سارة الموسوي خزعل(*)
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ﴾ (النحل: 69)، وعن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام قال: "ما استشفى الناس بمثل لعق العسل"(1). فالعسل كان ولا يزال الغذاء الأثمن منذ القدم، وفي القرآن العسل شفاءٌ للناس. كذلك أكّدت الأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام أهميته، وهي تنصح بتناول العسل وتذكر فوائده، إن بصورة عامة أو خاصة. واليوم تتزايد الدراسات والأبحاث العلمية العديدة التي تظهر فوائد العسل الجمّة. فهل من تطابق بين ما ذكر من فوائد للعسل في الأحاديث وبين ما توصّل إليه العلم الحديث؟ ما هي فوائد العسل؟ وما هي مكوناته؟
*مكونات العسل
تتفاوت نسبة المكونات الغذائية في العسل من نوع إلى آخر، إلّا أنه يمكن إعطاء معدل تقريبي لمكوناته. يحتوي العسل على:
- 13 % إلى 18 % رطوبة لذلك فهو غير قابل للفساد، ما يجعله مادة جاذبة للرطوبة، وبالتالي يساعد على الشفاء من أكثر الأمراض العفونية.
- 80 % سكر (فروكتوز + غلوكوز..).
- 2 % بروتين.
- حبوب لقاح.
- إنزيمات تساعد على الهضم.
- فيتامينات: B1- B2.
- المعادن: مغنيزيوم، نحاس، حديد.
- مواد مضادة للأكسدة: Phenylethyl caffeate، وقد ثبتت فعاليتها على الوقاية من الأمراض والأورام السرطانية خاصة سرطان القولون.
ورغم ما نراه من مكونات بسيطة في العسل، إلا أن آثاره وإيجابيته الصحية عديدة وغير متناهية نذكر منها بعض ما ذكرته الأحاديث الشريفة والدراسات الحديثة.
*العسل يحمي القلب
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "نِعم الشراب العسل، يرعى القلب..."(2).
وقد تبين في الدراسات المختلفة أن العسل:
1 - يحافظ على سلامة الأوعية الدموية: وذلك لأن العسل يحتوي على مواد مضادة للأكسدة فعالة في تقليل التأكسد، إذ إنّها تساعد على تحسين عمل خلايا بطانة الأوعية الدمويّة وبالتالي الحفاظ على سلامة هذه الأوعية.
2 - يخفّض معدلات الدهون السيئة في الدم: والتي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب وكذلك تحسّن من مستوى الدهن الحميد في الدم (HDL). وقد تبيّن ذلك في دراسات عديدة، ومنها سلسلة من التجارب التي شملت عيّنة من الناس الأصحاء، وكذلك من الذين يعانون من ارتفاع الكوليستيرول في الدم، ومن السكري من النوع الثاني، وكانت النتيجة: انخفاض معدل الكوليستيرول الإجمالي بـ8 % وانخفاض معدل الدهن السيئ (LDL) بـ11 % عند مرضى الكوليستيرول.
3 - دواء لمرضى السكري:
- ففي الدراسة السابقة، تبيّن أن تناول مرضى السكري للعسل أدّى إلى تدني ارتفاع السكر في الدم.
وفي ندوة خاصة انعقدت في كاليفورنيا حول العسل والصحة البشرية، توصّل المحاضرون إلى أن العسل يساعد على السيطرة على مستوى السكر في الدم، وأنه يحسّن من تجاوب خلايا الجسم مع هورمون الإنسولين، وأنّ تقبّل الجسم له هو أفضل من تقبّله لأيّ نوعِ مُحلٍّ آخر.
- وفي دراسة أخرى، تبيّن أن العسل يحسّن من مستوى مخزون السكر في الدم (HbA1c).
4 - مفيد للنحافة: تبيّن في دراسة محدودة على الفئران أنّ تناول العسل يؤدي إلى انخفاض نسبة زيادة الوزن.
*العسل يقوي المناعة ويعالج الزكام
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "نِعْمَ الشرابُ العسل، ...، ويُذهب برد الصدر". وفي رواية أخرى: "العسل شفاء، يطرد الريح والحمى"(3).
وقد بيّنت الدراسات أن العسل:
1- يحتوي على بكتيريا حميدة (lactobacilli) تحمي من البكتيريا الضارة، لذلك فقد استُخدِم منذ القدم لمعاجة الحروق والجراح والأمراض المختلفة.
2- أكثر فعاليّة في تهدئة سعال الأطفال، ما بين 2-18 سنة. من أدوية السعال المعتمدة (DextRomethoPhan).
3- يقوّي المناعة، إذ بيّن بعض الأبحاث أن العسل فعّال في تخفيض معدل الإصابة بالحمى الحادة في 64 % من المرضى.
4- يساعد -تناوله يومياً- على زيادة معدل المواد المضادة للأكسدة في الدم(4). والمواد المضادة للأكسدة هي مواد تدافع عن الجسم وتحارب الأمراض.
*العسل يقوي الذاكرة
عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خمس يذهبن بالنسيان ويزدن في الحفظ، ويذهبن بالبلغم: السواك، والصيام، وقراءة القرآن، والعسل واللبان"(5).
وفي دراسة أجريت على فئرانٍ تناول بعضها العسل، وبعضها السكر، وبعضها الآخر السكر الطبيعي من الفواكه والخضار والحبوب، تبين أن تلك التي تغذّت على العسل، تحسّنت لديها الذاكرة المكانية، كما ونتج عن تناوله انخفاض التوتر.
*الإفادة في العسل الطبيعي لا في غيره
عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام، قال: "العسل شفاء من كل داء، إذا أخذته من شهده"(6).
وفي الندوة الدوليّة التي انعقدت حول العسل؛ تبيّن أن بكتيريا "اللاكتوباسيلي" المفيدة للنحل والإنسان معاً، غير موجودة في بطن النحل خلال أشهر الشتاء عند النحل الذي يتغذى على السكر، خلافاً للنحل الذي يتغذّى على الرحيق. والحاصل أن العسل الناتج عن النحل الذي يتغذّى على السكر يفقد العديد من خواصه. وكذلك بيّن لنا الحديث الشريف، أن فائدة العسل مشروطة بكونه مأخوذاً خالصاً طبيعياً من شهده.
*مقدار بسيط كاف للإفادة الهائلة
عن الإمام الرضا عليه السلام: "عليكم بالعسل... في العسل شفاء من كل داء، ومن لعق لعقة عسل على الريق، يقطع البلغم، ويكسر الصفراء، ويقمع المرة السوداء، ويصفي الذهن، ويجود الحفظ..."(7).
واللَّعق أو اللَّعْقَة هو الشيء القليل منه(8)، وربما يدل على الكمية التي يتناولها الإنسان عندما يتذوق شيئاً. وهنا تكمن الإجابة لكثير من الذين يستغربون من قدرة العسل الشفائية رغم كونه من المحليات. فالكمية لها دور بالغ في تقديم المنفعة أو الضرر. لأن الزيادة مثيل النقصان. لذلك من أجل الحصول على منافع العسل وتجنّب أيّ ضرر منه، لا بدّ من تناول مقدار بسيط بحجم ملعقة صغيرة، وهي كافية لتقديم المنافع المذكورة. أما تجاوز هذه الكمية فقد يؤدي إلى السمنة أو تفاقم مشاكل السكري وغيرهما...
(*) أخصائية تغذية.
1.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج63، ص290.
2.م.ن، ص290.
3.م.ن، ص290 - 294.
4.في دراسة في جامعة كاليفورنيا: www.whfoods.com/honey
5.م.ن.
6.المحاسن، البرقي، ص300، بيان: قال في (البحار) أي أخذته جديداً من شمعه أو خالصه.
7.بحار الأنوار، م.س، ص293.
8.لسان العرب، ابن منظور، ج10، ص330، مادة (لعق).