نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

حكمة الأمير: لا يحبّه إلّا مؤمن

الشيخ علي ذو علم

ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق"(1).
من دون شك، إن المحبة والصداقة والعشق من علامات الإيمان الصحيح. أما الذي يبين عمق وتجذر الإيمان فهو أن نوضح: من نحب وأي شي‏ء نعشق، وعن أي شخص أو أي شي‏ء نبتعد. طبعاً المحبة والنفور أمران داخليّان وقلبيّان إلّا أن آثارهما تظهر في السلوك والتعاطي الخارجي.


*جاذبيّة المحبوب
إن الجاذبية التي تكون بين المُحب والمحبوب، والبعد والجفاء بين المبغض والمبغوض هي نتيجة المعرفة والتفاعل والإحساس بالسنخية بين الاثنين، أو مدى قدرة المحبوب على تأمين أهداف وحاجات المحب. وقد يكون الشيء أو الشخص محبوباً بالذات والأصالة وقد يكون محبوباً بالعرض والواسطة. الذين يعشقون الثروة يظنون أنها الوسيلة الأساسية في وصولهم إلى الرفاه واللذائذ، وهي أمور تؤمن لهم السعادة. وأما الأشخاص الذين يعشقون العلم والمعرفة، فلأنهم يشعرون بنوع من السنخية والقرب من ذلك، ولأنها أمور توصلهم إلى غاياتهم وأهدافهم. فجميع أشكال المحبة والصداقة ترجع إلى "حب الكمال والسعادة"، وتنشأ جميع أشكال التنفر والبغض من الانحطاط والسقوط.

المحبوب والمعشوق الحقيقي لدى الإنسان، الوصول إلى السمو والكمال والجمال المطلق. فكل من يحب شيئاً أو شخصاً فما هو إلا لأنه يرى فيه شيئاً من السمو والكمال. وبما أن الله جل جلاله هو مصدر جميع أشكال الجمال والكمال فهو المحبوب الأصيل وبالذات. وأما الإنسان صاحب الإيمان الصحيح والعرفان الحقيقي فلا وجود عنده لأي محبوب مستقل سوى الله تعالى، ويكون لسان حاله يردّد: "اللهم إني أحبك وأحب كل من يحبك وأحب كل عمل يقربني إليك".

*معيار الإيمان
أما الذين صرفوا حبّهم وعشقهم في المظاهر الدنيويّة وجعلوها عشقهم المطلق فإنهم قد حصروا حاجاتهم ومحبوباتهم بالأمور الماديّة والحيوانيّة. لم يدركوا سوى مظاهر وظواهر الوجود وبالتالي حرموا أنفسهم من المعرفة الحقيقية والغاية الوجوديّة الصحيحة، لأن ما يوصل الإنسان إلى الاطمئنان والأمان والإيمان هو فقط محبة الله وذكره.

طبعاً، عندما يوضح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذه الحقيقة، فإنها لم تصدر عنه على أساس الشخصانيّة والذاتيّة، على اعتبار أنّ مقامه الشريف منزّه عن هذه الأمور، بل يتحدث عن هذه الأمور باعتبارها حقيقة جعلها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عنواناً لعهده وميثاقه حيث اعتبر أن محبة الإمام علي عليه السلام هي ملاك ومعيار الإيمان الذي يميّز المؤمن من المنافق.

*محبّة سموّ وتكامل
نعم، كُثُر هم الذين يقولون إنهم يحبّون الله تعالى، ولكن الحب الحقيقي للَّه يحتاج إلى علامة صادقة وواضحة ليحصل التميُّز بين المحبّ الواقعي من غيره. وما هذه العلامة إلّا حب الإمام علي عليه السلام، على أساس أن الإمام علياً عليه السلام هو المرآة الكاملة لإظهار جمال الحق تعالى وجلاله. الإمام علي عليه السلام هو إمام العاشقين وإمام العارفين، وهو الذي اعتبره الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم. علي عليه السلام هو المحبّ الصادق والعاشق الطاهر للَّه تعالى وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ظهر هذا الحب في عقيدته وعمله. علي عليه السلام هو المعيار والميزان الأكبر لتشخيص الحق من الباطل.

لا يحب علياً عليه السلام إلّا المؤمن ولا يبغضه إلا المنافق، لأن حب علي يصنع جوهر الوجود الإنساني ليصل في النهاية إلى مقام السمو، لا بل لا يمكن إقامة علاقة مع علي عليه السلام وخالق علي إلا بواسطة هذه المحبة التي جعلها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم واجبة على كل مسلم. هذه المحبة تتحول من خلال اتباع علي عليه السلام إلى عشق ومحبة السمو والرشد والتكامل وطلب النجاة والسعادة. هذه المحبة هي التي يمكنها أن تنقل الإنسان إلى مستوى العصمة بحيث لا يبقى أيّ مجال لأن يصدر عنه أي ذنب أو عمل قبيح.


1.الخصال، الصدوق، ص633.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع