نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وجه الانتفاع بالإمام المهدي عجل الله فرجه في غيبته‏


د. بلال نعيم‏


غياب الإمام المهدي عجل الله فرجه وهو آخر الحجج الإلهية عن الأنظار، كان وفق سنّة غير قابلة للتبديل أو التعديل، قوام هذه السنة أمران: الأول هو ضرورة بقاء الحجة على الأرض لأنه لا يمكن تصور خلوِّ المعمورة من الحجة، والثاني هو استحالة بقاء الحجة الأخيرة ظاهرةً ومشهورةً بين الناس بسبب الظلم الطاغي والسائد والذي سوف يؤدي إلى قتل هذه الحجة. وبالتوفيق بين ضرورة بقاء المعصوم الماسك لأطراف عالم الممكنات والشاهد على الإنسان في حركته وبين استحالة البقاء ظاهراً كان لا بد من أن يغيب الإمام عن الأنظار لكن مع بقائه في هذه الدنيا، أي أن الإمام لم يمت ولم يرفع إلى السماء وهو ما زال حياً يعيش بيننا، يتفقد أمورنا ويرعى أحوالنا ويسدد خطانا ويحتضن مسيرتنا ويصوب المسار، وهو موجود بكل ما للكلمة من معنى، إمامٌ عابدٌ يقوم بالتكاليف الفردية الملزم بها، ويحضّر للتكليف الإلهي البشري الاجتماعي السياسي النهضوي التغييري على مستوى رعاية وتسديد وتوجيه المحبين والموالين باتجاه امتلاك المواصفات التي تخولهم مؤازرته والمشاركة في نهضته العالمية.

* المحافظة على الوجود

وأما وجه الانتفاع بالإمام في غيبته فقد حدّدها الأئمة عليهم السلام في الروايات التي وردت عنهم بأنه كوجه الانتفاع بالشمس عندما تحجبها الغيوم أو الغمام، أو عندما يختفي قرصها خلف السحاب، فغياب القرص عن الأعين والأنظار لا يعني غياب الحرارة وانعدام وصول الأشعة إلى الأرض وإلا لكان احتجاب الشمس خلف الغيوم يؤدي إلى كارثة حقيقية بفعل انعدام الحياة على الكرة الأرضية مع تضاؤل معتدٍ به في حرارة الشمس فكيف بغيابها التام، وكذلك الإمام المهدي عجل الله فرجه فهو غائب خلف غيوم الظلم والاضطهاد والفجور والرذيلة والمساوئ‏ البشرية وتراكم الآفات والشهوات والمعاصي والآثام، وغيابه بفعل هذه الغيوم لا يعني انعدام تأثيراته وفاعليته والتي على رأسها أنه الحافظ لوجود الممكنات بفعل وجوده، والله سبحانه أخذ على نفسه أن يمسك بالأرض من وسطها ومحورها على يد حجته على العباد وعلى الكائنات، وعندما قال سبحانه بأنه يأتي الأرض ينقصها من أطرافها، وفُسِّر ذلك بأن نقصان عمر الأرض يكون بموت العلماء الربانيين الذين يؤثرون في ثلم الإسلام وبالتالي ما يمثله هذا الإسلام من حفظٍ للوجود الممكن.

والله سبحانه لم "يقل" أنه يأتي الأرض ينقصها من وسطها، لأن في هذا الوسط يوجد الإمام المعصوم الذي لا يمكن أن يغيب لحظة عين واحدة عن الأرض لأنها تسيخ بمن عليها. فإذن الفائدة الأولى أو وجه الانتفاع الأول من الإمام رغم احتجابه وغيابه هو المحافظة على الحياة وعلى الناس وعلى الكائنات تماماً كما تحافظ أشعة الشمس التي تخترق الغمام لتصل إلى الأرض على الحياة.

* الرعاية والتسديد
أما وجه الانتفاع لخصوص المؤمنين وحركتهم، فإن الإمام بوجوده المقدس يرعى ويسدد ويبارك ويرشد وخصوصاً المقام المعظم المتمثل بولاية الأمر لأن هذا المقام إلهي لا يبلغه إلا الصالحون، ولا يمكن أن يطاله الظالمون لأنه عهدٌ من عهود الله. (ولا ينال عهدي الظالمين)، وهذا التسديد هو الذي يساعد في تطور حركة الإيمان والمؤمنين وفي تصاعدها بالرغم من غياب الحجة من جهة وبالرغم من تراكم الفساد وانتشاره في البر والبحر، حيث لا يمكن أن يحصل التطور والتصاعد في عديد المؤمنين وفي حالتهم وفي مسيرتهم لولا عين الإمام ورعايته الدائمة وتفقده للأوضاع ومتابعته للأمور ومواكبته للأحداث وإلهامه للقادة وتسديده للمسؤولين ورعايته للظروف الخاصة ومساعدته على علاج المعضلات وتدخله في الأوضاع الصعبة وفي المحن وعند المخاطر والمنزلقات وعند التحديات حيث في الرخاء والشدة يد الإمام وعينه موجودتان، لكن عدم إلتفاتنا إليهما لا يعني غيابهما، فعندما تحتجب الشمس وراء الغيوم يقول الناس ذهبت الشمس، لكنهم لا يحسون بوجودها من خلال حرارتها التي تبعث الحياة واستمراريتها، ونحن قد لا نشعر بتدخل الإمام وبرعايته الخاصة لكن ذلك ليس إلا من جهة قصر النظر والغشاوة المانعة من الوصول إلى حقانية الحق الذي يجسده الإمام والذي لا يغيب عن العالم حتى لو كنا لا نراه، لأنه لو كان هناك إمكانية لذلك، لكان من الأفضل والأيسر أن يرفع الله إليه وليه الأعظم كما رفع إليه نبيه عيسى بن مريم عليها السلام، وإن الأحداث التي حصلت في النصف الثاني من هذا القرن هي خير شاهد ليس فقط على وجود الإمام بل على تدخله المباشر في الأحداث، خصوصاً الثورة الإسلامية المباركة في إيران التي جاءت مخالفةً للسياق الطبيعي الذي تسير عليه البشرية فهي بحصولها أشارت إلى يدٍ غيبية ساهمت في الحصول مما يجعل الموالين والمحبين يتلفتون يميناً وشمالاً لكي يروا وجه صاحب الزمان أرواحنا فداه في كلِّ أبعاد هذه الثورة منذ انطلاقتها إلى ثباتها إلى مواجهتها للاعتداء إلى استمرارها.

وأيضاً المقاومة الإسلامية في لبنان، التي قامت في بلدٍ غير مهيأ من ناحية الظروف والمعطيات السياسية والاجتماعية وغيرها، فالمقاومة في لبنان قامت ونهضت واستمرت وتصاعدت وتجاوزت التحديات واجتازت العوائق حتى وصلت إلى الانتصار وكل ذلك كان بفعل عوامل غيبيةٍ كانت ظاهرةً في المحطات وخصوصاً في الشدائد، والعوامل هذه تومى‏ء إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه ممثّل الغيب في ساحة الشهادة.

* متابعة الأنصار
وأيضاً هناك وجه انتفاعٍ من الإمام رغم غيابه عن الأبصار المغطاة بغشاوة الآثام يرتبط بخصوص الأنصار كأفراد، حيث يتابع الإمام عجل الله فرجه أوضاعهم وأحوالهم وشؤونهم وتصرفاتهم ويقوِّم مسارهم ويزكي أعمالهم ويضاعف من آثار أعمالهم ويبارك خطواتهم ويقيل عثراتهم كل ذلك بحسب استعدادات كلٍّ منهم وتوجهاته نحو الحق واقباله عليه ومستوى الحركة والفاعلية والحضور في المجالين الفردي والاجتماعي، مما يؤثر في النتيجة وبحسب مفهوم ما نطقت به الروايات في تهيئة ليس فقط الأرضية الصالحة لخروج الإمام المهدي عجل الله فرجه وإنما أيضاً في تهيئة العدد اللازم والضروري من القادة والأنصار الذين سيتولون مهمة المشاركة مع الإمام المهدي عجل الله فرجه وإلى جانبه في إقامة دولة العدل الإلهي على هذا العالم.

التشرف بالرؤية
ويبقى أن أشير إلى نكتة هامة، صحيح أن الإمام المهدي عجل الله فرجه غائب عن الأنظار إلا أن ذلك لا يعني انتفاء الحقيقة التالية: إن الله عزّ وجلّ أبقى الإمام على الأرض ولم يرفعه إلى السماء وبحسب المنطق الإلهي فإن كل ما هو موجود على الأرض قابل للرؤية وهو يرى، أي أنّ الإمام عجل الله فرجه وهو موجود بين الناس فإنه يراهم. وكونه موجوداً بينهم الأصل أنهم يستطيعون رؤيته، كما أن الشمس عندما تكون مخفية القرص، فلأنها موجودة فرؤيتها ممكنة ولو بوساطة آلةٍ أو وسيلة، كذلك رؤية الإمام عجل الله فرجه فإنها ممكنة وإن احتاجت إلى عينٍ قادرةٍ على اختراق الحجب المانعة من هذه الرؤية، أي إلى عين قلبٍ لم تنكسه الذنوب ولم تغطه العيوب ولم يُحَط بآثار المعاصي وسوداوية الآثام، من هنا كانت القصص الكثيرة التي نُقلت عن ربانيين من أهل الحق الذين تشرفوا برؤية الإمام عجل الله فرجه ومن هنا أيضاً وردت الروايات التي تقول أن الإمام عند خروجه يقول أكثر الناس بأنهم قد شاهدوا وجهه من ذي قبل، فإما ذلك لأن وجهه هو وجه فطرتهم الذي يعرفونه لأنه جزءٌ منهم، وإما لأنهم فعلاً قد شاهدوه في بعض محطات حياتهم من دون أن يعلموا حينها بأنه الإمام المهدي صاحب الزمان أرواحنا له الفداء. فلنسأل الله سبحانه تعالى أن يعيننا على تجاوز حجب الذنوب من أجل أن نتشرف بالطلعة البهية والغرة الحميدة لعين الكائنات وروح الكون ومالك الزمان وسلطان العصر الذي تنجلي برؤيته كل الهموم والغموم.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع