داليا فنيش
أنا أمّ أبلغ من العمر 23 سنة. عندما كنت حاملاً كنت أعدّ الأيام والليالي لكي يأتي طفلي إلى هذه الدنيا. لكن بعد مجيئه تغيّرت حياتي، فلم أعد أعرف معنى النوم والراحة. كنت أقوم بكلّ ما يلزم مني كأم، دون جدوى، أصبحت متوتّرة وقلقة وانفعالية دائماً. لا أعرف ماذا أفعل حتى أنّي فكّرت في أخذ دواء مهدّئ للأعصاب. أرجو المساعدة والنصيحة.
*طريقة التعبير الوحيدة
هذا لسان حال أغلب الأمهات. والبكاء أمر طبيعي جداً، عند الأطفال حديثي الولادة. فالطفل يبكي ما بين ساعة إلى ثلاث ساعات يومياً، فيما تعاني الأم من ذلك، فتشعر أن حياتها تحوّلت إلى سلسلة من الإحباط والتعاسة.
ومن المعلوم أن الطفل لا يستطيع فعل أي شيء لنفسه، فيعتمد على الوالدين لإمداده بالغذاء، والدفء، والراحة المطلوبة. والبكاء، بالنسبة إليه، هو الطريقة الوحيدة التي يعبر بها للتواصل مع الآخرين. كذلك عليك اعتبار ذلك اختباراً لمدى صبرك وقوّة تحمّلك وقدرتك على مواجهة المواقف الصعبة.
بعض الأحيان، يصعب عليك معرفة ما يحاول أن يقوله من خلال بكائه، هل هو جائع، أم يشعر بالبرد؟ لكنك ستتعرفين مع الوقت إلى أنماط بكاء طفلك المختلفة وتعرفين احتياجاته مع نموه، وعندما تزداد تدريجياً قدرته على التواصل معك.
يُقدّر أنّ طفلاً من كلّ 5 أطفال حديثي الولادة يبكي باستمرار دون سبب معروف. ويختلف البكاء الشديد عن البكاء العادي بأنه يبدو كما لو أن الطفل غير قادر على التوقف عن البكاء. وقد يستمر بكاؤه ثلاث ساعات. وغالباً تتكرر نوبات الصراخ يومياً في الموعد نفسه.
*الأسباب
قد تصلين لمرحلة يصبح فيها أهم أحلامك وآمالك أن ينام طفلك هادئاً مستكيناً طوال ساعات الليل، بعد أسابيع قليلة من ولادته. لكن، الحقيقة ليست ورديّة كالحلم، فالرُضَّع غالباً يعشقون الاستيقاظ باكين وطالبين اللهو والرضاعة بعد الثانية صباحاً. وبالطبع فإن محاولة تجاهلهم فكرة غير جيدة، ربما يقول لك الطفل من خلال بكائه:
- أنا جائع:
يعتبر الجوع أكثر أسباب البكاء شيوعاً لدى حديثي الولادة. فمعدة طفلك الصغيرة لا تستطيع استيعاب كمية كبيرة من الغذاء، لذا إذا بكى، حاولي إعطاءه بعض الحليب.
- أحتاج إلى تغيير الحفاض:
قد يعلن طفلك احتجاجه إذا كانت ملابسه ضيقة، أو متضايقاً من تبلّل حفاضاته، تأكدي من عدم وجود شيء في الملابس يزعجه.
- أشعر ببرودة زائدة أو حرّ زائد:
قد لا يحب طفلك تغيير حفاضاته أو الاستحمام، ويفضل البقاء في قماطه متمتّعاً بالدفء.
تأكدي من عدم المبالغة في ملابس طفلك ليشعر بالراحة في مختلف الفصول. ويمكنك معرفة ما إذا كان طفلك يشعر بالحرارة أو البرد عبر تحسّس معدته.
- بحاجة إلى الاحتضان:
يحتاج الطفل إلى قدر كبير من الاحتضان والتدليل، والتواصل الجسماني، ليشعر بالراحة والاطمئنان، ربما يريد فقط أن تحتضنيه. لا تخشي عليه أن يعتاد على الحمل لأن هذا غير وارد خلال الأشهر الأولى من عمره.
على الأرجح، يستمتع حديث الولادة بإحساس الدفء وما يتبعه من أمان، تماماً مثلما كان داخل الرحم. قد يستعيد هذا الشعور عبر تقميطه، أو ربما لا يحب أن يكون ملفوفاً بالقماط ويستجيب بشكل أفضل لوسائل أخرى من التهدئة والطمأنة، مثل أن تغني له أو عند سماع دقات قلبك، مثلاً.
- متعب وأحتاج إلى الراحة:
من السهل افتراض أن الأطفال يحبون أن يناموا وقتما يشعرون بالحاجة إلى ذلك، وأينما كانوا.
فإذا حظي طفلك باهتمام كبير من زوارك، قد يتنبّه أكثر من اللازم، وربما يصاب بالخوف من الأصوات، والتنقل بين أيدي الأقارب، بعدها قد يصعب عليه النوم عندما يحين الوقت لذلك؛ فيبدأ البكاء.
خذيه إلى مكان هادئ، وانسحبي تدريجياً بعيداً عن جميع المؤثرات الخارجية لمساعدته على الراحة والخلود إلى النوم.
- أحتاج إلى ما يشعرني بأنني أفضل:
إذا أرضعتِه وتأكّدتِ من أنه مرتاح، لكنه استمر في البكاء، قد يكون ذلك بسبب حاجته إلى كثير من الوقت للتأقلم مع وجوده في الحياة. انتبهي إلى التغيرات التي تطرأ عليه إذا كان مريضاً، فسيبكي بنبرة تختلف عن المعتاد، متواصلة وتتميز بالوهن. في المقابل، قد يدل هدوء طفلك إذا كان معتاداً على البكاء أن هناك شيئاً ما لا يسير على ما يرام. لا أحد يستطيع أن يعرف طفلك أكثر منك. فلو شعرت بوجود مشكلة، سارعي إلى الاتصال بطبيبك.
- أنا بحاجة إلى شيء لا أعرفه بالتحديد:
أحياناً، لا تستطيعين تحديد ما يزعجه. قد تنتابه نوبات من البكاء وتصعب تهدئته بسهولة. اطمئنّي فهذا أمر طبيعي. تتراوح مدة هذه الحالة المحزنة بين بضع دقائق من البكاء الذي يصعب تهدئته، والذي يعلو وينخفض لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات في اليوم، وعلى مدى ثلاثة أيام في الأسبوع على الأقل، فتظهر عليه هذه العلامات:
يبكي بصوتٍ عالٍ لوقت طويل، يحمرّ لونه ويبدو عليه الانزعاج والاستياء، كما قد يرفض كل جهودك ومحاولاتك لتهدئته، يشدّ قبضتي يديه، أو يجذب ركبتيه إلى أعلى، أو يقوّس ظهره.
يعتقد بعض الخبراء أن المغص الحاد يحدث بسبب ألم في البطن، قد يرجع السبب إلى حساسية طفلك أو عدم قدرته على هضم بعض المواد في حليب الأم أو الحليب الاصطناعي. لا يوجد علاج سحري. لكنه نادراً ما يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر.
*ماذا أفعل؟
حاولت كل الطرق ولكن طفلي ما زال يبكي، ماذا أفعل؟
بما أنك تتعرفين إلى شخصية طفلك بالتدريج، ستعرفين الأساليب التي تنفع وتنجح معه. إليك هذه الاقتراحات التي قد تساعدكِ:
1 - حاولي إيجاد إيقاع منتظم:
اعتاد طفلك داخل الرحم على سماع الإيقاع المنتظم لدقات قلبك. وهذا أحد أسباب تفضيل طفلك حمله عن قرب. كما تعطي الأصوات المنتظمة والمتكررة أيضاً تأثيراً مهدئاً. يمكنك إسماعه القرآن، الموسيقى الهادئة أو الغناء له.
ربما نرى بعض الأطفال ينامون على الصوت الرتيب في الإيقاع المنتظم لغسالة الملابس، أو المكنسة الكهربائية، أو مجفّف الشعر. اتركيه فهذا يساعده على عدم الاستيقاظ عند سماع أي صوت.
2- هدهدي طفلك:
يعشق معظم الأطفال الهزّ برفق، يمكنك:
- حمل طفلك والمشي به.
- الجلوس معه في كرسي هزاز.
- استخدام أرجوحة آمنة مخصّصة للأطفال.
- أخذه في رحلة بالسيارة.
- جربي تدليك (مساج) جسم طفلك أو فرك ظهره وبطنه باستخدام زيوت أو كريم، فقد يساعد ذلك في تهدئته. اسألي طبيبك عن طريقة التدليك.
3 - جرّبي وضعية مختلفة للرضاعة:
يبكي بعض الأطفال أثناء الرضاعة أو بعدها. إذا كان طفلك يعاني من الغازات أثناء الرضاعة، جربي إرضاعه بوضعية مائلة إلى الأعلى. حاولي أن تدفعيه إلى التجشؤ بعد كل رضعة بحمله على كتفك.
4 - استخدمي اللهاية (المصّاصة):
قد تكون الحاجة إلى المصّ ملحّة عند بعض الأطفال حديثي الولادة، فنجد أن مصّ (اللهاية) يمنحه الكثير من الراحة، فينظّم دقات قلبه، ويريح معدته ويساهم في تهدئته.
5 - امنحيه حمّاماً دافئاً:
قد يساعده على تهدئته. اختبري درجة حرارة الماء قبل وضعه فيها. لكن ضعي في بالك أن الاستحمام قد يجعله يبكي أكثر. مع الوقت ستتمكنين من معرفة ما يحب طفلك وما يكره.
6 - لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها:
إذا كان طفلكِ يبكي بشكل دائم تقريباً، فلن يلحق ضرراً مستديماً بنفسه، لكن قد يتسبب في خلق جو من التوتر والحيرة لديك. ومن الصعب عليكِ أحياناً أن تمنعي نفسك من الإحساس بالرفض والإحباط، لكن لا تلومي نفسك.
وتذكري أن البكاء في حد ذاته لن يصيب صغيرك بأي ضرر. واعلمي أن كل يوم ينمو خلاله طفلك سيتعلم طرقاً جديدة للتواصل معكِ والتعبير لك عن احتياجاته، وستجدين أنه سيتوقف عن البكاء بالتدريج.
*لماذا يبكي الطفل في عمر السنتين حتى السادسة؟
أكثر الأسباب في هذه المرحلة هو في الحقيقة ذو منشأ نفسي، أو فسيولوجي أو عِلَّة مرضية؛ حيثُ يلعب النظام التربوي المتبع معه في البيت الدَّورَ الأبرز في تشجيع انفعال الغضب ومظاهره، كالبُكاء والصُّراخ؛ فإذا اكتشف بالملاحظة والتعلُّم أنَّ البكاء هو أسهل طريقة لتحقيق مَطالبه ومُسايرة رَغباته، يصبح وسيلةً لتأكيد الذات لديه، وحين يستجيب الأهلُ في كل مرة، فإنه يكرّر هذا السلوك؛ لأنه يَجد مطلبه بدلاً من عقابه على ذلك.
*علاج المشكلة
لتفادي نوبات الغضب وانفجارات البُكاء قبل وقوعها، على الوالدين مراعاة ما يلي:
1 - إشعاره بأنه قادر على التحكُّم في أموره؛ مثلاً: اختياره للطعام، أو رغبته في ارتداء ملابس معينة.
2 - عدم إعطائه أوامر لا يُمكن التراجُع عنها.
3 - التعامُل معه باحترام إذا فَشل في تعلم سلوك معين. وعلى الأم أن تضبط انفعالاتها؛ فتوجهه برفق وأدب ولطف وصبر.
4 - تحويل انتباهه إلى شيءٍ آخر، غير الذي يبكي لأجله، أو مدِّه بنشاط بديل.
5 - على الوالدَين أنْ يضبطا انفعالاتِهما عند حُدوث نوبة البُكاء، وينظرا إلى المشكلة بهدوء بعيداً عن أسلوب الصُّراخ والتوبيخ، مع الحرص بينهما على الالتزام بمعايير تربوية واحدة.
6 - تجاهُل الأم للولد خلال النوبة، كي يتعلم أنه ليس وسيلة نافعة لجذب الانتباه، حتى لو كان معها في مكان عام كالسوق، مثلاً.