أيها اللاحق
وبينما أنا في طريقي لزيارة سيد الشهداء عليه السلام رأيت الرياحين على غير عادتها وقد أزهرت براعمها وفاح أريجها، وكأن الأشجار تحنو متدلية على أغصانها وكل طيورها مشغولة رواحاً وغدواً والأنوار تألّقت بسطوعها.
ثمّ تداعى إلى سمعي أصوات تبريكات، تهنئ بعرس جديد، فمررت على إخواني الشهداء لأقطع عليهم سعادتهم فوجدتهم فرحين وقد تعانقوا بلقاء غريب...
فقلت لأسرع إلى شهيد العراق وسيده علّه قد أنهى كتابة "اجتماعنا" فرأيته متلهفاً ينتظر التلميذ..
فعدوت إلى روح الأرواح لأقطع عليه مناجاته ففوجئت بمصلاه فارغاً، نظرت إلى منبره الذي اهتزّت به عروش الطغاة فلم أرَ أحداً..
ولم أعد أتمالك نفسي شغفاً ولهفة، فأسرعت الخطى إلى المظلوم العطشان، ليروي عطش انتظاري ويصب الماء على ولهي واضطرابي:
نداءات من كل مكان تصدح بالتبريك
وأنين من كل الأرض يعلو بالدعاء
فهناك إلى جانب جدّك وجدتُك سيداً مثله لثلة المقاومين.. أسرعت إليك لتعانقني فقد طال الفراق.
لتخبرني عن أحبّتي في جبل عامل
فما الخبر
جئت إليك
قطعتُ بحار الكتب، وشربت من ري العلماء وسافرت إلى بلدان الهجرة ورجعت إلى بلاد الشهداء...
قطعت الفيافي والوديان.. وتسلّقت التلال والجبال رميتهم باللهب وشواظ من نار ونحاس.. بحثت عن كل قطرة دم لك في أرض الثأر.. فوجدتُ دمك يجري في عروق الشهداء..
نظرت في سماء الليالي.. وطاردت النجوم باحثاً عن ذلك السر العظيم علّني أكتشفه..
وقلت لهم احملوا عليهم واقتلوهم.. قتلة النجباء. وانتقموا لمستضعفي الأرض..
وحملت هموم المجاهدين في أفغانستان وإيران والعراق وباكستان وفلسطين ولبنان.. ورحلت سائحاً في بلاد المقاومين لأرى الطلعة الغرّاء لمحبوبي.. ليكشف لي نوراً من وجهه الأسمى..
فرأيت نفسي لم تعد تطيق الدنيا
فقد بحثت عنك في كل مكان
وانتقمت لك من كل الأعداء
وغرست لك أشجار الشوق
فأخذتني إليك
جئت لأخبرك