مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

القوانين المادية وعجزها أمام القانون الطبيعي

فاطمة السيد قاسم


"التلقيح الاصطناعي أو ما يسمى بطفل الأنابيب هل هو من خلق الله أو من خلق الإنسان"؟

موضوع الأنابيب أو ما يسمى بالتلقيح الاصطناعي موضوع ما زال يثير التساؤلات ويكتنفه الغموض لدى الكثيرين منا خصوصاً عند أصحاب النفوس الواهية الذين ينجرون وراء الدعاية الغربية التي تهدف إلى تفريغنا من إيماننا بالله وهز عقيدتنا من خلال ما أطلقته أبواق الدعاية الغربية الكافرة بأنه أصبح بالإمكان خلق إنسان عن طريق التلقيح الاصطناعي أو ما يسمى بطفل الأنابيب دون الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
هل هذا صحيح؟ هل استطاعت الحضارة المادية أن تصل إلى خلق إنسان؟ فللإسلام في هذا السياق نظرة خاصة مستمدة من تعاليم القرآن الكريم وهي بمثابة ثوابت إلهية لا يمكن الابتعاد عنها.

قبل أن ندخل في صلب موضوعنا، نحن نعرف بأن قانون الحياة والموت هو قانون طبيعي موجود في الطبيعة وليس بمقدور أحد أن يغير أو يبدل شيئاً في هذا القانون، فالله سبحانه وتعالى يقدر أن يخلق من الطين والماء بشراً سوياً يتمتع بطاقات فكرية إلى جانب طاقاته البدنية.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (ص: 71). إذاً الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يخلق من المواد الميتة من التراب الذي لا حياة فيه يستطيع أن يخلق منه بشراً سوياً ويجعله في الأرض يعمرها إلى وقت محدود وعمر معلوم ثم يموت فيرده الله إلى التراب جسداً وليس إنساناً لأن الإنسان لا يعتريه الفناء ولا يموت وإنما الذي يموت هو الجسد فقط، أي إنه ينفصل عن جسد التراب المادي ليرتدي جسده البرزخي والذي يستمر فيه إلى يوم يبعثون. فسيقوم الإنسان من قبره ينفض التراب عن كاهله ساعة ينفخ الملائكة وإسرافيل في الصور.
فموضوع الحياة ومنح الحياة يظل سراً غامضاً أو سراً عظيماً في هذا الكون لا يعرفه إلى الله، فليس في إمكان أحد منا أن يبعث الحياة في خلية أو نملة أو ذبابة، إنه وحده الذي يخرج الحي من الميت والميت من الحي.

فالحضارة المادية على الرغم من تقدمها العلمي وتطورها التكنولوجي لا تستطيع أن تخلق جناح ذبابة بل أيضاً لا تستطيع أن تفهم معنى الحياة ومن أين تتكون أجزاء الحياة، فهي تقف عاجزة أمام قانون طبيعي ليس في وسع أحد من الناس أن يغير أو يبدل فيه شيئاً على الإطلاق.
والذي ينبغي الالتفات إليه والتوجه نحوه وهو طالما أن البشرية لا تقدر أن تقوم بصناعة نطفة أو ذرة تحمل بين جوانحها حياة كيف استطاع بعض العلماء على حد زعمهم خلق إنسان عن طريق طفل الأنابيب دون الحاجة أو الرجوع إلى الدين.

* التلقيح الاصطناعي أو ما يسمى بطفل الأنابيب
حتى لا تنطلي علينا الدعايات والإشاعات المغرضة التي تنشرها أبواق الدعاية الغربية ووسائل الإعلام البعيدة عن الإسلام والمسلمين والتي لا تريد من وراء ذلك إلا ضعضعة إيماننا وهزّ عقيدتنا عن طريق الإيحاء بأنه أصبح بالإمكان خلق إنسان عن طريق العلم وليس عن طريق الله، حتى نعرف حقيقة التلقيح الاصطناعي أو ما يسمى بطفل الأنابيب وحتى لا تنطلي علينا هذه الدعايات دعونا نسمع قصة طفل الأنابيب كما هي أو لندعها تتحدث هي عن نفسها ثم نكشف القناع عنها لنراها على حقيقتها ثم نحكم بعد ذلك بما علمنا.

* كيف يتكون طفل الأنابيب؟
طفل الأنابيب ليس هو طفل أنبوبة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ولكن يحدث أن تنغلق قناة فالوب التي هي بمثابة شرط أساسي لسلامة الحمل وانعقاد النطفة. فلكي تنعقد النطفة لا بد لها من توفير حيوان منوي قوي وجيد مع بويضة صالحة، مع سلامة قناة فالوب التي هي عبارة عن أنبوب تدخل فيه الحيوانات المنوية: تسير فيه النطفة قاصدة البويضة داخل الرحم: إذاً فلكي يتكون الجنين أو بالأصح لكي تنشأ النطفة وتنعقد داخل الرحم لا بد من توفير شروط ثلاثة هي:

أولاً: قناة فالوب التي تجري فيها النطفة وتأخذ طريقها إلى الرحم.

ثانياً: لا بد من وجود بويضة من الأم صالحة وسالمة، بهذه الشروط الثلاثة تنعقد النطفة فإذا سقط شرط واحد فإنه لا يعود بالإمكان انعقاد نطفة داخل الرحم.
فلو فرضنا أن الحيوان المنوي ضعيف وغير سليم وليس في وسعه أن يقوم باللقاء والتلقيح مع البويضة فإنه هنا لا يمكن للنطفة أن تشق طريقها داخل الرحم لتنشئ إنساناً كاملاً سوياً. ونفس الشيء يقال بالنسبة إلى انعدام البويضة وفقدانها فإنه حينئذٍ لا تنشأ نطفة ولا تنعقد خلية داخل الرحم. يضاف إلى ذلك أن قناة فالوب يجب أن تكون سليمة صافية ليس فيها انسداد ولا غبار ولا ظلام، هذه إشارات كلها يعرفها علماء الأجنة وفي علم بايلوجية الجسم. فلكي يتم اللقاء واللقاح بين نطفة الرجل ونطفة المرأة، أو بين الحيوان المنوي المنطلق من الرجل والبويضة الطالعة من الرحم، لكي يتم اللقاء بين هذا وتلك، فإنه لا بد من أن تكون الطريق التي يقطعها الحيوان المنوي سالكة وغير مسدودة.
ففي قصة طفل الأنابيب يحدث أن تنغلق الطريق أو أن يكون الطريق مسدوداً، هنا يجد الحيوان المنوي نفسه يسير في طريق مسدود، فيرتد راجعاً وقبل أن يبلغ نقطة البدء يعتريه الفناء فيسقط ميتاً.
في طفل الأنابيب، يأتي الأطباء بأنبوبة تقوم مقام قناة فالوب ويتم فيها التلقيح.

إذاً، طفل الأنابيب ليس أكثر من أخذ بويضة من المرأة، وأخذ الحيوان المنوي من الرجل ثم جعلهما في وعاءٍ معاً لفترة ثلاثة أو أربعة أيام حتى يتم التلقيح وبعدها تؤخذ النطفة الملقحة وتوضع داخل الرحم، رحم الأم لتبدأ عملها.

هنا لا بد من ملاحظات حول هذا الموضوع:
أولاً: إن هذه العملية تعد إنجازاً علمياً رائعاً، بحيث أمكن بواسطته تلقيح البويضة مع المني في قناة فالوب.

ثانياً: إن حقيقة تكامل النطفة وتدرج الجنين في مراحله التي يتخلق بها، إنما يحصل داخل الرحم وليس في الأنبوبة المذكورة، وهذه حقيقة يجب الانتباه إليها، إذ أن تمام فترة بقاء النطفة في الأنبوب لا تتعدى أربعة أيام فقط وبعدها تنقل إلى رحم الأم الذي أطلق عليه اسم القرار المكين.

ثالثاً: إن المسألة كلها لا تخرج عن إرادة الله بحال من الأحوال. فنطفة الرجل والمرأة إنما هما من خلق الله وليس من خلق الإنسان، وذلك أن النطفة أو انعقاد الخلية أخذها الأطباء حية وليست ميتة.. على هذا، فالعلم الحديث لم يتمكن أن يحيي خلية ميتة، ولا يستطيع أن يبعث الحياة في جسم ميت أبداً وإنما كل ما في الأمر هو أن النطفة التي تشكلت من مني الرجل ومن بويضة المرأة إنما هي بالتالي من خلق الله العزيز العليم.

رابعاً: إن هذا الاكتشاف يجب أن يعمق الإيمان بالنفوس، لا أن يهز العقيدة ويطفئ نور الإيمان بالله كما يريد الإعلام الكافر، الذي أحدث ضجة إعلامية كبيرة بأنه استطاع أن يتوصل إلى خلق إنسان عن طريق طفل الأنابيب دون الرجوع إلى الله وإلى الدين.

والسؤال الآن هو: ماذا صنع الذين هم من دون الله؟ هل استطاعت الحضارة المادية أن تصنع جناح بعوضة أو تصنع قطرة دم واحدة؟

كلا وألف كلا.. وإلا لما رأينا بنوك الدم تنتشر في الأرض طالبة النجدة من الناس تهيب بهم أن يتبرعوا بدمائهم لإسعاف إخوانهم من بني الإنسان الذين يتعرضون دوماً للجراح الخطيرة نتيجة اضطراب العالم، واندلاع الفتن التي تلف الناس كقطع الليل المظلم.

بعد كل هذا، هل سمعتم ماذا يقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(لقمان: 11).
فليس في مقدور الإنسان أن يتعدى مسائل الحياة ويفك أسرارها ويحل ألغازها أبداً لا يمكن أن يحدث مثل هذا وليس في إمكان أحد أن يقوم بهذا العمل مطلقاً.

فبالنسبة لموضوع طفل الأنابيب فقد تقدم الرأي فيه، ونحب أن نشير إلى أن العلماء قد اعترفوا بأنهم عاجزون عن صنع جهاز يقوم بعمل الرحم، وأصبح من المؤكد لديهم وفقاً للأرقام العلمية وللتجارب التي أجريت في هذا المجال، وكلفهم مالاً وعمراً وجهوداً لا يستهان بها.. أصبح من المؤكد أنه ليس في إمكانهم أن يوجدوا نظاماً يشابه نظام الرحم بحيث يمكن أن تتم عملية التلقيح والولادة خارج الرحم الطبيعي، الذي يصفه القرآن الكريم بأنه قرار مكين، ولهذا السبب نجد ـ في قضية طفل الأنابيب ـ إنه يتم التلقيح خارج الرحم في أنبوبة ثم بعدها مباشرة يتم إدخال النطفة الملقحة في الرحم لتأخذ سيرها، وتنطلق نحو أهدافها، ومبادئها وعملها المرسوم لها.
 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب(الحج: 73).
إن هذه الذبابة التي تنظر إليها بعين الضعف وليس بعين القوة بمقدورها أن تسلبك صحتك بمرض تنقله إليك، فقد أكد العلم أن هذه الذبابة... وهي أنواع كثيرة ومختلفة تستطيع أن تطرح على مائدة الطعام ملايين الألوان من الجراثيم القاتلة، وتستطيع أن تسلبك أو تسلب منك شيئاً من الطعام، فلا تستطيع أنت إرجاعه، نعم، إن كل عباقرة العالم عاجزون عن استرداد ذرة من الذي سلبتك إياه هذه الذبابة، لأن هذه الذرة تتحول فوراً إلى سكر بفعل الخمائر الهاضمة في أمعاء هذه الذبابة، ترى إذا كان موقف العلم الحديث مهزوزاً أمام تفاهة ذبابة، فما بالكم بعظمة الخلق، وعظمة المخلوقات التي تدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى؟

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
في سياق حديثنا هذا، يروى أن المنصور الدوانيقي كان قد أزعجه الذباب ذات يوم وكان حاضراً في مجلسه الإمام جعفر الصادق عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فسأله المنصور قائلاً: لماذا خلق الله الذباب؟ أجابه الإمام: ليذل به الجبابرة ويكشف لهم عن ضعفهم، أجل إن ذبابة صغيرة قادرة على قهر هؤلاء الظلمة وتحويل حياتهم إلى جحيم. كما لسعت حشرة تافهة أحد كبار الجبابرة فتركته يعالج مصرعه في مرارة، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، بواسطة جندي ضعيف من جنود الله.

 ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (المدثر: 31).
ودائماً: إن جند الله هم الغالبون.
وجند الله سواء كانوا رجالاً يقفون على خط النار يقارعون الأعداء، كما هي الحال مع مجاهدي المقاومة الإسلامية، أو كانوا من عالم الذر أو غيره، فالنتيجة واحدة وهي أن الطاغية مهما كان عاتياً، ومستبداً فإن بإمكان حشرة واحدة عمياء حقيرة لا يحس بها أحد أن تنغص عيشه وتميته.
كان هذا عن الحياة، أما قانون الموت، فإنه يشبه قانون الحياة بالنسبة للحضارة المادية اليوم، التي وقفت عاجزة أمامه وستبقى كذلك ويبقى هذا النص قائماً.

* لكل أجل كتاب
وهكذا وقفت الحضارة المادية عاجزة عن إيقاف هذا القانون أو تبديله.. وعلى الرغم من أن العلم أصبح بإمكانه أن يطيل في عمر الإنسان لسنوات أو شهور ولكنه ليس في وسعه أن يدفع الموت عنه وهنا بيت القصيد: من يستطيع أن يرد الموت عن الإنسان؟

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع