خالد كخلود الزمن
عندما يساورك الشعور لإطلالة على الجنوب فلا بد أنك تبحث عن معنى للعزة والكرامة والكبرياء، وأن تدخل إلى عباب جبل عامل حيث تقطن قرية جنوبية مجاهدة قدمت على مذبح التاريخ رجالاً لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله يصنعون النصر الأحمر فلا بد أن مرادك أثمن من كلام وأقوى من عزيمة.
وعلى تلك البقعة العاملية الطاهرة تطل قرية الحلوسية كالشمس في وضح النهار بأبطالها العظماء أمثال الاستشهادي علي صفي الدين. وفي هذه البقعة الكربلائية شهد العدو الصهيوني اللون الأوسد من الحياة وذاق طعم الهزيمة بفعل ضربات المجاهدين الذين هبوا كالنار في قرى الجنوب ليحققوا النصر والعزة للأمة جمعاء.
أول ما يثير فضولك وأنت مترجل إلى القرية زيارة المقام الشريف للعبد الصالح "محمد بن يعقوب" المتكلل عند أعلى نقطة في القرية حيث نداء ذي النون يخترق حجب النور بالنور، فما يسعك إلا أن تقف إجلالاً واكباراً لهذا العبد الصالح.
ومحمد بن يعقوب أحد العباد الصالحين حسب ما يذكره بعض أهالي القرية فيما تضاربت المعلومات عن هذا الشخص، فمنهم من قال "عبد صالح" ومنهم من أكد أنه "أحد أبناء النبي يعقوب عليه السلام".
أهو التاريخ، يعني أن يكون هناك ولد النبي يعقوب عليه الصلاة والسلام اسمه محمد، وأيّاً يكن نسب هذا الشخص فالمهم أنه أحد الصالحين الذي رفضوا الذل والظلم والاستعباد وسلكوا طريق النور والرشاد فانطلق يطوف أرض الله إلى أن وصل إلى أرض جبل عامل حيث أراد أن يلقى ربه على قاب قوسين أو أدنى.
ومما يدل على أهمية هذا العبد الصالح هو ما ذكره أهالي القرية أنهم منذ مئات السنين ينذرون ويوقفون عن روحه الأرض والأشجار التي تنتشر داخل القرية وفي خراجها وصولاً إلى القرية المجاورة طير فلسيه حيث تبلغ مساحة الأرض المشجرة الموقوفة عن روحه عشرات الدنومات...
المقام الشريف لهذا العبد الصالح، يتربع على أعلى نقطة في القسم الأعلى من قرية الحلوسية، ويعود تاريخ بنائه إلى مئات السنين، ومما يدل على ذلك، عمر الأشجار الموقوفة لهذا العبد الصالح والتي جاوزت السبعة قرون، وكذلك حديث المسنين من أهل القرية، وقد شهد هذا المقام تحسينات في النصف الأول من القرن الحالي.
وما يزيد في أهمية هذا العبد قصة نبش قبره الشريف، فعندما اجتاحت قوات الاحتلال الصهيونية الجنوب سنة 1982، عمدت إلى نبش القبر وقطع بعض الأشجار المحيطة به.
مقام هذا العبد الصالح اليوم مصلى لأهل القرية يقصدونه ليؤدوا فيه الصلاة وينذرون لصاحبه عند الضائقة.
ويبقى مقام العبد الصالح "محمد بن يعقوب" منارة للسائرين يعطي كل يوم دروساً في الأخلاق والجهاد وعبرة للسلاطين الظلمة.