اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

همسة وجدانية: بقعة الدم‏


نسرين إدريس‏


تمرُّ الأيام، وفلسطين لا تزال تحت نير الظلام.. كل يوم يمر تصبحُ قصيدتها أكثر دموية، وتقاسيمها أكثر حزناً، كأنها تتلوى على حدّ السيف، تقطرُ دماً ودمعاً أيضاً، لكنها أبداً لا تنكسر، تبقى قوية.. قويةً بضعفها.. ثمة حقيقة واحدة تتجسد كل يوم: إن فلسطين أبداً لن تموت.. لم تكن فلسطين يوماً وطناً لنا.. ولم نُهجَّر من أحيائها الأثرية الجميلة، ولسنا نغمةً أصيلة تترقرقُ في ينابيعها الصافية، لكننا، عرفنا فلسطين، كأرض مقدسة، أرضٍ عربية سمعنا حكاياها من أفواه أهالينا، وحفظناها في قلوبنا قبل أن ينطبع تاريخها في عقولنا..

لسنا مراهقين، تأخذهم حمية الثورة، ولا نبحثُ عن قضيةٍ تضمُّ طموحنا، لقد وهبنا الله قضيتنا قبل أن نولد، قضية الحق ضد الباطل، قضية الإنسان.. اليوم إذا وقفتَ متفرجاً على هذا العالم من على شرفةٍ عالية، يمتلكك شعور الازدراء وأنت تنظر إلى عالمين مختلفين؛ فهناك من غرق بحمى الصيف التي حتماً لن تنتهي شتاءً.. وآخرون غرقوا ببحر الدم والذي حتماً لن ينتهي.. هل فعلاً ما يجري على الأراضي المحتلة في فلسطين يجعلنا نعيش بهدوء؟! سؤال لا أحد يستطيع تحديد جوابه بسهولة، ولكنني أدرك جيداً أن (الإنسان) يستيقظُ صباح كل يومٍ يفتح التلفاز ليسمع أخباراً تدمي القلب عن فلسطين، ليرى طفلةً لن تشرق عليها شمس الصباح، لأنها ماتت بالقذائف الإسرائيلية وهي تغفو بين ذراعي أمها، وإذا ما قلّب صفحات الجرائد، لا يقرأ سوى عناوين موجعة. "ماذا يمكن أن نفعل؟!"، سؤال يطرحه الكثيرون.. ماذا يمكن أن نفعل، وبقعة الدم تمتد من كل شوارع فلسطين إلى قلوبنا، ومرارة الحزن تستشري في أعماق مشاعرنا؟ الصمتُ قاتل كرشاشٍ إسرائيلي يتربص بطفلٍ يحمل حجراً..

الكل يعرف على امتداد العالم العربي ماذا نستطيع أن نفعل، ولكنْ ليس المهم أن نعرف، بل الأهم أن ننفذ.. الجواب واضح وضوح دمّ شهداء 13 أيلول 1993.. عصر ذاك اليوم الذي لا يُنسى أبداً.. اتفاق غزة أريحا لتقسيم فلسطين، اتفاقٌ، كغيره مذلٌ ومهينٌ ليس للشعب الفلسطيني فحسب بل للأمة العربية.. كنا نتابع الأخبار باشمئزاز ونفور، من ذا الذي يتجرأ على بيع وطنه؟! لم يستطع أحد السكوت، كان لا بدّ من صرخة.. صرخة من أعماق الوجع عساها توقظ النائمين ليروا ماذا سيحل بأرض الأنبياء.. كانت الساعة تشير إلى الرابعة وأنا أسير في شوارع بئر العبد وأرى جموعاً غفيرة من الناس تتوجه مسرعة إلى الغبيري حيث دعا حزب الله للقيام بمسيرة رافضة لاتفاقية الذل.. الناس غاضبون حانقون، يصرخون بأعلى أصواتهم ضد الاتفاقية.. وقفنا، إخوة وأخوات، رجالاً ونساءً الأعلام اللبنانية تخفق قرب الإعلام الفلسطينية ليلفها الهواء مع بعضها، وعندما انطلقت المسيرة الغاضبة، حاصرها الرصاص، تفرق بعض الجموع، ثم عادوا وشكلوا المسيرة مرة ثانية وتابعوا طريقهم.. كانت فلسطين ذاك النهار ترمق من خلفِ منديلِ حزنِها الآتين إليها ليضمدوا بعضاً من جراحاتها، لكن عينيها الداميتين شخصتا على عبود عبود وهو يحتضن الرصاصة ويسقط مضرجاً بدماه.. مدّت يديها لتتلقى صباح وهي تهوي عند غروب الشمس، وسكنة شمس الدين التي طغى هدوءُها على ضجيج الرصاص.. شهيد تلو شهيد؛ حسن بزي، علي الطويل، نزار قانصو، سمير وهب، مصطفى شمص، ومحمد عبد الكريم..

تسعة شهداء وفلسطين تنوح خلف شموعٍ الوفاء.. هذه هي القضية: أن تعرف ماذا تفعل من أجل غيرك هو قمة الإنسانية، وأن تنفذ ما تعرفه وإن كلفك ذلك دمك فإنها الحياة.. بقعة الدم تمدُّ شرايينها إلى كل العالم، من 13 أيلول إلى غزة، ومن شهداء المقاومة الإسلامية إلى كل شهداء فلسطين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع