نسرين إدريس قازان
اسم الأم: زينب حمُّود.
محل وتاريخ الولادة: بافليه 21/12/1988م.
الوضع العائلي: عازب.
رقم السجل: 15.
تاريخ الاستشهاد: الغوطة الشرقيّة 8/12/2013م.
في أوّل أيّام شهر صفر، الأيّام التي كان فيها رأس الإمام الحسين عليه السلام يُدار
به مرفوعاً على القنا وأخته عقيلة الهاشميين تمشي سبيّة، بَذَلَ خليل دمه ذَوداً عن
حياض الدين الحسينيّ وصوناً للعقيلة "زينب"، في كربلاء جديدة.. كربلاء، حيث رَكَزَ
المجاهدون بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات -ممّن رأى وجه اللَّه، وغلب بيده
وانتصر- الذلّة.
* لم ولن ترحل
خليل الذي فاضت روحه بالشجاعة، وهانت عليه نفسه مُذ كُتب على جدار مقام السيّدة
زينب "سترحلين".. فكان من أوائل المشاركين في الدفاع عنها، وصار مكوثه عندها وطنه
وبيته، واتّخذ من سلاحه أهلاً له، فإنْ عاد إلى منزله، لم يأنس بجدرانه، حتّى شعر
أهله بأنّ ولدهم قد غادر دنياهم وهو لا يزال بينهم.
كانت معارك بلدة السيّدة زينب عليها السلام عنيفة. شعر خليل بالفخر تارةً، لتواجده
هناك، وبالحسرة والتأسّف تارةً أخرى على أولئك المُضَلَّلين الذين ران الحقد على
قلوبهم.
كان يلوذ بالمقام الذي صار محجّاً للمجاهدين، ويملأ روحه بالدعاء والتضرّع عند
أعتابه، وأيّ دعاءٍ لمن تقلّد لامة الحرب؟!
* مجاهد.. وجهادان
هذا المجاهد المؤمن الذي سطّر بيقينه العديد من المواقف البطوليّة، تنقّل وبندقيّته
من مكان إلى آخر، فبعد أن زال الخطر عن بلدة السيّدة زينب عليها السلام، شارك خليل
في معركة "القصير"، حيث جمع التكفيريّون عددهم واستشرسوا في القتال. وهناك، تعرّض
خليل ورفاقه لهجوم مباغت فتصدّى لوحده لما يقارب الأربعين مسلّحاً لمدّة ساعة،
ولمّا فرغت ذخيرته وصار لا بدّ من الانسحاب قليلاً إلى الخلف، صعد إلى محمولة
الصواريخ معرّضاً نفسه لخطرٍ كبير، وانسحب بها كي لا يغنموها. أمّا في تلّة "هنانو"
فقد أصيب معه ثلاثة من المجاهدين، فسحب مجاهداً وبقي اثنان، فمكث لساعتين يتحيّن
فرصة سحبهما، حتى إذا ما استطاع ذلك، وجد أنّ أحدهما قد استشهد، فتأثّر لذلك
كثيراً. وفي يومٍ كُلّف خليل مع مجموعة بالتسلل إلى مطار "الضبعة" الواقع في الشمال
الشرقي لريف القصير، فانقسموا إلى مجموعتين، وفي منتصف الطريق أضاع رفيقه الطريق
وغاب عن ناظريه، فأكمل طريقه وحيداً حيث رصد وجمع ما يحتاج من معلومات، ولكنّه حوصر
لما يزيد عن سبع ساعات، حتّى ظنّت القيادة أنه أُسر أو فُقد.
* الخيار مقاومة
خليل هو ابن بيت مجاهد، وبيئة مقاومة، كان الالتزام الدينيّ منبعَ خيارهم الجهاديّ،
فتربّى على القيم الإسلاميّة الأصيلة، ووعى باكراً مسؤوليّته الدينيّة والجهاديّة،
وكان لالتحاقه بكشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الفضل الكبير بعد
اللَّه والوالدين في زيادة وعيه والتزامه، فكان في سنّ التاسعة يرتاد المسجد لصلاته
اليوميّة، ويواظب على أداء صلاة الليل، ولم يتحرّج يوماً في مسألة النهي عن المنكر
والأمر بالمعروف في مجتمعٍ غَزاه الكثير من التقاليد الغربية الهدّامة. وكانت
"رسالة الحقوق" للإمام زين العابدين عليه السلام مدرسته الخاصّة التي رسم من
كلماتها طريقه من الدنيا للآخرة. وقد تأثّر كثيراً بفكر الإمام "الخمينيّ" العظيم
فكان يكرّرُ قراءة "الرسالة الخالدة" ويستقي منها العبر.
* مشاركات جهاديّة
كان خليل شخصيّة صامتة، لا يعرف ما يجول في خاطره أحد حتّى وإن سأله. وفي المقابل
كان شخصاً مرحاً محبوباً من الآخرين، ومحدّثاً لبقاً وخفيف الظلّ. كان يتعامل مع
الحياة ببساطة وتلقائيّة دون تعقيد، ولا يعطي الأشياء قدراً أكبر من حجمها.
مع والده الذي أصيب في معارك اجتياح العدوّ الإسرائيلي عام 1982، شقّ خليل طريقه
العسكريّ، حاملاً وصايا وتوجيهات والده عتاداً ومنارةً.. فخضع للعديد من الدورات
العسكريّة والاختصاصات، منها الدفاع الجويّ. وقد تحقّق حلمه بإسقاط طائرة دون طيار
أثناء مشاركته الجهاديّة.
بعد بدء الحرب في سوريا، غيّر خليل خططه المستقبليّة، فألغى فكرة شراء منزل
والارتباط، وتفرّغ للجهاد بكلّه، حتّى ساعات راحته كان يضعها رهن المفاجآت.
* رؤيا تنبئ بالرحيل
كانت حرب تموز 2006م أولى حروبه. يومها طُلب منه البقاء في بيروت لخطورة الطريق
واستهداف السيارات. وقد استشهد في هذه الحرب عمُّه الشهيد سمير ضيا وعددٌ من
أصدقائه، ما ترك في نفسه أثراً كبيراً.
لم يصادِف أن اتّصل خليل يوماً بأهله، أثناء تواجده في عمله. ولكنّه في مشواره
الأخير اتّصل بوالده وطلب إليه أن يسدّد عنه دَيْناً، فاستغرب أبوه الأمر ورفض فعل
ذلك، ولكنّ إصرار ولده جعله يوافق، ذلك أن خليلاً قد رأى في منامه رؤيا أنبأته أنّ
يوم رحيله بات قريباً.
* حُلُمي أن أُمسي شهيداً
وكانت معركة الغوطة الشرقيّة؛ عشرون مجاهداً في مواجهة عددٍ قارَبَ الألف مسلّح من
التكفيريّين أغلبهم انتحاريُّون. ذلك اليوم كأنّه يوم القيامة، حين خرج هؤلاء من
تحت التراب وكانوا يأتون من كلّ حدبٍ وصوب بقلوبهم الحاقدة ووجوههم المسودّة. وبعد
قتالٍ شرس، نال خليل الشهادة التي تمنّاها، وعاد إلى مقام سيّدته الحوراء عليها
السلام محمولاً على أكفّ الرفاق، ووُضِع بالقرب من الضريح الشريف ليعود إلى أهله
بطلاً مضرّجاً، وصدى صوته يعيد أبيات شعرٍ كتبها:
يا سائلي عن دربي | إنّما حلمي وحيد |
بين أحضان الثرى | حينما أمسي شهيد |