وجه قائد الأمة الإسلامية سماحة آية الله العظمى الخامنئي نداء هاماً عزّى فيه برحيل المرجع الشيعي الأعلى وشيخ الفقهاء والمجتهدين آية الله العظمى الشيخ محمد علي الآراكي قدس سره، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
تلقينا ببالغ الحزن والأسى خبر رحيل العالم الرباني فقيه أهل بيت العصمة والطهارة شيخ الفقهاء والمجتهدي المرجع الشيعي الأعلى حضرة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الآراكي، تاركاً العالم الشيعي غارقاً في الحزن.
إنّ هذا العبد الذي امتحنه الله تعالى، وهذا العالم الزاهد والتقي، وهذا الذخر الإلهي القيم في عالمنا المعاصر، وبقية السلف الصالح، وذكرى أساطين العلم والعمل والتقوى، كان من المنتجبين والصفوة الذين قضوا عمرهم الطويل والمبارك في طهر ونزاهة وقداسة معنوية دون أدنى شائبة.
لقد طوى المسير الإلهي بخطوات راسخة وإرادة صلبة، صائناً قلبه النير وروحه الطاهرة، وعلى مدى قرن من الزمن، من زخارف الدنيا الفانية بإباء وعزم لا يلين. وظل صامداً كالطود الشامخ أمام الامتحانات العسيرة التي واجهها خلال حياته الممتدة إلى مائة عام. ولم يتزعزع أبداً أمام الحوادث المختلفة التي تعترض كل إنسان. لم تأخذ الدنيا ومناصبها وإغراءاتها أي مأخذ من تفكيره، ولم تثن الأحاسيس الشخصية عزمه عن مواصلة مسيرته على طريق معرفة الله، ولم يخط أبداً نحو اكتساب الشهرة والشعبية.
وحينما اتجهت أنظار الملايين من المؤمنين لتقلده المرجعية وهي أقدس وأسمى أنواع الشهرة، استقبلهم بمنتهى الكرم والسماحة. ورغم أنه لبى رغبة الناس وأخذ بأيديهم في المسير الإلهي فإنه ظل ذلك العبد المتاج رحمة ربه موطناً قلبه الخاشع وروحه التقية، وبصورة أكثر من السابق، على حب الله والتولي لأوليائه العظام.
وقد ودعت هذه الروح التقية عالم المادة ملتحقة بالرفيق الأعلى فكان ممن انطبقت عليه ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وممن نالت روحه مجاورة أرواح المطهرة للأولياء والصلحاء، بيد أنه ترك عالم التشيع والحوزات العلمية في عزاء.
وإنني لأتقدم بمناسبة هذه الخسارة الكبيرة بالتعازي لحضرة ولي الله الأعظم، أرواحنا فداه، ولأبناء الفقيد الأفاضل الكرام وبيته الشريف، ولكافة الشيعة في العالم، وللشعب الإيراني الأبي وخاصة علماء الإسلام العظماء والحوزات العلمية، وأخص منها الحوزة العلمية المعظمة في قم والتي كان الفقيد العظيم أحد مؤسسيها وأساطينها.
لا شك أن حوزة قم العلمية المباركة والمعطاءة صدقة جارية يمكن للعالم الإسلامي أن ينعم ببركاتها في المحن الصعبة وفي التقليد والإرشاد الديني العام. ثم إن هذه الحوزة كانت النواة في تفجير أكبر وأطهر ثورة عرفها عالمنا المعاصر وهي التي أهدت للعالم الإسلامي شخصية كالإمام الخميني (رحمة الله عليه) لامعة قل نظيرها. وهي التي قدمت للأمة الإسلامية وفي اللحظة المناسبة ذخيرة قيمة كالمرحوم آية الله العظمى الآراكي الذي ادخرته الحوزة في حرمها سنوات طوال لتلك اللحظة التي يحتاجها المجتمع الإسلامي، وهي اليوم ينبوع لا ينضب لرجال الفقه والتقوى رغم أنوف الأعداء.
إن هذه الحوزة المباركة والمعطاءة تضم اليوم شخصيات علمية كبيرة يعكفون على تدريس وإعداد الطلبة وتدوين الأسفار العلمية وإجراء التحقيقات وتهذيب النفس، والأخذ بيد الأمة الإسلامية حيث لبّت حاجة الناس إلى مرجع التقليد الجامع للشرائط.
وبالطبع فإن إعداد الإسلام حاولوا دائماً ومنذ سنوات عديدة إطفاء وإخفاء نور هذا المشعل الساطع، لا سيما بعد انبثاق النهضة الإسلامية في قم. وبعد انتصار الثورة الإسلامية. ضاعف الاستكبار العالمي وجميع أعداء الإسلام جهودهم بغية دفع حوزة قم إلى ركن الانزواء وأمسى عداؤهم وحقدهم لها سافراً ولدوداً أكثر من ذي قبل. لكن احتفاظ هذا المركز العالمي العظيم بمنزلته العلمية السامية واحتواءه للشخصيات العلمية، والثقة الكبرى التي يتمتع بها، جعلته ينتصر على مؤامرات ودسائس الأعداء. ولقد كانت وستبقى هذه الحوزة بإذن الله محطاً لأنظار وولاء وإيمان وحب الأمة الإسلامية، وخاصة الشيعة في أنحاء العالم المختلفة.
أسأل الله تعالى الرفعة والعظمة للحوزة المقدسة في قم وسائر الحوزات العلمية المباركة. وآمل أن يشمل بقية الله الأعظم أرواحنا فداه، برعايته ودعائه العلماء الأعلام والفضلاء والطلبة الشباب في الحوزات، وأن تعم بركاته العلمية الأمة الإسلامية كافة.
والسلام على عباد الله الصالحين.