ديما جمعة فوّاز
لم تستطع كوثر أن تخفي دهشتها عند سماع صديقتها سعاد
تخبرها تفاصيل ما حصل معها خلال فصل الصيف من أحداث مؤلمة.. فقد كانت تتابع أخبارها
عبر "الفايسبوك" خلال أشهر العطلة وتتأمّل صورها في الطبيعة الخلّابة لشمالي إيران
وتقرأ أخبارها عن السعادة التي تشعر بها في المطاعم الفارهة، والصحبة الرقيقة
لأمّها الحنون ووالدها المعطاء.
بقيت كوثر تحملق بوجه سعاد المتعب، وتذكّرت كيف قالت لوالدتها منذ شهر حين رأت صورة
رفيقتها في تركيا "انظري يا أمّي، صديقتي سعاد تجوب دول العالم، هي أسعد فتاة
عرفتها، جميع بوستاتها على الفايسبوك تؤكّد ذلك، أهلها يحتفلون بها كلّ يوم وكلّ
ساعة لأنها وحيدتهم، هي أميرة والدها ومدلّلة أمها!".
واستقرّت عينا كوثر على دمعة تفلّتت من سعاد وسارعت لتمسحها بطرف مريولها المدرسيّ.
كانت تصارع لتلجم عشرات الأسئلة التي تبادرت إلى ذهنها: "وصورك في تلك السهرة
الجميلة مع أمّك في المطعم على ضفاف النهر التركيّ؟ والبوست الذي وضعته وقلت فيه
إنك محظوظة بوالدك الحنون وأمك الرقيقة؟" لم تستطع أن تسألها عن أيّ من تلك الأمور،
شعرت أنّها سخيفة أمام الحزن العميق الذي تمرّ به، وعاهدتها أن لا تخبر أحداً من
رفيقات صفّهما بما أسرَّته لها في الملعب.
وبعد انتهاء اليوم المدرسيّ، وعند حلول المساء، كانت بحّة صوت سعاد لا تفارق بال
كوثر، تؤلمها، خاصّة حين أخبرتها أنّها تعرضت لانهيار نفسيّ بسبب المشاكل الحادّة
بين والديها والتي تصل أحياناً إلى درجة تعنيف الوالد للأمّ المسكينة، واليوم
صباحاً، أبلغاها أنهما انفصلا رسميّاً وستنتقل مجبرة للسكن مع جدتها في القرية بضعة
أيام حتّى يسوّي والداها أمورهما العالقة. وقد طلبت منها أن ترسل لها يومياً أهمّ
الفروض المدرسيّة لأنها ستغيب عن المدرسة بعض الوقت.
وانتفضت كوثر لتحضر "اللابتوب". كانت متشوّقة لترى إن كانت سعاد اعتكفت الليلة عن
وضع أيّ "بوست" أو صورة.. وما هي إلّا دقائق حتّى وجدت صورة لسعاد مبتسمة تجلس قرب
جدّتها في حديقة قروية جميلة كتبت تحتها: "أشعر بالامتنان لوالديّ الحنونين.. غائبة
عن المدرسة لأسبوع، أمضي وقتاً جميلاً مع جدّتي في قريتي التي أحبّها". هزَّت رأسها
مشفقة حين اطّلعت على تعليقات الصديقات المتحسّرات على دلال سعاد وتميّزها وعلى
ابتسامتها الـ"فايسبوكية" التي لا يمكن لأيّ شخص غير كوثر أن يسمع رنّتها الحزينة.