ديما جمعة فوّاز
ابتسمتْ للطفلة ذات الأعوام الأربعة وساعَدَتْها على الانتقال للجهة المقابلة من الطريق. واصلت رنا سيرها مسرعة الخطى، فقد اقتربت كثيراً من الوصول إلى مقرّ المؤسسة التي طالما حلمت بالتوظّف فيها. وقد استطاعت منذ أشهر أن تحجز لمقابلة اليوم مع مسؤول الموظفين. استعدَّت كثيراً لما ستقوله وتهيَّأت للأسئلة التي يمكن أن تُطرح عليها. ظهر أمامها المبنى الضخم وشعرت أنها على مشارف تحقيق الحلم، لتلتفت وتجد قربها الطفلة الصغيرة وقد بدت مرهقة، همست بضعف: "أنا ضائعة.."، وانفجرت بالبكاء.
لم تعرف رنا كيف تتصرف. تلفّتت حولها فلم تجد أثراً لشخص بالغ يبحث عن تلك الطفلة. وبقيت لثوان شاردة تفكّر كيف تتصرّف: هل تتركها وترحل، أم تأخذها إلى أقرب مخفر؟ وماذا لو تأخّرت عن الوصول إلى المقابلة في الوقت المحدّد؟ لا بدَّ أنها ستفقد فرصتها تماماً... قطع أنينُ الطفلة خواطرها، فأمسكت يدها الصغيرة وقالت بحزم: "لا تخافي.. سنبحث عن أمك أو أبيك". هدأت الطفلة واكتفت بمسح دموعها بطرف قميصها الزهريّ. علمت رنا أنها أمام مهمّة شبه مستحيلة، فالفتاة لن تتمكّن من أن تُعرِّف عن نفسها أو عنوان سكنها نظراً لتوتّرها وصغر سنّها. تجاهلت العوائق وبدأت تسير برفقتها، وهي تمازحها محاولة التخفيف عنها: "يا ترى أين أمك؟ لا بدَّ أنها تبحث عنك.. لا تخافي، سنجدها.. انظري هناك.. هل هي تلك السيدة التي ترتدي منديلاً أزرق؟" هزَّت الطفلة رأسها بالنفي. "حسناً.. لا بأس، هل كنت برفقة أمك أو أبيك؟".
بقيت الطفلة تحملق بوجه رنا ولم تجبها. استمرَّت تمشي في الطريق ذهاباً وإياباً، بينما كانت ترمق المؤسسة، وتفكّر كيف تأخّرت وكيف ستتصرّف.. ومضت الدقائق ثقيلة ومزعجة حتى فاتها موعدها.
اتّكأت على الجدار المقابل للمؤسسة، وضمّت الطفلة لتقلّل من خوفها، وتنهّدت بعمق، فقد فشلت... فجأة لمحت رجلاً بدا مسؤولاً عن أمن الشركة، ركضت الفتاة نحوه، وارتمت بين ذراعيه بينما رفعها وأخذ يقبّلها. ابتسمت له رنا قائلة بترقّب: "هل هي ابنتك يا سيدي؟" هزَّ رأسه نافياً، وبسعادة صاح: "إنها ابنة مدير الشركة، وقد أحضرتها إلى هنا، لكنها غافلتني وأضعتها". جحظت عينا رنا ولم تقوَ على الكلام، بينما كان الرجل يتقدَّم أمامها بخطى سريعة قائلاً: "تفضلي أرجوك، لا بدَّ أن المدير يحبّ لقاءك ليشكرك شخصياً على معروفك!". هزَّت رأسها غير مصدِّقة، وأخذت الطفلة من بين يديه هامسة: "حسناً.. أنا أيضاً يهمّني أن ألتقي به".