أن تؤم قرية من قرى الجهاد والمواجهة مع العدو الصهيوني، فلا بد أن يتملكك شعور بالإباء والعزة والآنفة، فكيف بك إذا قصدت مشغرة؛ تلك البلدة العاملية المنحدرة من أعلى قمة الجبل الأشم والضاربة جذورها في أعماق الأرض مشكلة قلعة المسلمين الصلبة على مر التاريخ.
أول ما يطالعك وأنت تدخل هذه البلدة المجاهدة ذلك المقام الشريف لنبي اللَّه نون عليه السلام المتربع على قلب الجبل الشرقي للبلدة، تحيط به باقة من الأشجار المعمرة يخيَّل للناظر إلى تلك البقعة المباركة وكأنها قطعة مبانة من الجنة.
النبي نون عليه السلام هو من أنبياء بني إسرائيل، وهو والد وصيّ موسى عليه السلام يوشع بن نون والمعروف بـ"فتى موسى" كما أشارت إليه الآية من سورة الكهف: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ (الكهف: 60).
تبدأ قصة هذا النبي العظيم عندما رفض الظلم والاستبداد من طاغية زمانه التي كانت تتحكم في بيت المقدس وجوارها. ولما لم يجد أعواناً على الظلم، وبعد السعي الحثيث من الملكة الطاغية لقتله فر من أمامها في البراري والجبال إلى أن ألقوا القبض عليه وقتل، وقد دفن في المكان الذي قتل فيه حيث يوجد مقامه الشريف حالياً.
أما تاريخ بناء القبر فغير معروف، إلا أن الشجر المحيط بالمقام والذي يربو عمره على الألف سنة تقريباً يدل على احترام الناس لهذه البقعة الطاهرة منذ قيم الأزمان، خاصة إذا علمنا أن الجبل أجرد ليس فيه شجر إلا في البقعة المحيطة بالمقام.
ويؤكد المؤمنون من أهالي مشغرة، وتحديداً الشيوخ والمسنون الثقاة منهم، أن المقام تعرض منذ مائة وخمسين عاماً لسيل جارف، فجاء النبي إلى أحد المؤمنين في الرؤيا وطلب منه إصلاح القبر، وعندما صعد ذلك المؤمن الصالح لإنجاز هذه المهمة، وجد جسد النبي طرباً فيه حرارة وكأنه قد قتل في تلك اللحظة، وتعتبر هذه الحادثة من المسلَّمات التي تؤكد نسبة المقام للنبي نون عليه السلام.
كان المقام محجاً لجميع المؤمنين من أهالي القرى المجاورة، يجتمعون فيه في المناسبات الدينية المختلفة وخاصة في "عيد الغدير" حيث يعملون على إحياء هذه المناسبة العظيمة في ذلك المكان الطاهر. واليوم، وبعد أن تعرض للقصف المباشر أيام الاجتياح الإسرائيلي حيث أصبح شبه مهدَّم، أعيد ترميمه وبناؤه، والبناء الجديد عبارة عن مزار إلى جانب قاعة كبيرة وغرفتين أعدتا للدراسة الدينية، وتعرف باسم "حوزة الحر العاملي المشغري".