* عليّ عليه السلام والأنبياء
عن الصّدوق طاب ثراه عن جماعة ثقاة قال: لمَّا وردت حُرَّة بنت حليمة السَّعديَّة رضوان الله عليها على الحجَّاج بن يوسف الثقفي وجلست بين يديه، فقال لها: أنتِ حُرَّة بنت حليمة قد قيل عنك إنَّك تفضّلين عليّاً على أبي بكر وعمر وعثمان!؟
قالت: لقد كذب الذي قال إني أفضّله على هؤلاء خاصّة.
قال: وعلى مَنْ غير هؤلاء؟
قالت: أفضّله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم.
فقال لها: ويلك أقول لك تفضلينه على الصحابة فتزيدين عليهم ثمانية من الأنبياء من أولي العزم، فإن لم تأتيني ببيان ما قلت وإلاَّ ضربت عنقك.
فقالت: ما أنا فضّلته على هؤلاء الأنبياء بل الله عزَّ وجل فضّله في القرآن عليهم في قوله بحق آدم: ﴿وعصى آدم ربَّه فغوى﴾. وقال في حقّ عليّ عليه السلام: ﴿وكان سعيكم مشكوراً﴾
فقال: أحسنت يا حرَّة، فَبِمَ تفضّلينه على نوح ولوط!
قالت: الله تعالى فضله عليهم بقوله: ﴿ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما﴾ وعليّ بن أبي طالب كان ملكه تحت سدرة المنتهى، زوجته بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السَّلام التي يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها.
فقال الحجّاج: أحسنت يا حرّة، فبم تفضلينه على أب الأنبياء إبراهيم خليل الله عليه السلام؟
فقالت: الله فضّله بقوله: ﴿وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تُحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي﴾. وأمير المؤمنين قال قولاً لم يختلف فيه أحد من المسلمين: لو كُشِفَ الغطاء ما ازددت يقيناً، وهذه كلمة لم يقلها قبله ولا بعده أحد.
قال: أحسنتِ يا حرّة فبم تفضّلينه على موسى عليه السلام نجّي الله.
قالت: بقول الله عز وجلّ: ﴿فخرج منها خائفاً يترقّب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين﴾، وعليّ بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يخف حتَّى أنزل الله في حقّه: ﴿ومن النَّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله﴾.
قال: أحسنت يا حرَّة، قال: فبِمَ تفضّلينه على داود عليه السلام؟
قالت: الله فضّله عليه بقوله: ﴿يا داود إنَّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين النَّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى﴾.
قال لها: فأيّ شيء كانت حكومته؟
قالت: في رجلين، أحدهما كان له كرم وللآخر غنم فنفشت الغنم في الكرم فرعته فاحتكما إلى داود فقال: تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم، حتّى يعود على ما كان عليه، فقال له ولده: يا أبه، بل يأخذ من لبنها وصوفها، فقال الله عزّ وجلّ: ﴿ففهّمناها سليمان﴾ وإنَّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: اسألوني عمَّا فوق السماء، اسألوني عمَّا تحت العرش، اسألوني قبل أن تفقدوني، وإنَّه عليه السلام دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح خيبر فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للحاضرين: أفضلكم وأعلمكم عليّ.
فقال لها: أحسنت يا حرّة. فبم تفضّلينه على سليمان عليه السلام.
فقالت: الله فضّله عليه بقوله: ﴿قال ربّ اغفر لي وهَبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ ومولانا عليه السلام قال: يا دنيا قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك. فعند ذلك أنزل الله عليه: ﴿تلك الدارُ الآخرةُ نَجْعَلُهَا للذينَ لا يُريدُونَ عُلُوّاً في الأرضِ ولا فَساداً والعَاقِبَة للمتقين﴾.
قال: أحسنت يا حرَّة، فبم تفضلينه على عيسى بن مريم عليه السلام؟
قالت: الله فضّله عليه بقوله: ﴿وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للنَّاس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله قال سبحانك...﴾ إلى آخر الآية.
وعليّ بن أبي طالب عليه السلام لمَّا ادّعوا النصيرية فيه ما ادّعوا لم يعاتبه الله سبحانه.
فقالت: أحسنتِ يا حرّة، خرجتِ من جوابك ولولا ذلك لما كان ذلك ثمّ أجازها وأعطاها وسرّحها سراحاً حسناً.
* حتى يأذن لي أبي
وقف أعرابي يصلّي مع جماعة في بعض المساجد، فقرأ الإمام من سورة يوسف عليه السلام حتَّى بلغ قوله تعالى: ﴿فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي﴾ ونسيَ ما بعده، فجعل يكرّر الآية ويقول: حتّى يأذن لي أبي، حتّى يأذن لي أبي، فناداه الأعرابي: يا فقيه إذا لم يأذن لك أبوك نبقى واقفين خلفك طول الليل، ثم قطع صلاته وانصرف.
* مثقال ذرة
أورد أحد العلماء هو "ستورمر" مثلاً ظريفاً لأخذ فكرة مبسّطة عن الذرَّة، تخيّل هذا العَالِم الكون الحالي ثمّ أراد أن يكبّر الحجم للموجودات مع المحافظة على النسبة الكائنة بين الأبعاد وذلك لتصوّر القياس الذرِّي وصعوبة إدراكنا لذلك فقال:
لنكبّر الحاجيَّات (100) مرَّة في البدء يصبح الرجل مردةً، فتصل قامتهم إلى ما يعادل نصف برج (إيفل)، وتصبح النحل حيوانات مخيفة لها أبعاد الثيران، وإنّ الشعرة التي سمكها (1/10) ملم تصبح حبلاً سميكاً من رتبة (1) سم، ثمَّ لنتخيَّل أننا نستطيع تكبير هذا العالم الجديد (100) مرة أيضاً، أي أن العالم الأولي يكون قد كبّر (10.000) مرة فيصبح بُعْدُ الرجال بعد الجبال الشاهقة التي يتراوح ارتفاعها ما بين (15) و(20) كيلومتر، كما وأنَّ النحلة يصبح بعدها مئات الأمتار، وتصل سماكة الشعرة إلى واحد متر، كما وإنَّ الجراثيم الصغيرة التي لم تكن أبعادها تذكر في العالم القديم نظراً لصغرها والتي هي من رتبة جزء من ألف من الميلمتر يصبح لها بعد مساوٍ لسنتمتر واحد، ثمَّ لنمدّد هذا العالم الحاصل (100) مرة أخرى أي يكون قد مدّد العالم الأولي مليون مرة حيث يصبح قطر الشعرة مساوياً إلى (100) متر، وتصبح الجراثيم كائنات من رتبة متر واحد، غير أنَّ بعد الذرَّات لا يزال في هذا العام الخيالي صغيراً جداً ولا يتجاوز عُشْر المليمتر، ثم لنعمل تمديداً أخيراً بحيث أن العالم الأوليّ يمدّد (100) مليون مرة عندئذٍ تصبح ذرة الهيدروجين واضحة وقطرها مساوٍ لسنتمتر واحد تقريباً، وفي ذات الوقت تصبح سماكة الشعرة مساوية إلى (10) كلم وتصبح الجراثيم وحوشاً هائلة من رتبة (100) متر، وأما البشر؟!!(1).
فإذا علمنا حجم الذرّة بهذا المقدار الذي نتصوّره بالنسبة للموجودات نعلم عندئذٍ عظمة العدل الإلهي يوم الحساب حيث يقول تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره﴾.