ديما جمعة فوّاز
مزَّقت جميع أوراقها وانتفضت من خلف مكتبها متوجّهة نحو غرفتها. أوصدت الباب وارتمت على سريرها لتغرِق مخدَّتها دموعاً.. لم تكن تتخيَّل أنّ قلمها سيقسو عليها إلى هذا الحدّ.. لم تتخيَّل أن تخونها الكلمات بعد أن عاشت لسنوات أسيرة الحرف تعبِّر به عن خلجات النفس وكنوزها.
لم تعد تتمكَّن من التعبير. تخربش بعض الأفكار غير المترابطة.. تكتب عن الألم، الوحدة، الحزن.. تعيد مطالعة ما عبَّرت عنه لتجده ركيكاً لا يصل إلى المستوى المطلوب.. لا يقترب حتّى من مستوى قريبتها الكاتبة رنا في التعبير. هدأت أنفاسها قليلاً حين تذكّرت وجه رنا المبتسم باستهزاء حين اطّلعت على قصصها. لقد سخرت من الأسلوب والعبارات ووصفت كتاباتها بغير المترابطة. وقع رأيها كالصاعقة على فاطمة. لطالما اعتبرت أسلوبها مميّزاً. ولم تتخيّل أن يأتي نقد قريبتها الكاتبة بهذه الحدَّة! وأمام أفراد العائلة، وهي التي يعتبرها الجميع صاحبة القلم الفذّ.
ما هي إلّا دقائق، وسمعت طرق أمّها على الباب هامسة: "فاطمة.. هل أنت نائمة؟".
قامت من مكانها، جفّفت دموعها قائلة: "تفضلي..". دخلت الأمّ بهدوء، وبصوتها الواثق قالت: "حبيبتي فاطمة، أعرف تماماً أنّ رأي رنا آلمك، وبصراحة، فاجأني أسلوبها في تسخيف كتاباتك، أتدرين لماذا؟"، هزَّت فاطمة رأسها بألم، وأردفت الأمّ: "لأنّ أسلوب الانتقاد يعبّر عن شخصية صاحبه وليس عن الشخص الموجَّه إليه.
أنت يا فاطمة موهوبة، قلَّة ممّن هم في عمرك يسهل عليهم التعبير، كما هو الحال معك، ولأنّ رنا كاتبة فذَّة، كان الأَوْلى بها أن تدرك هذه الحقيقة.. على كلّ حال، نصادف في حياتنا العديد ممّن يقلِّلون من قدراتنا ويهزؤون من إمكاناتنا، ولكنّ المهم هو رأيك أنت بنفسك. وتذكّري أنّ الكلمة التي تؤلمك لا تقتلك ولكنها تقويك".. هزَّت فاطمة رأسها وقد اختفت كلّ ملامح الحزن وهمست: "إذاً، أنت لم تتأثّري بما قيل عني؟" صاحت الأم ضاحكة: "أبداً! المهم أن لا تتأثّري أنت يا عزيزتي وأن تعملي لتتطوّري، فلا تسمحي لكلمة تُقال أن تحطّم معنوياتك.. انظري ماذا أحضرت لك".
خرجت الأمّ لثوان وعادت تمسك بمجموعة قصصيّة ناولتها فاطمة وقالت لها: "اشترى والدك هذه الموسوعة، اليوم وطلب منّي أن أقدّمها لك، لأنه يثق أنك يوماً ما ستكونين كاتبة متميّزة". أمسكتها فاطمة بسعادة بالغة وهمست: "سأكون دوماً عند حسن ظنّكما بي". قاطعتها الأمّ بالقول: "بل عند حسن ظنّك بنفسك، أولاً وأخيراً".