نهى عبد الله
اعتاد العابد السبعينيّ أن يعلن بزوغ الفجر بإيقاد شعلته
الناريّة على أطراف جبال جزيرة العُبّاد، التي لا يسكنها إلا عُبّادٌ مطيعون، لا
شغل لهم إلّا تأدية فروض الطاعة المختلفة. وقد درج أهل الجزيرة على عبادتهم الخاصّة
التي لا يقصّرون فيها، لكنّهم لا يزيدون عمّا يُطلب منهم، فيما العابد جاء صغيراً
من جزيرة أخرى لم تعرف التنسّك والعبادة، وعاش بينهم ودرَج على التقرّب أكثر،
فاعتاد مراقبة المصلّين والمتهجّدين ليتعلّم منهم، لكنّه فاقهم بقدرته على محاكاتهم
وأكثر. فبدأ يتباهى بعبادته، ويلوم المتأخّرين عنه، ويُكثر من انتقادهم...
كان الجميع يتوقّع أنّ هذا العام سيكون مختلفاً؛ لأنّ سيّد الجزر، قرّر تنصيب والٍ
جديد، بالتأكيد سيختار الأفضل. وكان العابد السبعينيّ مزهوّاً بذلك في قرارة نفسه،
متجاهلاً شعوره هذا، فهو ناسك عابد... "لكن ألست أنا الأفضل؟!" هكذا كان يتمتم في
قرارة نفسه.
بدأت مراسم التنصيب، احتشد الجميع... وما إن أعلن سيّد الجزر الجليل الاسم
المُختار، حتّى دُهشوا، فقد كان من غير سكّان الجزيرة، حسم السيّد دهشتهم: "إنّي
أعلم ما لا تعلمون". لكنّ المفاجأة كانت في العابد السبعينيّ الذي صرخ في محضر
السيّد قائلاً: "ومن يكون واليك هذا؟ أنا أفضل منه عبادة وطاعة... أنا صاحب مشاعل
النار". لم يعلم العابد أنّ غروره بنفسه ورفضه قرار سيّده، كانا نقطة الضعف في
عبادته التي ربما زادت عن سبعين ألف عامٍ، ولم يعلم أنّها ستكون سبب حلول الغضب
عليه وطرده من جزيرة الطاعة.
قد نغترّ بكثرة عبادتنا وحسنها، وقد يحجبنا هذا الحُسن عن إدراك نقصنا وعيوبنا.
لكننا ما زلنا نملك فرصةً لتجنّب ذنب "إبليس"، حين نقبض على جنوح "النفس"،
وتحديداً، حينما تخال نفسها ميزاناً للحكم على الآخرين.