مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيف أنجح في تدريس ولدي؟

تحقيق: فاطمة خشاب درويش

يعتبر التدريس المنزلي من المهام الأساسيّة التي يقوم بها الأهل على مدى العام الدراسي. وتمتد فترة إنجاز هذه "المهمة الصعبة" كما يصفها الأهل ساعات طويلة يومياً تتجاوز، ربما، عدد الساعات التي يمضيها الطالب في المدرسة. أسئلة كثيرة تطرح حول "التدريس المنزلي" وطبيعته خاصة وأن هذه العملية يرافقها غالباً أجواء من التوتر والصراخ. وقد يصل الأمر بالأهل إلى حدّ ضرب الولد كتعبير صريح منهم عن فشلهم في التدريس.

*أسئلة شائكة
لماذا ينجح بعض الأهل فيما يفشل آخرون في تأدية هذه المهمة، خاصة في هذه الظروف الاقتصادية التي لا تسمح بالاستعانة بـ "المعلم الخصوصي"؟ وما هي العوامل التي تساهم في نجاح الأهل في تدريس أولادهم؟ وهل للمدرسة دور في تسهيل هذه المهمة؟
في هذا التحقيق نعرض لأبرز الإشكالات التربوية التي ترافق عمليّة التدريس المنزلي من خلال تجارب واقعية يعيشها الأهل مع أبنائهم في محاولة للإطلالة على بعض الأساليب المساعدة في نجاح هذه العملية.

*مفهوم التدريس المنزلي

تستهل الأستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية والمتخصصة في الطفولة المبكرة (د. مريم رعد) الحديث عن التدريس المنزلي انطلاقاً من أهمية الوقت الذي يمضيه الأهل مع أولادهم بشكل عام، وتحديداً خلال العام الدراسي، فتقول: "تعتبر فترة ما بعد الظهر مساحة للتواصل اليومي بين الأهل والأبناء. وعلى الأهل التعاطي معها كأولوية بحيث تكون أوقاتاً ممتعة ومثمرة. نتحدث خلالها مع أبنائنا حول مختلف الأمور التي تجري من حولنا. وهذا الأمر قد يمهّد لبناء علاقة إيجابيّة ووديّة على مدى الحياة".

وحول المفهوم التربوي للتدريس المنزلي، تشير د. رعد إلى أنّ عملية التعليم تقوم على مبدأ التمرين والتمرّس الذي يُكرَّس من خلال الفروض اليوميّة للطالب، وتشرح قائلة: "يفترض بالطالب أن يتعلّم المفاهيم في المدرسة ثم يأتي إلى البيت ليتدرّب عليها من خلال الفروض اليومية. والمشكلة تبدأ عندما يتحوّل البيت إلى مكان لاكتساب المفاهيم التعليميّة، بدل المدرسة، وخاصةً المفاهيم التي لم يستطع الطالب اكتسابها في نهاره المدرسي، فتصبح مسؤوليّة الأهل تعليم المفاهيم، وليس التدريب؛ ما يوتّر العلاقة بين الأولاد والأهل بسبب ضيق الوقت واضطرارهم إلى بذل الجهد الكبير لإنهاء الكثير من الواجبات والفروض المنزليّة".

وتلفت د. رعد إلى أنّ المفاهيم التربويّة الحديثة اليوم، تركّز على مبدأ التعلّم المنزلي الذي يعتمد على اكتساب المعارف التعليميّة من خلال مختلف الوسائل المتاحة: القصص أو الإنترنت ضمن أجواء إيجابيّة، فتقوم على مبدأ استئناس الطفل بعملية التعلّم تطبيقاً لمقولة: "التعلّم في البيت" وليس "مدرسة البيت" التي قد تحوّل مساحة التواصل الإيجابي في بعض الأحيان إلى تواصل سلبي، خاصة وأن عدداً من المدارس قد لا يراعي هذا الجانب من خلال الدروس التي تعطى يومياً.

*دور المدرسة
انطلاقاً من مبدأ الشراكة التربويّة بين الأهل والمدرسة، تؤكد د. مريم رعد على أهميّة إدراك المدرسة لدورها في العملية التعليمية، من خلال تعليم الطالب وإيصال المفاهيم التعليمية بشكل واضح ودقيق "عندما يفهم الطالب الدرس في المدرسة فلا يحتاج إلى الجهد الكبير للتدرّب عليه في المنزل".

وتؤكد د. رعد على أهمية مجالس الأهل في المدارس التي تسهّل التواصل بين الأهل والمدرسة لأن المشكلة تكمن، أحياناً، في غياب مجالس أولياء الأمور عن بعض المدارس.

*تجارب الأهل
إذا كان من المفترض أن تكون فترة التدريس في المنزل هي فسحة للتواصل الإيجابي بين الأهل والأبناء، فلماذا تتحول إلى فترة معاناة يومية؟
تؤكد الدراسات التربوية الحديثة اليوم أن الأساس في العملية التعليميّة هو "نوعية التعلّم وليس الكمية" والوقت الذي نمضيه في المنزل لإنجاز الواجبات المدرسية لا يعتبر معياراً لنجاح هذه العملية خاصة وأن المعدل الوسطي الذي تشير إليه الدراسات يجب أن لا يتعدى الساعة ونصف يومياً.

*مراعاة القدرات الذهنية
تتحدث السيدة (أم محمد) عن تجربة التدريس في المنزل بموضوعية، فهي تارة تراها مهمّة سهلة جداً مع ابنتها ريم (طالبة في الصف السادس)، وتارة أخرى تراها معقدة وصعبة مع ابنها محمد (طالب في الصف الرابع ابتدائي)، فهو يحتاج إلى الكثير من المساعدة والمساندة. وتقول عن تجربتها: "أعتقد أن ذلك يرتبط بالقدرات الذهنية لكل منهما، ريم تدرس وحدها منذ صغرها أما محمد فيحتاج إلى الكثير من الجهد للحفظ والاستيعاب، أسعى لمساعدته من خلال بعض دروس التقوية والدورات الإضافيّة".

تؤكد د. مريم رعد، بعد الاطلاع على تجربة أم محمد، على أهمية التعاطي بواقعية مع قدرات أبنائنا وتوضّح بالقول: "تعاطي السيدة أم محمد جيد لأنها تراعي قدرات ابنها ولا ترفع سقف توقعاتها معه وترهق نفسها وتعلم أنها لن تستطيع أن تحقق الكثير، وهذه الواقعية تفرض عليها أن تحافظ على الأسلوب الهادئ خلال التدريس وأن تبحث عن الوسائل التي تساعدها في تنمية هذه القدرات والمهارات".

*مهمة شاقة
أما السيدة (أم علي) التي تخوض تجربة التدريس المنزلي هذا العام للمرة الأولى مع ابنها، تعتبر أن التدريس مهمّة شاقة، خاصةً، وأنّ المدرسة لا تراعي قدرات الطالب، تقول: "يأتي ولدي علي من المدرسة ولديه الكثير من الدروس، أسعى إلى إعطائه فترة من الراحة بعد تناول طعام الغداء، ولكنني سرعان ما أطلب منه البدء في الدرس عندما أطّلع على المفكرة اليومية. يكون متعباً من نهاره الدراسي، ولكنني أجد نفسي مضطرة لبدء التدريس حتى ننجز المطلوب. نبدأ الدرس ويبدأ التوتر وأضربه أحياناً".

في هذه الحالة تحذر د. مريم رعد من استخدام العنف وتقول: "إن استخدام العنف مع ولدك يجعلك أنت الخاسرة لأنك تضعين الحواجز بينكِ وبينه. عليكِ أن تكوني صبورة معه. ويمكنك أن تقسمي الدروس المطلوبة إلى مراحل، وأن تعطيه فترة من الراحة ويمكنك اعتماد أسلوب التحفيز كتقديم بعض الوجبات التي يحبها وما إلى ذلك".

*خطوات النجاح المهمّة
لا بدّ للأهل من اتباع خطوات محدّدة ومدروسة لكي ينجحوا في تدريس أبنائهم، منها:
1 - تنظيم الوقت للولد من لحظة وصوله إلى المنزل (تبديل الملابس - تناول الغداء).

2 - تعويد الطفل على البدء في عملية الدرس في وقت محدد، وتعليمه كيف ينظم درسه، ومتابعته في ذلك.

3 - في حال كان لديه امتحانات في مطلع الأسبوع، ينصح أن يبدأ في درسها قبل عطلة نهاية الأسبوع.

4 - أخذ رأي الطالب في أيّ مادة يرغب أن يدرس أولاً.

5 - تقسيم الدروس إلى مهام يتخلّلها فترات الراحة.

6 - في حال توترت الطالب أو تعب، ينصح بأخذ فترة راحة قصيرة ومن ثم يستأنف الدرس مجدداً.

7 - في حال وجود أوقات ثابتة لمواد الحفظ كالجغرافيا والتاريخ ينصح بدراستها في أوقات الفراغ حتى يصل الطالب إلى الوقت المحدد وقد حفظها.

8 - يُنصح بإعطاء الوقت الكافي للطالب لإعداد مواضيع للكتابة كالإنشاء وغيرها، حتى يستطيع أن يعبر عن أفكاره بشكل واضح.

9 - عند الحفظ على الأهل أن يعلّموا الطالب كيف يحفظ وعدد المرات التي عليه أن يكرر المادة فيها والأهم الانتباه أن تكون قراءته صحيحة.

10 - إفساح المجال أمام الطالب لممارسة هواياته في عطلة نهاية الأسبوع حتى يستأنف العملية التعلمية، بعد العطلة، بنشاط وحيوية.

وفي الختام أعزائي الأهل، علينا أن نساهم في بناء علاقة متينة بين أولادنا والتعلم، من خلال الأجواء الإيجابية التي نوفّرها لهم في المنزل، فنعمل على زرع قيمة التعلم في نفوسهم؛ ليصبح التعلم رحلة حياة تقوم على الاستئناس والمحبة للمعارف المختلفة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع