أديب كريّم
الماسونية والماسونيون في العالم العربي: ليس بالأمر
المستغرب القول بأن تاريخ الماسونية الحديثة في العالم العربي يعود في جذوره إلى
القرن الثامن عشر، وذلك بحكم عوامل كثيرة جوهرية تتصل بالمشروع اليهودي المتلطي خلف
شعاراتها الزائفة، والمتمثل بالحلم الأسطوري "بالعودة" إلى "أرض الميعاد". إلا أن
الأمر بقي طي السرية والغموض حتى الربع الأخير من القرن الماضي عندما كشف النقاب عن
حقيقة الماسونية وأهدافها.
ولعل قضية السرية والغموض في نشأة الماسونية ومراميها قد
أفضت إلى تضليل العديد من الشخصيات اللامعة والمتنفذة في الوطن العربي ناهيك عن
عامة الناس ممن جذبتهم العناوين الإنسانية الزائفة التي سترت بها الماسونية دوافعها
اليهودية التآمرية. وقد قيل أن من هؤلاء من إنقلب على الماسونية بعد أن تكشفت له
حقيقتها، ومنهم من مات على ماسونيته وأهدافها. وأمام تعقيدات الموقف بظروفه
التاريخية وحيثياته المتداخلة، لا نملك إلا أن نكون موضوعيين في نظرتنا لهذا الأمر،
وأن نأخذ الأمور على مأخذ النية الطيبة والخلفية الحسنة على قاعدة: ليس من قصد الحق
فأخطأه كمن قصد الباطل فأصابه. وبعد الذي تقدم
نقول بأن الماسونية دخلت العالم العربي بإرادة استعمارية وتخطيط يهودي. ولقد تم
التركيز في إرساء قواعد الماسونية في الأقطار العربية التي مثلت تاريخياً بوابة
هبوب رياح الغرب على العالم العربي والتأثير في بنيته الثقافية، ونعني بذلك مصر
ولبنان بالإضافة إلى الأردن الذي ألحق بهما لاعتبارات عديدة لعل أبرزها الجيوسياسية
التي ارتبطت بخطة إقامة الكيان اليهودي الغاصب في فلسطين. وعليه فإن مهمتنا في هذه
العجالة تتركز على استعراض تاريخ الماسونية ومسارها في الأقطار العربية الثلاثة
الآنفة الذكر مع الاشارة إلى أن الأقطار الأخرى لم تكن أبوابها موصدة أمام تغلغل
الماسونية، إلا أن تأثيرات ذلك وأصداءه بقيت دون مستويات التأثير العمقي.
الماسونية في مصر: في شهر آب من عام 1798م أسس
أول محفل ماسوني في مصر على يد الجنرال الفرنسي "كلايبر"، وذلك بإيعاز من الماسوني
نابليون بونابرت خلال حملته على مصر. وضم المحفل، الذي أسماه نابليون "محفل إيزيس"،
بالإضافة إلى الضباط الفرنسيين الماسون عدداً منه وجهاء وعُمد القاهرة. وبعد جلاء
المستعمر الفرنسي عن مصر توقف المحفل المذكور عن ممارسة نشاطه. غير أن أحد الماسون
المصريين ويُدعى "صموئيل محنس" بقي وفياً لمبادىء الماسونية، وعمد في العام 1814
إلى السفر مضطراً إلى فرنسا لينشىء هناك محفلاً سُمِّي ب"عقل منفيس" على الطريقة
البونابرتية، وذلك بمساعدة العديد من الماسونيين بمن فيهم اللبناني الأصل "جبرائيل
متى" والمصريين اليهوديين يعقوب صنوع وأديب إسحاق. وكان هذا المحفل نواة مجموعة من
المحافل التي انتشرت في أرجاء فرنسا وتُوجت ب"محفل أعظم في باريس". وفي سنة 1845م
عاودت الماسونية نشاطها في مصر بإنشاء محفل لها في الإسكندرية بدعم وإعانة من
صموئيل نفسه، وسُمي "محفل مينيس"، وتلاه آخر في نفس المدينة باسم "محفل الأهرام"
والذي حظي بترخيص من الحكومة وقتذاك. وشهدت الفترة الفاصلة بين عامي 1856 و1859
تأسيس شبكة من المحافل في أنحاء مصر برعاية "المحفل الأعظم الممفيسي في فرنسا". وفي
العام 1864 كان "للمحفل الأعظم الإيطالي" نصيبه في هذه الطفرة الماسونية في مصر،
حيث أقام في الإسكندرية محفلاً خوله منح كافة الدرجات الماسونية بما فيها درجة 33.
وبتاريخ 8 - ت1 - 1871 قام تسعة من الماسون الحائزين على الدرجات العليا بتأسيس
محفل أعظم على الطريقة الاسكتلندية، وهي من أشهر الطرق الماسونية وأوسعها إنتشاراً.
وفي العام الذي تلاه تم توحيد "المحفل الممفيسي الأعظم" و"المحفل العالي الفلسفي"
الذي أسس في نفس العام و"المحفل الاسكتلندي" ليؤلفوا مجتمعين "محفل الشرق الأعظم
الوطني المصري" كمقر للماسونية الدولية المصرية على الطريقة الممفيسية والاسكتلندية"(1).
وخلال فترة الحربين العالميتين تعطل نشاط معظم المحافل الماسونية في مصر وحلت نفسها
ما عدا "محفل الشرق الأعظم" الذي داوم على نشاطه حتى العام 1964 حيث تم الغاء
الجمعيات السرية في مصر بعد أن رفضت تقديم كشوفات بأعمالها إلى وزارة الشؤون
الاجتماعية لتعارض ذلك مع سريتها في العمل. وما حدث في العام 1956 عجل في إجراءات
الحكومة المصرية ضد الحركة الماسونية وذلك حين تم "الكشف عن الدور الذي لعبه المحفل
الاسكتلندي بالاسكندرية الذي تبين أنه كان مقراً للتجسس تم استخدامه بكثافة أثناء
العدوان الثلاثي على مصر، وضبطت فيه أجهزة الأمن المصرية بعد كشفه أجهزة لاسلكية
وشيفرات سرية ومعدات ضوئية لارشاد الطائرات ليلاً"(2).
الماسونية في لبنان: يذهب البعض إلى أن تاريخ
تواجد الماسونية القديمة في بلاد الشام (سوريا لبنان فلسطين والأردن) يعود في جذوره
إلى أوائل العهد المسيحي ممثلة وقتها بما يسمى "البناؤون الأحرار"، ويُستدل على ذلك
كما يرى البعض من الآثار البنائية التي خلفوها، من ضمنها المساجد والكنائس والقلاع
والأسوار التي شيدوها بإتقان شديد وبإستدعاء من أهل الشأن والملك(3). ومهما يكن من
أمر الدور الذي لعبته الماسونية في العهود البعيدة من تاريخ بلاد الشام، فإن القضية
تبقى خاضعة لضروب من الأخذ والرد مع غياب الدليل القاطع، وما يعنينا في هذه السطور
تدوين ما ثبت بالوقائع اليقينية ومنها أن الماسونية الحديثة قد أسست أول محفل لها
في بيروت سنة 1862م تحت رعاية "محفل الشرق الأعظم الاسكتلندي" والذي توقف عن النشاط
لأسباب عملية بين عامي 1868 و1888، حصل بعد ذلك على ترخيص من السلطة الحاكمة، وتبعه
محفل آخر عام 1869 في بيروت أيضاً. ومارسا دورهما بسرية على مدى عقود تخللها عقد
اجتماعات وندوات عديدة توجت بعقد مؤتمر عام سنة 1939 تقرر فيه إنشاء محفل ماسوني
للبنان باسم "محفل الشرق الأكبر المثالي" والذي خول لاحقاً منح أعلى درجات
الماسونية. وفي منتصف العام 1940 توقف نشاطه بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية
ليعود إليه عام 1948. وكان لبنان خلالها قد نال استقلاله. وبموجب ترخيص من وزارة
الداخلية اللبنانية تمتعت الحركة الماسونية بحرية العمل ولا تزال حتى كتابة هذه
السطور تمارس نشاطها الهدام بأساليبها السرية والعلنية(4).
الماسونية في الأردن: تبين الوثائق التي عثر عليها في المحفل الماسوني
الأردني في مطلع السبعينات بأن الماسونية في الأردن يعود عهدها إلى خمسينيات القرن
الماضي (المرجح قبل ذلك بكثير، غير أن السرية المطبقة في هذا المجال تجعل من
الصعوبة بمكان سبر غور تاريخية المسألة). وتبين أيضاً أن ما حققته الماسونية في
الأردن خلال عقود لم تحققه في أي بلد عربي آخر خلال قرون.
(1) راجع كتاب الماسونية سعيد الجزائزي دار الجيل بيروت.
(2) راجع العنوان الالكتروني التالي: www.Asharqalawsat.com/pc
daily/12-3-2002/art/art.html
(3) سعيد الجزائري: المرجع السابق.
(4) المصدر السابق.