مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

إضاءات فكرية | معاً في مواجهة الإعلام المعادي

السيّد حسين أمين السيّد


يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾(النساء: 83) .
بما أنّ الإعلام يعدّ السلطة الرابعة في المجتمعات، والصانع الأكبر للتوجّهات الاجتماعيّة، فإنّه اللاعب الأبرز في عمليّة التضليل والإلهاء وإشغال المجتمعات بأشياء ثانويّة، وصولاً إلى إشعال الحروب العسكريّة والاقتصاديّة، وغيرها.
لذا، لا بدّ من البحث في كيفيّة تعاطي الإسلام مع الإعلام، والأحكام التي تضبطه، والقواعد التي تحكم عمله، والمواصفات التي ينبغي للعامل في هذا المجال أن يتحلّى بها.

 
• أوّلاً: ما هو الإعلام الإسلاميّ؟
لم يرد في الإسلام التمييز بين الإعلام والدعوة، ففي القرآن الكريم ورد قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ (الأحزاب: 39)، وقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104). وورد في القرآن الكريم أيضاً آية يُفهم منها دور المؤمن في إيصال الرسالة والقيم الإسلاميّة، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122). وقد استدلّ فقهاؤنا بهذه الآية على أنّ طلب العلم واجب كفائيّ على المؤمنين. وبما أنّ الممارسة الإعلاميّة هي أيضاً من الإرشاد والإنذار، فعلى أهل الإيمان سدّ هذه الثغرات، من خلال التبليغ والإعلام كما أمر الله تعالى، وعدم ترك الساحة خاليةً أمام الأعداء، فيعيثون فيها الفساد، ويبثّون الانحراف والضلال.

• ثانياً: مضمون الإعلام الإسلاميّ وشروطه
عند ممارسة العمل الإعلاميّ، ينبغي الالتزام بالضوابط الشرعيّة الحاكمة بغية عدم الوقوع في محذورات شرعيّة، وهي:
1. حرمة الكذب: لا يجوز نقل أخبار والترويج لها قبل التأكّد من صحّتها، كما نسبة الخبر إلى أيّ جهة لم تصدر عنها. وقد حمّل القرآن الكريم الإنسان مسؤوليّة التزام الصدق، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36).
وعن الإمام عليّ عليه السلام قوله: «ليس بين الحقّ والباطل إلّا أربع أصابع»، فُسئل عن المعنى، فوضع عليه السلام أصابعه الأربعة بين عينه وأذنه، ثمّ قال: «الباطل أن تقول سمعت، والحقّ أن تقول رأيت»(1). قد يبرّر أحد الكذب بدعوى تحقيق المصلحة العليا واستجابةً للضرورات، ولكنّ هذا الأمر بيد وليّ الأمر، فهو وحده من يجيزه أو يمنعه حسب مقتضيات الأمور.
من الأمثلة على ذلك، أنّ الوليّ قد يعمد أحياناً إلى إخفاء معلومة مهمّة عن العدوّ، لا إعطاء معلومة كاذبة أو غير صحيحة، كأن لا يصرّح بارتقاء شهداء في بعض المواجهات حتّى لا يقدّم معلومةً مجّانيّة عن شيء محدّد، أو لأنّ ذلك يقع ضمن الحرب الإعلاميّة والنفسيّة. وهو بذلك لم يقل إنّه لم يرتقِ شهداء في المواجهة، وهذا هو الفرق بين عدم التصريح والكذب؛ فالكذب حرام ومن الكبائر، ومن ديدَن أهل الإيمان قول الصدق.


2. حرمة إشاعة الفحشاء: إنّ إشاعة الفحشاء من الكبائر، وقد تكون أصعب وأشدّ من ارتكابها؛ فلو اختلس شخص مبلغاً من المال، وهو معروف بالإيمان والالتزام، وقد نال جزاءه من العقاب، حتّى لو لم يكن ذلك علنيّاً، فلا يجوز نشر قضيّته بين الناس وفضحه، لأنّ ذلك يشيع هذا العمل، بشكلٍ قد يشجّع بعض ضعاف الإيمان على الاختلاس أيضاً.
مع الأسف يلقى هذا النوع من الإعلام رواجاً في بعض الأوساط وتعتمده بعض الوسائل الإعلاميّة في عملها، حتّى تجذب المتابعين.


3. حرمة تتبّع عورات المؤمنين: لا بل وحتّى الناس عموماً؛ فلا يحقّ للإعلام أن يتدخّل في خصوصيّات الناس وأعمالهم تحت أيّ ذريعة كانت.
وقد ذكر الكليني في الكافي عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عوراته، ومن تتبّع الله عورته، يفضحه ولو في بيته»(2).


4. حرمة الغيبة والنميمة والبهتان: إذا كان تناقل ما حدث فعلاً حراماً بحدّ ذاته، فكيف باختلاق القصص وفبركة الأخبار؟ فهي أشدّ وأعظم وأخطر. وهذا ما نشهده اليوم في كثير من وسائل الإعلام، التي تختلق الأخبار والقصص، وعند بيان كذبها، يتداعى القائمون عليها للاعتذار وكأنّ شيئاً لم يكن!


5. حرمة الفتنة: على الرغم من أنّ بعض الأخبار قد تكون صحيحةً، ولكنّ نشرها قد ينتج عنه مفسدة كبيرة، كوقوع فتنة أو نزاع. هنا، المصلحة العامّة هي الحاكم في إشاعة خبر من عدمه.
روى الكلينيّ في الكافي عن محمّد بن مسلم قال: سمعت الإمام الباقر عليه السلام يقول: «يُحشر العبد يوم القيامة وما ندا دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، إنّك تعلم أنّك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، ولكنّك سمعت من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه، فنُقلت عليه حتّى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه»(3).

• ثالثاً: مواجهة الإعلام المعادي
إنّ خطورة الإعلام المعادي تستلزم مواجهته بأساليب متعدّدة، منها:
1. فضح الإعلام المعادي وإظهار كذبه: إنّ الأمر المهمّ بالنسبة إلى هذا الإعلام هو صنع البلبلة في مجتمعنا. وطالما أنّ الكذب يحقّق مصالحه، فهو فضيلة عنده، لذا، يجب أن نعمل على فضحه أمام بيئتنا حتّى لا تتأثّر به وتصدّقه، فيصبح كلّ ما يصدّر عنه موضع شكّ لديها.
2. المواجهة بالدعايات المضادّة: ينبغي إطلاق دعايات وتوجيهات للبيئة الموالية تنبّهها إلى خطورة الإعلام المعادي وأساليب عمله، وكيفيّة التعامل معه، والحذر منه. وما نراه مناسباً جدّاً في هذا المجال هو الجداريّات التي تُنصب على جوانب الطرقات، إذ إنّها تُسهم في إيصال الرسالة المنشودة إلى ذهن المشاهد من خلال رؤيتها مراراً وتكراراً.
وغيرها من الطرق التي تختلف بحسب الظرف والوسيلة.

• رابعاً: صفات المنتمي للإعلام الجهاديّ
من الواضح أنّ الملتزم المجاهد العامل في مجال الإعلام لا يشبه غيره من العاملين في هذا المجال، إذ إنّ له صفاتٍ خاصّة تنمّ عن التزامه وعقيدته، نذكر منها:
1. الإيمان: هو المحرّك الأساسيّ الذي يجعله يعتقد أنّ عمله مقرِّب إلى الله تعالى، انطلاقاً من رؤيته أنّه خندق جهاديّ فعّال. وكلّنا نلمس تأثير الإيمان في هزيمة الأعداء وإضعاف جبهتهم الداخليّة.
2. الرساليّة: هي المبلّغة للعقيدة والقيم التي تحكم حركتنا، والكاشفة للآخرين عن عظيم ما نحن عليه من قيم، فيؤدّي ذلك إلى نشر الرسالة بقوّة، حتّى ولو لم يكن المضمون دينيّاً؛ بدليل أنّ ثمّة الكثير ممّن اتّبعوا الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلاممن خلال متابعة قناة المنار وإذاعة النور.
3. الصدق: من أهمّ صفات ناشر الصدق أن يتحلّى بهذه الصفة.
4. التقوى: هي تساعد العامل في مجال الإعلام في مواجهة الصعاب والمغريات.
5. الكياسة والفطنة: هاتان الصفتان تساعدانه في فهم الأمور على حقيقتها كي لا تشتبه عليه، وحتّى لا تنطلي عليه خديعة العدوّ.
6. التأنّي وعدم التسرّع: المطلوب عدم التسرّع في تصديق أيّ خبر، لأنّ العدوّ يعتمد على تسرّعنا في إصدار الأحكام، فيبثّ، مثلاً، خبراً يطال أحد القادة بهدف إشعال الفتنة بيننا وبينه، ولهذا، حمّلنا الله سبحانه وتعالى مسؤوليّة هذا التسرّع فقال: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36)؛ فإنّ التسرّع لا يعفينا من المسؤوليّة.
7. الإعراض عن الدنيا: هذه صفة أساسيّة لكثرة المغريات في عالم الإعلام، الماليّة والخدماتيّة وحتّى الشخصيّة منها، وهذا من أبشع صور الضغط.
8. الروحيّة الجهاديّة: المطلوب التحلّي بها ليبقى العامل في مجال الإعلام في روحيّة المواجه والممانع والمدافع.
فلتكن مواجهة الإعلام المعادي مسؤوليّة جامعة، فنخفّف بذلك من تأثيراته السلبيّة علينا وعلى مجتمعنا.


1. نهج البلاغة، ج 2، ص 24.
2. الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 2، ص 354.
3. وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 13، ص 251. ومعنى ما ندا دماً؛ أي لم يهرق دماً في حياته.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع