نهى عبد الله
لم تفارق صورةُ أمِّه مخيلتَه في ذلك النهار. كان يسرق
نظرةً خاطفة إلى ساعته محاولاً القبض على الوقت، حتى حلّ المساء. إنه موعد تسلُّم
الراتب الشهري الذي يبلغ (800 ساعة)، ففي مدينته لا قيمة للأموال، بل يتقاضون
الساعات التي يعيشونها، وبها يبتاعون طعامهم ووسائل عيشهم. الفقراء لا يموتون
جوعاً، بل عندما ينفد رصيدهم الزمني من الدقائق والساعات. والأغنياء هم من يملكون
رصيداً عالياً من عقود السنوات في البنوك، وأصحاب الثروات الضخمة قد خُلقوا منذ
قرون.
تسلَّم راتبه، ونهب الأرض سيراً ليصل إلى أمّه، التي سينفد وقتها بعد نصف ساعة،
ليعطيها يومين إضافيين حتى تتسلّم مخصّصها الضئيل من الوقت، لكنّه وصل متأخّراً
بفارق ثوانٍ ضئيلة... انتهى وقتها تماماً.
دفن والدته وكتب على قبرها، "توفيت بسبب انتهاء وقتها"، إلى جانب مئات القبور التي
دوّن عليها السبب نفسه، في مقبرة الفقراء.
ورحل عنها وهو يبثّها أشجانه: "والدتي، لو كنّا في عالم آخر حيث الوقت مجاني، يُمنح
لنا كهبة إلهيّة، الفقراء كما الأغنياء لديهم فرصة العيش والحياة، لكنتُ صرفت عمري
في الاهتمام بك، وتحقيق طموحات أعلى من شراء الوقت، ولقبلت أن أُحاسب عليه، لأني
سأستثمره في بناء الحياة لا شرائها... لحافظت على كل دقيقة إضافية تأتي لأجعلها في
محلّها، لو كنا في عالم آخر".
ماذا لو كنا نحن، في عالم آخر، حيث لا نحصل على الوقت حتى نشتريه؟ هل كنّا
سنحتفل بكلّ عام جديد كما الآن؟ فنحن نعيش في عالمٍ الوقتُ فيه هبة إلهية.. نحاسب
عليها.