نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نصوص تراثية: تذكّر يا ولدي حرمة الله(*)


السيّد رضيّ الدين ابن طاووس

*أغناك الله عن مخالطتهم
وكتبتُ إليه غير مرة: إنّ الذي كان يحملني على لقاء الملوك في بداية الأعمار التعويل بالاستخارة. وقد رأيتُ، الآن، بما وهبني الله جلَّ جلاله من الأنوار والاطلاع على الأسرار أنّ الاستخارة في مثل هذه الأسباب بعيدة عن الصواب وخاطرة مع ربّ الأرباب.

ومما يبتلى به الإنسان في مخالطة الناس، يا ولدي محمّد، أغناك الله جلَّ جلاله عن مخالطَتهم، بالقوة الإلهيّة والأنوار الربّانية، تنظر بها خطر شواغلهم عن الله جلَّ جلاله بمعاشرتهم، أنه يقتضي التصنّع لهم في حركاته وسكناته ومَلبوسه، وقيامه وجلوسه، والاشتغال بإقامة ناموسهم عن حرمة الله جلَّ جلاله وعظيم ناموسه.

ولقد كرّر مراسلتي ومكاتبتي بعضُ ملوك الدنيا الكبار في أنْ أزوره في دار يتنافس في دخولها كثير من أهل الاغترار، فقلت له مراسلَةً: انظر المسْكَن الذي أنت ساكِنُه الآن، فإنْ وجْدتَ فيه حائطاً، أو أرضاً أو فراشاً أو ستراً أو شيئاً من الآنية وُضِع لله جلّ جلاله وفي رضاه حتى أحضُر، وأجلس عليه وأنظُر إليه، ويهون عليَّ أن أراه.

*أخاف مجالستكم
ولقد قال لي بعض العلماء المشكورين: لأيّ سبب تترك مجالستنا ومحادثتنا وأنت تدعونا وتقرّبنا إلى ربّ العالمين؟

فقلت له ما معناه: لأنني لو رأيت نفسي قوية كلّ أوان وزمان على أن أُجالسكم وأُحدّثكم، وأنا مشغول في حال مجالستكم ومحادثتكم بمجالسة الله جلَّ جلاله ومحادثته بقلبي وسريرتي، وأنكم في ضيافة إقبالي على حرمته بكليتي، كنتُ جالستكم وحدّثتكم في كلّ وقت ممكن من الأوقات. ولكن أخاف أن أُحدّثكم أو أُجالسكم وقلبي تارة ملآن منكم، ومفرّغ من تذكاري أنني بين يدي الله جلَّ جلاله، فأعتقد ذلك كالكفر إذا عزلته عن ربوبيّته وولايته، وولّيتكم وأنتم مماليكه عليه وعلى قلبي الذي هو موضع نظره، ومسكن معرفته.

وإن جالستكم وحدّثتكم وقلبي تارة معكم وتارة معه، اعتقدت ذلك شركاً وهلكاً، حيث جعلت موقعكم من قلبي موقعه.

*أرجو سلامتي مع الجلالة الربّانية
واعلم يا ولدي محمّد، مكّنك الله جلَّ جلاله من مراده، وألهمك الانقياد إليه والمنافسة عليه، أنّي عزمتُ على الانقطاع من كلّ شيء يشغلني عن ربّ العالمين عن الخلائق أجمعين، وحضرتُ مشهد جدّك أمير المؤمنين عليه السلام، واستخرت الله جلَّ جلاله في ذلك استخارة على اليقين، فاقتضت الاستخارة أنّني لا أترك مخالطتهم في مسكني بالكلية، فأنا أُخالطهم إذا حضروا بالله عزَّ وجلَّ في أوقات أرجو فيها سلامتي مع الجلالة الربّانية، وإذا رأيت روحي مشغولةً بهم أدنى اشتغال تركت محادثتهم في الحال.

*خلّصني الله (جلَّ جلاله)
واعلم يا ولدي محمّد صانك الله جلَّ جلاله عن مواقف إعراضه عنك، وزانَك بترادُفِ خلع إقباله عليك وقبوله منك، أنّ من جملة ما بليتُ به بالمخالطة للناس معرفة الملوك بي وحبّهم لي، حتّى كاد أن يفسد عليّ سعادة الدنيا والآخرة، ويحول بيني وبين مالكي صاحب النّعم الباطنة والظاهرة، وما كنت تدركني إلّا وأنني لابس ثياب العار بطلب ولايات دار الاغترار، وقائدٌ لك إلى الهلاك وعذاب النار، وما خلّصني من خطر إقبال ملوك الدنيا وحبهم، وسلّمني من السموم القاتلة في قربهم إلّا الله جلّ جلاله على التحقيق.


(*) كشف المحجّة لثمرة المهجة، السيّد رضيّ الدين ابن طاووس، ص 107-109.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع