 
                        
            
كثيرون هم الذين يأتون إلى هذه الدنيا ويغادرونها دون أن يعلموا شيئاً عن الهدف من وراء وجودهم فيعمّرون الأعوام والعقود دون أن يخطر في بالهم التفكير بسرّ وجودهم. فالله تعالى لم يخلق البشر لرغبة منه في مشاهدة أفعالهم ونشاطاتهم، لأننا نستنكر على من يخترع آلة كهربائية فعلته إذا لم يرسم لها مشروعها وبرنامجها، فكيف الحال إذا تعلق المقام بأحكم الحاكمين. 
وبناءً عليه طالما يُصاب الناس بصدمة الرحيل المفجع لعالم الدنيا الذي طالما سعوا إليه وعبّدوه بأنفاس أعمارهم لتأتي الساعة التي لا مفر منها لتذكرهم بالواقع المر الذي تغافلوا عنه وغيّبوه في أوقات التمرد على ساحة الطاعة لله عزّ وجلّ: "لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءَك فبصرك اليوم حديد".
وما الصدمة تلك إلا تعبير عمّا أَلِفَه الإنسان بعيداً عن الواقعية وقريباً من الغفلة عمّا يُراد به. أما الإنسان اليقظ لدوره في الحياة، فإنه يتفانى في سبيل القضايا التي يحمل. وهو لا يرى الدنيا على أنها واحة للاستجمام بالقدر الذي يرى فيها تكاليفه. وهو المؤمن بأن دار الدنيا على أنها واحة للاستجمام بالقدر الذي يرى فيها تكاليفه.
وهو المؤمن بأن دار الدنيا دار امتحان واختبار وما على المرء إلا أن يُحسن خوض غمار التجربة تلك، فهي لن تتكرر وضياعها يعني ضياع فرصة العمر الحقيقية. وإن نظرة متأنية لتاريخ العظماء تقودنا إلى الاعتراف بأنهم أحسنوا الاستفادة من أعمارهم حينما حمل كل واحد منهم مشروعاً كبيراً حوّل صاحبه إلى عظيم تتفاوت عظمته بتفاوت القضايا التي آمن وحمل وجاهد لأجلها،
 ذلك أن قيمة الإنسان بمقدار عطائه. فكما يُقدر المصباح لأنه يُعطي النور فإذا أُعطب فهو مجرد زجاج، يقدّر الإنسان بمقدار عطائه للبشرية وحمله لهموم الناس، فإذا عُطّل هذا الدور فهو مجرد عالة على مجتمعه كائناً ما كان منصبه وجاهه ورصيده. 
نقول هذا ولا يغيب عن أذهاننا أننا في ذكرى مناسبة ولادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام التي حملت هم المشروع الإسلامي العالمي وتحمّلت المصاعب جرّاء إيمانها، حتى جعل منها الهم الكبير الذي هيمن على حياتها وعايش روحها أماً عطوفاً على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وهي ابنته، التي قال عنها (فاطمة أم أبيها).
إنه الوسام الذي أشار إلى منزلتها عليها السلام التي مهما حاولنا أن نبحر في أمواج عظمتها ينقلب البصر خاسئاً وهو حسير، لأن الزهراء عليها السلام سر إلهي وعطية الغيب صاغها المولى تحت عينه، حتى إذا ما اشتاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجنة شمّ رائحتها.
هذه الذكرى العطرة للبتول عليها السلام تحمل في طياتها صورة امرأة رسالية صابرة، مجاهدة، ثائرة بدموعها، ببكائها المقنَّن (ليلاً أم نهاراً) وثائرة في حياته وبعد رحيلها.. بوصيتها، بطريقة دفنها، بقبرها المجهول فهي عليها السلام بعمرها الذي لم يصل إلى العشرين ربيعاً تتحدى أعمارنا المديدة..
وأن من الألطاف الإلهية أن تتزامن ذكراها الذي اعتبر يوم المرأة العالمي مع ذكرى ولادة حفيدها الإمام الخميني المقدس قدس سرهالذي قدَّم أنموذجاً في العطاء ولا أرفع، وأجاد في حمل هم الدعوة والرسالة، وكان بحق العارف لواجبه ودوره حتى دخل إلى عمق وجدان كل منصف، فأحبه السود في أعماق السجون الأمريكية حينما علقوا صوره على جدران الزنازين، وأحبه الكبار والصغار لأنه تربع في قلوب الناس بلا استئذان. فهو رجل العرفان الأول، وأن كل خصلة من خصاله تشير إلى قداسته وعمق ضميره ومكنوناته. وهو الذي قال عنه السيد القائد الملهم وخليفته بحق آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (حفظه المولى).
(إن واحد من المزايا التي كانت في إمامنا العزيز تكفي لأن تجعل من الإنسان العادي إنساناً عظيماً. لقد كنا في الحقيقة أمواتاً فأحيانا الإمام، وكنا ضلالاً فهدانا الإمام، وكنا غافلين عن الوظائف الكبرى للإنسان المسلم فأيقظنا الإمام..).
| وإذا كانت النفوس كباراً 
 | تعبت في مرادها الأجسامُ | 
ألم يحدثنا التاريخ عن واحد من الرجالات فَهِمَ الحياة وانطلق فيها مجاهداً أمثال دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت عليهم السلام الذي كان يردد شعاراً له (إني أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة ولست أجد أحداً يصلبني عليها) 
وبهذا كان يرمز إلى حمله للحق واستعداده لتقديم روحه رخيصة في سبيل الأهداف التي يحمل. أمام هذا وفي الختام نسأل: أين نحن من تلك المعادلة؟ وماذا عن الهم والهموم التي نحمل؟ وماذا عن القضية المركزية التي تمحور أفكارنا ومفاهيمنا؟
بل أين نحن من اعتداءات المجرمين العابثين بأَمن الناس، وإجرام المغتصبين الصهاينة، ومن مجازر الصرب في البوسنة ومن مظلومية وقهر المقهورين والمسجونين والمدفونين؟ أين نحن من ذلك؟ ماذا أعددنا له؟ وما هي الخطة للقيام بالواجب المقدس؟
مجموعة تساؤلات برسم كل عاقل، فهل من جواب؟!.
والسلام