ندى بنجك
ليس من السهل أو الأمر العابر أن تحبّ شخصاً من دون أن
تتعرّف إليه.. ويكون مفتاح الحب اسماً أو لقباً يحمله..!
"أبو محمد الإقليم"، مشت الأرض إليه، وحطّت الجبال على كتفيه، ونام الشجر الكثيف
فوق ركبتيه، وحمّله المكان على مدى زمانه اسمه، فارتداه بالكامل، وكان لائقاً به،
كما لو أنه قد فُصّل خصيصاً عليه..
*إقليم التفاح يشهد له
رجل من العبق الأول، حظي بحبّ خاصّ من قبل الشهيد الكبير الحاج عماد مغنية، ومن
قائد المقاومة سماحة السيّد حسن نصر الله، وهو المتآخي معه في يوم عيد الغدير..
كان الزمان وكان، في الوطن مساحة جغرافيّة هي "إقليم التفاح"، تشهد للتاريخ، أن
المقاومة من بين صخورها طلعت، ومن صعاب كلّ شيء فيها تشكّلت، وأن كلّ فرد أراد أن
ينضم إليها، ليس له إلّا أن يمرّ عبرها، ينام على الصخر، أو على الثلج، يأكل فتات
الخبز اليابس، يقطع مسافة من مليتا إلى اللويزة وهو يحمل "غالون" ماء، أو قارورة
غاز، يخترع وسائل للمواجهة ولا سلاح يذكر، القوة الوحيدة التي ينبغي أن يراهن عليها
في أيّ مهمة، هي الإيمان في القلب. هذه جزئيات بسيطة، من قائمة طويلة في سجل الواقع
الميداني الذي تفرضه طبيعة تلك المنطقة.
وسرعان ما تحسّست الأرض إيقاع فتاها، وطينة روحه، فبسطت يديها وضمّته، ومنحته
اسمها.
*راية المقاومة
رجل مسؤول وكادر، بإمكانه أن يدبّر ويدير من دون تماسّ مع النار والخطر. ولكن صاحب
الاسم مخلصٌ للتاج الذي ألبسته إيّاه الأرض، وفي قلب الميدان لا يغادر.
ابتداءً من مرحلة تعرض فيها إلى حالة حصار لمدة 33 يوماً في منطقة اللويزة، مع
مجموعة تتألف من 65 مجاهداً، وقد أُذن له يومها بأن يترك النقطة وينسحب، لكنه أصرّ
على البقاء، لكي يوتد في العمق، راية المقاومة. وهو، من الذين طرزوا بخفّة سرّ
التحرير والنصر. ومع اقتلاع البوابة الأولى في أيار العام 2000، أفرد طائر الإقليم
جناحيه... وعمل في منطقة بنت جبيل ضمن مسؤوليّة تجلّى نتاجها في ذاك الفتح الإلهيّ
عام 2006، ونقش بنت جبيل كالوشم على ساعديه.
*"الحاج ماهر" نصيحة الحاج عماد
في هذه المرحلة كان قد بدأ يُعرف بـ"الحاج ماهر"، وهو اللقب الذي اختاره بنصيحة من
الحاج عماد مغنية بعد عام التحرير.. من أجل بثّ روح جديدة في المسؤولية التي
يتولاها، بدءاً من الاسم.
السيارة سريره، يستغل المسافات الطويلة فيغفو. كل الأعياد تطلع شمسها وتشرق وهو
ملازم وحدته، العمل وجهته، والميدان مكتبه. ومن حول المكتب يفترش صور الشهداء.. في
إحدى المفكرات، وجدناه قد دوّن اسم 70 شهيداً.. وكان يخصّ كلّ واحد منهم بالصلاة
والصيام، كتعبير عن دمعة اللحاق التي تختبئ في عينيه، على مرّ السنين..
*سورة التكاثر والرؤيا
كانت كافية تلك الأنوار لأن تزرعه قائداً كبيراً يؤسس الأرض. في عدة مناطق في
سوريا، تركّز وجوده ضمن محور السلسلة الشرقيّة والغربيّة، وتموضع أساساً في الشام،
يطلّ من حين لآخر، يشتمّ عبق السيدة زينب عليها السلام ويجدّد العهد.. ثم جاء
النداء إلى إدلب، فانطلق إلى خطوط أماميّة، وكانت اللحظة أمنية مزمنة.. ونزلت أولى
حبّات المطر على الجسد الترابيّ، موسم دم لن يتبدل.
استشهد أبو محمد الإقليم، وانكشف للوالدة المسنّة تفسير رؤياها في الفجر نفسه،
جاءها أبو محمد يقول لها: "أما زلتِ في البيت، قومي إلى الجبانة واقرئي سورة
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾".
وقامت الأم وقمنا، وعلى امتداد المسافة للنعش العائد، كان الإقليم يردد: "هل
تعبت من المشي، فجئت إلى النوم الأخير؟"