تحقيق: عصام البستاني
حين سار ركب السبايا ودار به زبانية يزيد في البلاد ليصلوا بهم إلى الشام، اتخذوا طريق مياه الفرات فعبروا بهم دير الزور حماه حمص مروراً ببعلبك وحيث وصلوا ناحية قلعتها لجهة الغرب، عانت الطفلة خولة ابنة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام بين يدي أمها ليلى ما عانته من عناء السفر وقد فارقت خولة الحياة في تلك البقعة فحفرت لها ليلى ورفيقاتها من السبايا حفيرةً دفنت فيهافي منطقة البساتين في بعلبك.
وبعد فترة من الزمن أتت السيّدة خولة عليها السلام للسيِّد حسن ديب مرتضى مرّات ومرّات في عالم الرؤيا وعرّفته بنفسها وطلبت منه أن ينقلها من مكان دفنها لأن المياه الآسنة كانت تمرّ في تلك الأرض ولأن الأرض هي أرض للنصارى ففعل ذلك حيث دلّته على المكان وقام بنقلها إلى أرض له منذ أكثر من سبعمئة سنة.. والمكان الذي نقلت إليه قريبٌ جداً من هياكل بعلبك حيث كانت المنطقة مزروعة بالأشجار الحرجية المعمّرة، ولم يبق من هذه الأشجار سوى شجرة مروٍّ دهرية رافقت قلعة بعلبك في بنائها وظلَّلت مقام السيدة خولة في مكانها.
يقع مقام السيِّدة خولة بنت الإمام الحسين عليه السلام على قطعة أرض تبلغ مساحتها حوالى الألف وخمسمئة متر مربع على المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك ومقابل مصرف لبنان، وهي أول ما يطالعك ي هذه المدينة وقلعتها، ويحيط بالمقام المتواضع مجموعة من الأشجار الصنوبرية والحرجية المتنوعة يقوم في وسطها بناء المقام المتواضع والذي تعلوه قبّة خضراء وباحة دار وتعشعش في تلك الناحية العصافير الأمر الذي يضفي على المكان بهجة ورونقاً نادرين.
وهذا المكان قد سُجِّل في مديرية الآثار لما يمتلكه من قيمة أثرية قديمة إضافة إلى قيمته الدينية والمعنوية حيث لا يزال حتى الآن في الحائط الجنوبي لدار حضرة السيّدة خولة محراب محفور فيه بطريقة مميزة إضافة إلى الحجارة التي بني فيها المقام.
أما السور الخارجي فقد بناه حاكم بعلبك العثماني آنذاك إسحاق بن روحي، وترى على مدخل المقام أبيات شعر نُظمت بحقه:
إلى بنت الحسين الطهر خولة |
تحية ذي الجلال أغدي وروحِ |
إلى من قد سمت بأبٍ وجدٍّ |
على الثقلين من أنسٍ وروحِ |
بنى هذا المقام عماد فخر |
إلى شرواه تاقت كل روحِ |
وقد شملته في تاريخ مجدٍ |
أياد ذي العلي إسحق روحِ.. |
وكان بناء السور في العام 1209 هجرية.
ولفترة كان زواره مقتصرين على بعلبك والقرى المجاورة، إلا أن زيارة المقام ازدهرت حوالي العام 1983 ميلادية حيث تعرّف إليه الكثير من المواطنين من جميع المدن والقرى اللبنانية وخاصة الجنوبية حيث صاروا ينظمون حملات لزيارتها في المناسبات الإسلامية وخاصة في شهر محرّم الحرام بل وذاع صيت المقام وكرامة صاحبته إلى الأمصار العربية فصرت تجد القاصدين لزيارتها من سوريا ودول الخليج..
لكن يقول خادم الوقف حالياً السيد عبدو موسى مرتضى والذي يرعى شؤون المقام منذ خمسين سنة أن المكان ضيق ويحتاج إلى إعادة هندسة وتوسيع حتى يستطيع استقبال الأعداد الهائلة من الزوار والمؤمنين.. والجدير ذكره أن كثيراً من المناسبات تقام احتفالاتها في باحة المقام ومجالس العزاء في أيام عاشوراء ولياليها.