التقنين من خلال تعيينه للولي وللحاكم ومن خلال تنصيبه
لشخص كان بإمكانه أن يكون ذلك الحبل المتين في هذا المجال. إن قاعدة هذا الموضوع
تتمحور حول وجود قانون من هذا النوع، ولذلك جاء في القرآن الكريم
﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾
إذاً من الآن فصاعداً وبعد تحديد الولاية وتعيين تكليف السلطة والقيادة والرئاسة
والإدارة في البلاد، يجب عليكم أن لا تخشوا العدو الخارجي بل
﴿وَاخْشَوْنِ﴾
أي من الآن فصاعداً خافوا اللَّه، فما معنى الخوف من اللَّه؟ يعني أنه من الآن
فصاعداً راقبوا أنفسكم وقلوبكم وأهواءكم وأعمالكم وتقواكم وثباتكم واستقامتكم،
والتي ترجى من كل إنسان في هذا السبيل وهو يعني مراقبة الذات...
اخشون وبعدها
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾
هذا هو يوم الغدير وهذه هي معانيه، ولنفترض أن هذا القانون لم يصل إلى مرحلة
التطبيق في دنيا الإسلام، ولكنه حافظ على بقائه ووجوده وأصبح التكليف واضحاً وهذا
هو المهم وقد لا يطبق البعض من الجماعات المختلفة ولمدة محددة أو طويلة نص إحدى
الآيات القرآنية، ولكن هذا الأمر يختلف عن عدم نزول تلك الآية من الأساس. إن هذه
الآية قد نزلت وثبتت لتكون موطىء قدم ليوم يقول اللَّه سبحانه وتعالى عنه:
﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
﴾ كما أنه لا يمكن القول بأن نص هذه الآية لم يطبق طيلة حقبات
التاريخ الإسلامي، بل إنها تحققت في بعض العصور وتجلت سلطة الحق والولاية الربانية
من قبل بعض العباد.
* شروط الولاية
أمّا نحن فشامخو ومرفوعو الرأس في هذا المجال ونحمد اللَّه عزّ وجل على أن هذا
الأمر قد تحقق في زماننا بواسطة أحد عباده الصالحين أي أن الولاية قد تحققت، وهذا
هو معنى الولاية إن الولاية هي الحكومة الإلهية الربانية التي لا أثر فيها
للشخصانية والملوكية والقوة والقدرة المليئة بالأنانية، فإذا لحظنا ذلك فيها فلن
تعود ولاية إلهية. إن الفرق بين الحكومة الإلهية والضمانات الربانية مع الضمانات
غير الإلهية هو أن الضمانات الإلهية ضمانات باطنية وداخلية. فإذا لم يتمتع الشخص
الذي يتبوأ منصباً ما بتلك الشروط، أي شروط الولاية، فإن هذه الصلة وهذه الأواصر
بينه وبين الولاية تنقطع ويتم خلعه أوتوماتيكياً، هذا الأمر مهم للغاية وهو أن
هيكلية الولاية الربانية ترتكز على الذوبان في الأوامر والنواهي الإلهية وهذه هي
تماماً الجهة المقابلة لجهة سلاطين المادة والسلطات الشعبية واقصد بذلك السلطات
البشرية.
* علي عليه السلام هو النموذج الأصلي للولي والحاكم:
إن جميع المفاهيم الموجودة في السلطات البشرية وما ينسب إليها من علائم القوة
والقدرة والسلطة والملوكية والتعسف وطلب كل شيء لها ونفي الآخرين وغيرها من
المفاهيم يقابلها في الجهة المعاكسة مفاهيم في الحكومة الإلهية. وهنا يعتبر أمير
المؤمنين عليه السلام نموذج هذه المفاهيم، ففي عهد حكومته كان متواضعاً من دون ضعف
وقوياً وقادراً من دون تكبر وهذه هي سمات أمير المؤمنين عليه السلام، في الوقت الذي
يواجه فيه المقصرين والمنحرفين والذين حق عليهم تنفيذ الحد الإلهي وكذلك الأعداء في
ساحات الوغى بكل حزم وجدية لم نلحظ مكاناً للنفس الشخصانية أو لتلك الأنا المشؤومة
التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك والتعاسة كائناً من كان، عند الإمام علي ليس للأنانية
محلاً بل إن كل وجوده هو الذوبان في الإرادة والمشيئة الربانية فهو عبد اللَّه. إن
أعظم مديح يوجه للإنسان في المعايير الإلهية والإسلامية هو العبودية للَّه (أشهد أن
محمداً عبده ورسوله).
هذا هو معنى الولاية في المصطلح الإسلامي وفي المفاهيم
الإسلامية، فهو يعني الحكومة التي تتمتع بقدرة الحاكم وليس فيها أنانية الملوكية.
إن ما يمارسه الأعداء ضد الحكومة الإسلامية والولاية الإسلامية ينبع من خوفهم من
هذه الأمور، فهم يعادون الإسلام ويسيؤون إلى مفهوم الولاية من منطلق جهلهم أو قلة
معرفتهم أو فهمهم الخاطىء، أو من منطلق أهدافهم الدنيئة وعنادهم. إن الولاية تعني
الحكومة التي نرى فيها الاقتدار والقوة وعزة الحاكم وحزمه وعزمه وإرادته الجازمة
ولا نرى فيها في الوقت ذاته أثراً للتعسف والاستبداد والأنانية والتمحور حول الذات
والإسراف في الرغبات وتأمين المصالح وما شاكل ذلك. هذا هو النموذج والمثال الأساسي
للدولة الإسلامية، ومن البديهي أن تحيى العدالة في دولة كهذه وكلما قصرنا في هذا
المجال وغضينا النظر فإن ذلك يكون مؤشراً على ضعفنا وعدم تمتعنا بتلك السمات
والخصائص.
* تحت ظلال أمير المؤمنين عليه السلام:
العيش تحت ظلال أمير المؤمنين يحقق العدل للجميع والابتعاد عن ذلك يؤدي إلى الظلم
ولذلك فإنني أكرر دائماً بأن أمامنا مسافة طويلة للوصول إلى تلك النقطة المناسبة
والملائمة في الدولة الإسلامية مع العلم أننا نبتعد كثيراً عن الحكومات المادية في
هذا المجال، ولكن أعود وأكرر بأن أمامنا طريق طويل للوصول إلى تلك النقطة الأساسية،
وذلك لأننا كلما قصرنا وغضينا النظر عن الأمور المتعلقة بالعدالة وكذلك عن الأمور
المتعلقة بالذوبان والفناء في الإرادة والمشيئة الإلهية، فإن ذلك مؤشر على ضعفنا
الذي ينبع من ضعفنا الذاتي، وإلا فإن الأحكام الإسلامية والولاية الإسلامية واضحة
ومعروفة، فإذا تحققت الولاية الإسلامية فإن العيش تحت ظلال أمير المؤمنين عليه
السلام سيتحقق للجميع، للمؤمن والفاسق والكافر، نعم فالكفار سينعمون بعيش رغيد في
تلك الحالة. ولا يمكن القول إن المتقين وحدهم سينعمون بعيش رغيد في تلك البيئة، بل
إن غير المتقين أيضاً سينعمون بالجو الآمن وبالمساواة وبالعدالة وبالهدوء المعنوي
لتلك الأجواء. ولكن عندما تكون الدولة غير إلهية، فإن المجتمع سيعاني من العنصرية.
وكما أسلفت فإن للعنصرية أنواعاً كثيرة، فعندما يكون أصحاب السلطة والدولة أناساً
لا يهابون أحداً ولا يتمتعون بالخلق الحميد ولا يحكِّمون اللَّه سبحانه وتعالى في
ضمائرهم فإن الحالة ستكون كما هي عليه الآن في العالم...
إن الولاية الإسلامية ليست
كذلك بل إننا نرى أنه عندما يتم نزع خلخال من رِجل امرأة يهودية أو نصرانية بالقوة
في عهد حكومة أمير المؤمنين من قبل المعارضين فإن إمام تلك الأمة وتلك الجماعة
والذي هو الحاكم في نفس الوقت يقول: يحق للمسلم أن يموت من هذا الأمر ومن لوعته،
لأنه تم نزع خلخال من رِجل امرأة يهودية. إن أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا
يبالغ في القول يعلن هنا بأنه يحق له ولكل إنسان أن يموت من لوعة هذه المصيبة. هذه
هي الدولة الإسلامية وهذه هي الولاية الإسلامية.
الإمام الخميني كان أفضل وأقرب نموذج للإمام علي عليه السلام، اعلموا
أيها الأعزاء أن هذه هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وهذا هو أسلوب التمسك
بالولاية وهذا هو نمط إحياء ذكرى إمامنا الخميني الجليل... نحن لا نريد القول أن
إمامنا الجليل كان شبيهاً بأمير المؤمنين عليه السلام، كلا. فلا يمكن مقايسة أحد مع
أمير المؤمنين، وقد كان يقول لأصحابه المقربين. (إنكم لا تقدرون على ذلك) أي إنكم
لا تقدرون على القيام بما أقوم به، ولكن نظراً إلى السمات البشرية وعدم العصمة،
للإنصاف نقول إننا وجدنا إمامنا الجليل أقرب نموذج لذلك النموذج الأصيل، فقد كان
قريباً جداً من ذلك النموذج وكان يشابهه إلى الحد البعيد، وكان بالإمكان التعرف إلى
سمات أولئك العظام من خلال سلوك هذا الرجل العظيم.
نحمد اللَّه على أننا شاهدنا هذا
النموذج عن كثب، لأننا لو لم نكن قد رأينا الإمام الراحل واستمعنا فيما بعد إلى ما
ينقل عنه من روايات لما استطعنا استيعابها بشكل صحيح وصائب ولكننا شاهدناه عن كثب.
وقد قلت له في أحد الأيام لو سمعنا هذه السمات والخصائص من خلال الأحاديث المروية
لما استطعنا تصورها بالشكل الصحيح، فإلى أي مدى يجب أن نحمد اللَّه سبحانه وتعالى
ونشكره لأننا نرى هذا النموذج الحي أمام أعيننا؟ إذاً فلنحاول أن نقرب أنفسنا منه،
لأنه كان حياً أمام أعيننا وكانت سيرته وبيناته وكلماته وكان سلوكه شاخصاً أمامنا،
فلنحاول جميعاً أن نقرب أنفسنا منه، لأننا لا نريد أن نعتبر هذا الأمر أمراً شكلياً
وأن نكتفي ببث وطباعة ونقل بعض أحاديثه، ولحسن الحظ فإن القيمين على مكتبه الشريف
ودارته المباركة يتابعون هذه الأمور وللَّه الحمد ويقومون بالإعداد للمراسم
والأعمال اللازمة، ولكن الجهد الرئيسي يجب أن يكون من قبلي وقبلكم أنتم. وهذا الجهد
هو أن نقرب أنفسنا من ذلك النموذج.