مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شروط استجابة الدعاء


الحمد لله الذي لا أدعو غيره ولو دعوت غيره لأخلف دعائي والسلام على النبي الأمين وعلى آله الطاهرين.
الدعاء تعبير طبيعي عن إحساس نفسي وشعور حي لدى الإنسان الذي يُدرك وجود حقيقتين في حياته: وجود الله الغني الكامل، ووجود الإنسان الذي هو وعاء الفقر والحاجة، وهو وسيلة لربط الإنسان بالله والتوجه إليه، والاعتراف بين يديه بالذنوب والجرائم، وإشعاره بضعفه وبحاجته إلى خالقه.
قال تعالى: 
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(البقرة: 186).

قد يسأل البعض: طالما أن الله وعدنا باستجابة الدعاء.. لماذا لا تستجاب كل الدعوات؟ ولماذا يُرد بعضها في أشد ظروف الإنسان محنة؟...

للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نفهم أن هناك شروطاً ذاتية ترتبط بالإنسان الداعي نفسه، وأخرى ربانية تتعلق بحكمة الله وعلمه بمصلحة الخلق، وثالثة موضوعية ترتبط بذات الأسباب.. فهذه الشروط جميعها ذات علاقة وتأثير على إجابة الدعوة من قبل الله أو عدم إجابتها، فليس كل ما يدعو به الإنسان هو الحقيقة التي يجب أن تكون، لأن إرادة الإنسان ليست هي الإرادة التي تسيِّر العالم، ورغبته في حدوث الأشياء لا تكشف عن حقيقة ما يجب أن يكون، إذ كثيراً ما يدعو الإنسان لتحقيق شيء وهو لا يحسن تقدير نتائجه ولا طبيعة آثاره في الحياة، وقد يلح بالطلب ويرفع صوته بالضراعة والابتهال، وهو لا يعلم أن مصلحته فيما يرفض، فكل ذلك مخفي على الإنسان لعدم قدرته على اختراق حجب الغيب أو الاطلاع على حقائق الأمور، ولهذه الحقيقة أشار أمير المؤمنين عليه السلام: "فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور".

لذا كان لاستجابة الدعاء شروط وهي:
1- الشرط الرباني: ويُقصد به عدم مخالفة الدعاء للحكمة الإلهية أو معاكسة قضاء المشيئة الربانية التي قدّرت سير العالم ورتبت تتابع الأسباب والنتائج والمصالح فيه، فالرغبة الإنسانية ليست هي التي تقرر مسير الحوادث أو تُحدث ما تشاء بعيدة عن تقديرات الحكمة والتوجه الإلهي، فلكي يكون الدعاء مؤهلاً للإجابة يجب أن لا يخرج على حدود المصلحة المقدرة في علم الله وبذلك قال تعالى: ﴿فيكشف ما تدعون إليه إن شاء.

2- الشرط الذاتي: ويُقصد به الكيفية الروحية والنفسية التي يتوجه بها الإنسان إلى الله بأن: أ- يدعو الله حقيقة الدعاء: فالآية: ﴿أجيب دعوة الداعِ إذا دعان تدل على اشتراط الدعاء بالحقيقة دون التجوز، وتدل على أن وعد الإجابة المطلقة إنما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة مُريداً بحسب العلم الفطري مواطئاً لسانه قلبه فإنه حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير، صدقاً أو كذباً، جداً أو هزلاً، لذلك لا بد أن يكون الإنسان في موقع الدعاء في حال انقطاع كامل وأن لا يكون قلبه مشغولاً بغير الله. عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أفرغ قلبك من غير الله وقل يا الله".
"إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك فدونك دونك فقد قصد قصدك" بح- ج 93- ص344.

ب- الإخلاص في الدعاء:
فإنه ورد أن العبد إذا دعا الله تبارك وتعالى بنية صادقة وقلب مخلص استجيب له بعد وفائه بعهد الله، وإذا دعا الله بغير نية وإخلاص لم يستجب له، أليس الله يقول: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (البقرة: 40).

ج- الثقة بالله وحسن الظن به: بأن الحاجة مهما كانت كبيرة فهي أمام قدرة الله لا شيء. عن الإمام الصادق عليه السلام: "عندما تدعو فتذكّر أن حاجتك عند باب الكريم". وفي الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيراً". وفي عدة الداعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة". من هنا نعرف أن العطية على قدر النية أي أن الاستجابة تطابق الدعوة، فإن كان الدعاء مع اليأس أو الترديد فيكشف عن عدم السؤال في الحقيقة كما تبين لنا ذلك من خلال الروايات.

د- استشعار الحاجة والفقر لله: مر معنا أن الإنسان هو دعاء الفقر والحاجة والمسكنة لله، وبما أن وجود الإنسان صادر عن ذلك المبدأ ومتعلق به ومتوقف عليه فهو (الإنسان) متوجه إليه دوماً لطلب الإفاضات والكمالات التي تسد نقص الوجود الإنساني وتغني فقره وحاجته في كل شيء: في استمرار بقائه، في استقامة حياته، في رقيّه وتكامله، في إصلاح نفسه ومدّه بحاجاته، في إعانته على مشاكله ومصاعبه. فهذا الشعور هو الذي يقود النفس البشرية. وتلك حكمة الله الخبير في الخلق جعل كل ذلك لكي لا يشعر الإنسان بالاستغناء والطغيان، وليبقى مرتبطاً بخالقه متوجهاً إليه ساعياً نحو الكمال. حديث قدسي: "يا موسى سلني كل ما تحتاج إليه حتى علف شاتك وملح عجينتك"/ بح ، ج93، ص303.
 

هـ- الاضطرار: هناك آيات كثيرة تدل على أن الإنسان يتوجه عند الاضطرار لركوب السفينة، نحو ربه فيدعوه بالإخلاص فيُستجاب له كقوله تعالى:  ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (يونس: 12)، وقوله تعالى:﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (النمل: 62)، فالمراد بإجابة المضطر إذا دعاه، استجابة دعاء الداعين وقضاء حوائجهم وإنما أُخذ وصف الاضطرار ليتحقق بذلك من الداعي حقيقة الدعاء والمسألة إذا ما لم يقع الإنسان في مضيقة الاضطرار وكان في مندوحة من المطلوب لم يتمحض من الطلب.

و- ارتفاع موانع الذنوب: إن رعاية الطهارة الظاهرية والباطنية ضرورة قبل الدعاء، فالبدن واللباس يجب أن يكون في وقت الدعاء طاهراً أو نظيفاً وأن يغتسل الإنسان أو يتوضأ، أما طهارة الباطن في موقع الدعاء فهي طهارة القلب مثلاً إذا كانت هناك ضغينة أو سوء ظن بمسلم، يجب أن نُخرج ذلك من القلب وبالجملة إذا ارتكب الإنسان ذنباً فيجب عليه أن يتوب منه قبل الدعاء كي تتحقق إجابة الدعاء. فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "دعاء أطفال أمتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب"، وكما نعلم من خلال الأدعية أن الأئمة يستعيذون بالله من الذنوب التي تحبس الدعاء. فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أعوذ بك من الذنوب التي ترد الدعاء". ويروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "أنه قال كان في بني إسرائيل رجل وهو يدعو الله ثلاث سنوات متواصلة من أجل أن يرزقه ولداً، ولكن دعاءه لم يُستجب، وبعد ثلاث سنين رجع إلى نفسه وقال ثلاث سنين وأنا أدعو الله ولم يستجب لي؟!.. وفي الليل رأى في عالم الرؤيا رجلاً يقول له: ثلاث سنين وأنت تدعو الله بلسانٍ بذيء وقلبٍ عاتٍ غير نقي ونية غير صادقة، فاقلع عن بذاءتك ولتتق الله في قلبك، ففعل الرجل فولد له غلام".

لذا لا بد من تطهير اللسان من الذنوب لكي لا تكون قلوبنا قاسية، ونتوب إلى الله من كل ذنب بعد أن نندم عليه كي تتحقق الإجابة.

فإذا فعل الإنسان كل ذلك فعرف الله حق معرفته ودعاه وأخلص دعاءه بعد أن تاب من الذنوب وكان عنده الثقة التامة بالله، عند ذلك تكون الذات الإنسانية على درجة من العلاقة والارتباط بالله سبحانه وتعالى تؤهلها لتكون طرفاً في رفع الدعاء والتعامل مع فيوضات الرحمة الربانية واستقبالها بدرجة تجعل من الداعي مستحقاً للإجابة متوفراً في شرط القبول والقرب من الله. قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ  (البقرة: 186).

3- الشرط الموضوعي:
ويُقصد به تعامل الإنسان مع الأسباب والوسائل الطبيعية التي جعلها الله سبحانه سبباً في تنظيم الحوادث وسير الأمور، وبعبارة أخرى أن على الإنسان واجباً ومسؤولية عليه أن يؤديها إذا ما أراد إنجاز شيء ودعا الله سبحانه للإعانة على ذلك... فقد جعل الله بحكمته علاقة بين الأشياء وأسبابها، ويأتي دور العون الإلهي في هذه الحالة متمثلاً بتوفيق الله للإنسان لإصابة الأسباب الملائمة وتأهيلها لإعطاء النتائج المرجوة، فالمريض الذي يدعو الله بالشفاء لا يحق له أن يترك مسؤولية العلاج ويكتفي بالدعاء، والذي يهدده الظالم لا يجوز له أن يخضع ويستكين لإرادة الظالم ثم يدعو الله لكشف الضر عنه. والآية المذكورة قبل قليل من سورة البقرة- الآية 186- منطوقها ومفهومها صريح بأن إجابة الدعوة مرتبطة بالاستجابة لله والإيمان به، والاستجابة تعني الالتزام بشريعته وتنفيذ مقررات المنهاج الإلهي الذي هو مجموعة القوانين والأحكام الإلهية. وختام الآية ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ يكشف لنا بوضوح أن العون الإلهي هو ترشيد الإنسان وهدايته إلى أسباب نجاح دعوته وإعانته على انجازها.
ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا ونحن نتكلم عن الشروط الثلاثة الأساسية التي تتوقف عليها استجابة الدعوة أن نؤكد أن مشيئة الله هي النافذة، وإرادته هي الغالبة، وليس للأسباب والقوانين الطبيعية دور الحتمية إذا شاء الله الاستجابة، وقضى بتنفيذ الأمر "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون".

ولا بد من التنبيه إلى أن الدعوة إذا استوفت الشروط الذاتية والموضوعية وحالة المصلحة والحكمة دون تعجيل الإجابة فإن هذا الدعاء يدخّر لصاحبه ويخفف عنه بلاء لم يكن ليعلمه هو، ولم يفكر بالدعاء للخلاص منه، أو يعوِّض الداعي عن عدم إجابة دعوته بالثواب والمغفرة كما ورد: "أن الله إذا أحب عبداً غتّه بالبلاء غتاً وثجّه به ثجاً، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي لبيك لئن عجلت ما سألت إني على ذلك لقادر، ولئن أخرت فماذا أخرت لك عبدي خير لك" / بح- ج93، ص371- ميزان الحكمة- ج3، ص280.

اللهم إني أعوذ بك من دعاءٍ محجوب مكذوب وحياءٍ مسلوب برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع