يجب على الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي أن لا يبعدا أبداً عن أنظارهما حادثة عاشوراء كدرس وعبرة وراية للهداية. فلا مراء أن الإسلام حيٌّ بعاشوراء وبالإمام الحسين بن علي عليه السلام.
*عظمة عاشوراء
قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "... وأنا من حسين"(1). بحسب هذا المعنى يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ ديني واستمرار طريقي إنما هو بواسطة الحسين عليه السلام". فلولا واقعة عاشوراء، ولولا هذه التضحية العظمى في تاريخ الإسلام، لما كانت هذه التجربة ولما كان هذا الدرس العملي للأمة الإسلامية، ولأصيب الإسلام بالانحراف يقيناً مثلما أصيبت به الأديان قبل الإسلام، ولما كان بقي من حقيقة الإسلام ونوره شيء. هذه هي عظمة عاشوراء.
*الحدث مرير
طبعاً المصاب في عاشوراء عظيم، والخسارة كبرى، وروح الإمام الحسين بن علي عليه السلام تعادل السماوات والأرضين. الأرواح الطاهرة الطيّبَة لأولئك الأصحاب، والشباب، وأهل البيت، لا تقبل المقارنة بأرواح أيّ أشخاص آخرين، وقد تضرّجوا في هذه الساحة بدمائهم وضحّوا وفدوا أنفسهم، ووقع حرم الرسول المكرّمات في الأسر.
هذه أحداث ثقيلة ومريرة وصعبة جداً، بيد أن ما ترتّب عليها وبعدها كان من العظمة والخلود بحيث سهّل الصبر عليها من قبل الإمام الحسين بن علي عليه السلام وأصحابه وأهل بيته. يروي المرحوم الحاج الميرزا جواد آقا ملكي (رض) في المراقبات - وكلامه سند وحجة - أنه كلما اشتدّت المصائب في يوم عاشوراء كان وجه الإمام الحسين بن علي عليه السلام يزداد تألُّقاً وإشراقاً. هذه الحقائق العميقة الزاخرة بالمعاني والأسرار والرموز يجب أن تبقى دوماً أمام أنظارنا.
*التعبئة شجرة طيّبة
وفي زماننا.. نماذج من هذه التضحيات. ما قرأناه في التاريخ وجدنا جزءاً ونماذج منه أمام أنظارنا. ومن أهم وأبرز مظاهره هذه الشجرة الطيبة، شجرة التعبئة، وتجربة التعبئة التي لها بركات كبيرة جداً، سوف تتواصل إن شاء الله.
من النقاط الجديرة بالذكر، أنّ ما لوحظ في حركة التعبئة خلال فترة الدفاع المقدس هو الدرجة العالية من الإخلاص لدى أفرادها، وهذا ما يجب أن يتوفّر اليوم، أيضاً. فالساحة اليوم أكثر تعقيداً. والحضور فيها مقابل مؤامرات العدوّ وهجماته له تعقيداته.
*إخلاص.. في كل الميادين
ميزة تلك الساحة أنّ من كان يسير إليها يمتاز بإخلاص واضح. الدخول في ذلك الميدان كان دخولاً إلى ساحة الموت والحياة. لم يكن في ذلك أيّ مزاح أو هزل. كان يحتاج إلى الشجاعة والتضحية والإيمان والتوكل علي الله، فقد كانوا يسيرون نحو الشهادة.
اليوم، الميادين المختلفة تحتاج إلى نفس تلك الشجاعة والإيمان، خاصة عندما نرى أشخاصاً يلبسون لباس التعبويين، وهذا ما ينبغي الحذر منه. علينا أن نحذر علي أنفسنا بالدرجة الأولى، وعلي البيئة التعبوية بالدرجة التالية. وهي مسؤولية كلّ أعضاء التعبئة. يجب أن نضمن العمل بإخلاص في الأعمال والمشاريع. وهي عملية صعبة إلى حدّ ما. في الحرب مع العدو - الحرب العسكرية - يمكن للمرء بسهولة قياس درجة إخلاصه هو وإخلاص الآخرين. أما في الميادين الأخرى، فقد يقع المرء في الأخطاء والشبهات كما قد يقع الآخرون أيضاً في الأخطاء.
*آفة الغرور.. مهلكة
بالإضافة إلى العمل بإخلاص علينا أن نحذر وأن نصون أنفسنا من الآفات: آفات الغرور، والتظاهر، والرياء. هذه آفات مهلكة. إذا أحرزنا النجاح والتوفيق فعلينا أن نشكر الله، وأن نعتبر ذلك من الله، ونستمدّ العون منه لمواصلة الطريق. هذه قضية أساسيّة "أن لا نصاب بالغرور"، و"أن نتوكل على الله تعالى"، لأنه لا حول ولا قوة إلّا من عند الله الخالق ذي الجلال. الأمور كلها بيده ومن عنده. توفيقنا واختيارنا وقدراتنا وإيماننا الذي يملأ قلوبنا من فضله. علينا أن نعلم ذلك، فنشكر الله تعالي ونطلب منه الزيادة والفضل فيه.
إنّ النقطة الأساسي التي ينبغي أن تشكّل كيان التعبئة وركائزها وأركانها الأصلية هي التعمّق والتجذّر في العقيدة. وما يضرّ هو النظرة السطحية في الفهم وفي اختيار المنطق والأسس. والضرورة تقتضي تعميق أفكار ومعنويات شبابنا التعبوي من الناحية التربوية والتعليمية والروحية.
*تجربة جديرة
حينما ننظر نظرة عامة نجد أن وجود التعبئة هو دليل من دلالات وعي إمامنا الخميني الجليل قدس سره، واتصال قلبه المنوّر بالإرادة والحكمة الإلهية. وقد صارت التعبئة أرضيّة وركيزة قويّة للثورة. وهي اليوم ناشطة في مجال العلم، وعلي الصعيد التقني، وفي المجالات المعنوية، وفي ميدان الخدمات الاجتماعية، وفي الحيّز التربوي، ومن يرد السير من البلدان الأخرى في طريق الإسلام النيّر سوف يتبع هذه التجربة ويستلهم منها. إنها تجربة ناجحة. وهذا ما سيكرّس نموذج التعبئة في العالم الإسلامي كنموذج حيّ وجدير بالاحتذاء والاتباع. وهذا ما حصل وتحقق في الوقت الحاضر إلى حدّ كبير.
*أن نبدأ من أنفسنا
والبدء من الذات هو ما يأمرنا به الإسلام. كلنا وفي جميع المستويات يجب أن نبدأ من أنفسنا. "من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره"(2). يجب أن نكرّس هذه الحالة في التعبئة.
موضوع أسلوب الحياة ونمطها من وجهة نظر الإسلام يمكنه أن يكون داخل التعبئة معياراً لمعرفة الذات. كيف هو سلوكنا وتصرّفنا في بيئة العمل؟ وكيف هو سلوكنا مع الزوجة والأبناء؟ وكيف نتعامل في بيئة الحياة والمجتمع؟ لكل هذه الأمور وغيرها معاييرها ومقاييسها في الإسلام. إذا بدأنا من هنا فسوف تتعزز أسس حياتنا وركائز عملنا في كل القطاعات والمناحي، وخصوصاً في التعبئة.
(*) كلمة الإمام القائد الخامنئي دام ظله ألقاها في السادس من محرم 1434هـ.ق. الموافق 21/11/2012م.
1- في إشارة للحديث الوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين". الإرشاد، الديلمي، ج2، ص127.
2- نهج البلاغة، الحكمة 71.