ندى بنجك
.. سوفَ أتركُ هَذا الزمان
واسكُنُ جراحَها إلى الأبَدْ...
وأيو ضدْ كُلُّ الكلام..
ولتتفتَّحُ كلُّ الأحْزان..
لتبكِ البواكي..
حتَّى الرَّمَدْ..
ولوْ أنَّها تقُبَّلُني غُصَّةً..
لو أنَّها تَقْبُلني شَهْقةً..
لو أنَّها تقبلُني دُمعَةً..
تشقُّ السُهد..
أنا..
مُذْ خِلْتها تبْكي..
صَارَ دمْعِي خُيوط عُمري..
صَارَ عُمْري يَمْلأ دَهْري..
نزفاً لا يَصْمد..
يا سجينةً..
يا حزينةً..
يا صدْراً ضَاقتْ بِه الكُرب..
يا صَوْتاً مزّقتْهُ النّوب..
فصَار العنفوانَ الحزين..
صَارَ الصمتَ. الأَنين..
هِيَ.. مَنْ هِيَ..
عُودوا إليها..
هي قادمة في الأربعين..
تلوّحُ بالدمِ..
بالعمائم..
بالرؤوسِ..
بالأكفِ..
بالعبراتِ.. تُلوْحُ
بصراخات السنين..
هي قادمة في الأربعين..
تشلُّ طعنَةَ الأنجاسِ..
آتيةً
تُلاقي حاميها..
أبا الفضل العباس..
تأخذَ عَنْه القِربةُ..
وتبسُطْ المهجَ..
يدين..
مُهْجَ العُطاشى.
من ألف طفلٍ.. من ألف كهلٍ..
من لهفةِ سكينةً..
آتيةً.. تأخذ عنْهُ القِربةْ..
وتُلقي جنب الفراتِ..
نحولَ الهاماتِ..
وظمى الأوردةْ..
هِيَ.. مَنْ هي..
سَواكِبُ جَاريةْ..
للأكبرِ.. يُنزعُ من وجههِ الورد.
ويعصرهُ.. ثأراً.. فُتكاً.. ودَما..
يُقاتِلُ الموتَ
أينصرَ أباه..
لينصُرَ الدين
ومن أتاه..
والقاسِمْ.. والعمر ربيع المواسِمْ..
مخضّباً كان..
لا حولَ في الجسم الفتيّ
ولا قِوى..
وهيَ.. من هي..
نفسٌ عالية..
تبكي جسداً قد توزّع..
ولا فُرْقة تبكي حُرقةً..
وحُدة حسينٍ..
فهذا الحسينُ قادمٌ..
بين يديهِ ارتعاشاتُ دَمِ..
لا.. هذا ارتواءُ الرَّضيع..
بَلْ، كلُّ القلوبِ ارْتوت..
وانطفأ ظمأُ الجميع..
وبقيَ..؟؟
وبقيتْ؟؟
وما عَادَ.. سِوى الخطبُ الفجيع..
أخيّة.. احْفظي ليَ العِيالَ والأطفالْ..
ديني يناديني.. والرماحُ والنّصال..
احفظي لي زين العابدين..
واحبسي الدمع أخيّة والأنين..
توارى
ودوّى الانْتِصار..
وكانَتْ هِيَ
الحقيقةُ والتاريخُ..
وأحدُوثة الصبرِ الذي ثَار..
تَوارى..
وذا الجوادُ بِلا فارسِهْ..
فما عادَ الوقتُ للعِيان..
قامت.. تجمعُ صمت الزمانِ والمكان..
تعلّمُ التاريخ
أن الحضور كلمة..
"اللهم تقبّلْ مِنا هذا القربان"..
وماذا بعد..
يا قدّيسة الحضورِ الجليل..
قومي..
ينتظرُكِ العليل..
يسْأل عن القتيل..
يسألُ عن صبرِكِ..
صبْرُك لَهُ السليل..
والدليل..
قومي.. ينتظركِ بَعْدُ الأسَى..
والوجَعُ الأكْبَرَ..
هُو السِبى..
ولا من وِشاح..
يا نبيّة..
يا سبيّة.. هل تبقَى في مدى جراحاتك..
مرْقدُ لجراح..؟؟
يا آية كبرى..
يا أسطورة الدمعةِ.. الثورة..
كيف اعتلى الصوت..
والأنفاسُ دُموع..
كيف تُحبس الدموعُ..
فوقَ رأسٍ مَقْطُوع..
أيّ سرّ فيكِ..
غَلَبْتِ قَهْرَ القَهْرِ..
وغَفَا زمانٌ على صدرِ زمانٍ..
يُناجيكِ..
ودَهْرٌ على جفونِ دهر..
أصيحةُ دمٍ..
تحوّلُ القلبَ العذب
إلى
تواريخ صبرِ..
يا عزيمةً..
ضاقتْ بِهَا الأكوانُ..
يا لُغَةً..
ما أدْركتْها بَعْدُ
كلّ الأزمان..
أنتِ مَنْ..
وأنا مَنْ..
وأنا مَنْ..
أحدّثُ عنكِ
كأنّي وصَلْتُ..
أو كأني عَرَفْتُكِ..
هيهات..
لو أنّكِ تأتيني رُؤْيَةً..
ولو أنّي أراكِ..
لسكنْتُ رُؤْيَتي..
وجعلتها عُدّتي..
والعَدَدْ..
لو أنّكِ تأتيني طَيْفاً..
ولو أنّي أراكِ..
أتنفّسُ شميم خُطاكِ..
لو تقبليني دَمْعَة..
أعْشَقُ دَمْعَتي والسُهد..
أنتِ مَنْ..
وأنا مَنْ..
سوف أتْركُ هذا الزمان..
واسكنُ جراحك إلى الأبد..