الشيخ نعيم قاسم
أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟ أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشِرْكِ وَالنِّفاقِ؟ أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟ أَيْنَ حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ؟ أَيْنَ طامِسُ آثارِ الزَّيْغِ وَالأهْواءِ؟ أَيْنَ قاطِعُ حَبائِلَ الكِذْبِ وَالاِفْتِراءِ؟ أَيْنَ مُبِيدُ العُتاةِ وَالمَرَدَةِ؟ أَيْنَ مُسْتَأصِلُ أَهْلِ العِنادِ وَالتَّضْلِيلِ وَالإلحادِ؟ (1).
العنوانُ الأساس لحركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو بسطُ العدل، الذي لا يتم إلّا بقتالِ الكفرة والظلمة ودَحرِهم، فهم العائق أمام الحياة الإنسانية المستقيمة، وهم الذين واجهوا رُسلَ الله تعالى إلى البشرية لمنعهم من إسماعِ كلمة الحق، وهم الذين قاتلوا المؤمنين وعذَّبوهم لإلغاء الدين من حياة الناس.
تُحقِّقُ مواجهةُ أعداء الدين المسار العملي لإنجاز أهداف ظهور المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا ما بَيَّنتهُ المناجاة في دعاء الندبة، وقد اخترنا منها ثماني صفات للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تُبرزُ دورهُ وتأثيره في مواجهتهم.
1 - أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟
القاصِمُ هو الذي يضربُ ضربةً تقصمُ وتكسرُ قدرة المعتدين فتمنع حِراكهم، وتُنهي اعتداءاتهم. وقد أمرنا الله تعالى أن نقاتل المعتدين في سبيله من دون اعتداء وظلم، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190).
إذ يخوضُ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حروباً عدة, أبرزها مع السفياني, وينتصر في كل حروبه على الأعداء, فيقصمُ شوكَتهم, ويُنهي قُدرتَهم.
2 - أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشِرْكِ وَالنِّفاقِ؟
ومع تطاولِ أبنية الشرك والنفاق تنحسر مواقع الإيمان والاستقامة، فتاريخ الشرك والنفاق عدوانٌ ومواجهةٌ ورفضٌ للإيمان، لذا لا بُدَّ لقائد المؤمنين أنْ يهدمَ ما بناه الكافرون والمنافقون، ليتمكَّن من رفع بنيان الإيمان والاستقامة.
والمسألةُ تدورُ حول حدود الله تعالى، أي أوامره ونواهيه، التي يعمل المشركون والمنافقون على تعطيلها ويرفضونها، قال تعالى: ﴿الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمَ﴾ (التوبة: 97). أمَّا المؤمنون فهم الذين يعملون لإقامة حدود الله، والمتشوقون والمحتاجون إلى قيادة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي يهدم أبنية الشرك والنفاق.
3 - أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟
المُبِيدُ هو الذي يُهلك الباطل الذي يواجهه ويُنهيه. والقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف مُبِيدُ أهل الفسوق والعصيان والطغيان، أي الذين عصوا فلم يلتزموا بأوامر الله تعالى أو ينتهوا عن نواهيه، والذين طغوا وظلموا باستخدام قدراتهم في الظلم والعدوان.
الإيمان هو المقابل لكل عناوين الانحراف، قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ (الحجرات: 7). ولكن لا رجاء بأولئك الجهلة الذين أوغلوا في البعد عن طاعة الله تعالى. كتب الإمام أبو عبد الله عليه السلام: "ولعمري ما أُتي الجهال من قبل ربهم, وإنهم ليرون الدلالات الواضحات والعلامات البينات في خلقهم، وما يعاينون من ملكوت السماوات والأرض والصنع العجيب المتقن الدال على الصانع، ولكنَّهم قومٌ فتحوا على أنفسهم أبوابَ المعاصي، وسهَّلوا لها سبيلَ الشهوات، فغلبت الأهواءُ على قلوبهم، واستحوذَ الشيطان بظلمهم عليهم، وكذلك يطبع الله على قلوب المعتدين" (2). وستكون إبادة هؤلاء على يد الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
4 - أَيْنَ حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ؟
حصادُ الأرض هو اقتلاع الثمار من مكانها، أمَّا الغَيُّ فهو الضَّلالُ, وأمَّا الشقاق فهو العداوة. والمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ باقتلاع آثارهما ونتائجهما. حدَّثنا أمير المؤمنين عليه السلام عن تشتّت أصحاب الغَيِّ فقال: "وأَخَذُوا يَمِيناً وشِمَالًا طَعْناً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ, وتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ" (3). ونحن بحاجة إلى مَنْ يقتلع الباطل وأركانه, وهو المنتَظر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
5 - أَيْنَ طامِسُ آثارِ الزَّيْغِ وَالاَهْواءِ؟
الطامس هو الماحي للآثار، والزّيغ هو الانحراف، والأهواء هي ميل الأنفس إلى الشهوات بعيداً عن طاعة الله تعالى. عندما يحصل الزيغ والانحراف تحدثُ الآثام والمعاصي، وتنتشر الرذائل في حياة الناس، ثم تتكاثر في المجتمعات إلى درجةٍ تصبح معها عصيَّةً على المواجهة العادية, فيأتي الإمام المُخلِّص عجل الله تعالى فرجه الشريف, الطامس والماحي للآثار التي نتجت عن الزيغ والأهواء، فيواجه السائرين على طريق الانحراف.
6 - أَيْنَ قاطِعُ حَبائِلَ الكِذْبِ وَالاِفْتِراءِ؟
ليس لدى الكافرين منطقٌ أو دليلٌ على مناهجهم وسلوكهم، فيواجهون تحدي آيات الله تعالى والعلامات الدالة على وحدانيته، وسلامة وصلاح دينه، بالكذب وعدم الاعتراف بالحقائق, بل بنقلها مغلوطةً لتبرير مواقفهم, ويشوّشون عقول الناس، وبالافتراء في إعطاء صورٍ وقصص وأدلة لا صحة فيها، فتلامس أصحاب النفوس الضعيفة ويسقطون في حبائلها.
الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف صادحٌ بالحق والصدق، يصرِّح بالإيمان والدليل، ويقاتلُ لمصلحة الحقيقة والبرهان، فهو قاطِعُ حَبائِلِ الكِذْبِ وَالافْتِراءِ بمواجهته للباطل، يفضح الكذَّابين والمفترين، ويواجههم بأبلغ الحجج والأدلّة، ما يُسقط حججهم ويعرِّيهم أمام أنصارهم، من دون أي لُبْسٍ أو شكّ.
7 - أَيْنَ مُبِيدُ العُتاةِ وَالمَرَدَةِ؟
العُتاة هم قادة الطغيان، وزعماء الكفر. وَالمَرَدَةِ هم الذين تمرَّدوا على الحق، وقطعوا كل خطوط العودة. وقد حذَّرنا أمير المؤمنين علي عليه السلام منهم، فقال: "أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وكُبَرَائِكُمْ, الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ... ولَا تُطِيعُوا الأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ, وخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ, وأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ, وهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ. اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ, وجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ" (4).
لا تعادل بين الإيمان والكفر عند الظهور، فالغلبةُ الكاملةُ على العُتاةِ وَالمَرَدَةِ على يد قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي يُبيدهم ويمحو وجودهم، في مواجهةٍ صارخةٍ وقاسية، ثم تكون راية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف خفَّاقة ومنتصرة. فإذا سقط عُتاةُ الكفر ومَرَدَتُهم، انبسطت الأرض للإيمان وسَادَ شرعُ الله تعالى.
8 - أَيْنَ مُسْتَأصِلُ أَهْلِ العِنادِ وَالتَّضْلِيلِ وَالإلحادِ؟
يعملُ الكفّار ليلَ نهار للقضاء على الاتجاه الإيماني وأهله. ويُعاني المؤمنون من الظلم والغيّ والانحراف معاناةً شديدة في هذه الدنيا، وهذا هو بلاؤهم، ولا خلاص إلّا بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يستأصل أئمة الكفر ويُنهي آثارهم، فيستأصلُ أهلَ العِنادِ الذين انحرفوا عن الحق بعنادهم من دون دليل، وأهلَ التَّضْلِيلِ الذين تصدّروا حياة الناس وعملوا على خداعهم وصرفهم عن الحق وأضلوهم، وأهل الإلحاد الذين انحازوا إلى الكفر بالله تعالى. هؤلاء جميعاً يلتفّون حول الطاغوت، ويُناصر بعضهم بعضاً, ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾ (الأعراف: 202). ولكنهم لن يصمدوا أمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف وعسكره المجاهد، فنحن موعودون بانتصاره على الباطل وأهله، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (الأعراف: 202).
وعن أبي بصير قال: "قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (القصص: 4) والله ما نَزَل تأويلُها بعد، ولا ينزلُ تأويلُها حتى يخرج القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف, فإذا خرج القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يبقَ كافرٌ بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلَّا كره خروجه, حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله" (5).
إننا جميعاً بانتظار الأمل الموعود، نهيّئ عُدتنا، ونعمل لتقوية خط الإيمان، ونسأل الله تعالى أن نتشرف بخدمة وليِّنا صاحب الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
1.إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص509.
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج3، ص152.
3.نهج البلاغة, خطبة 150.
4.م.ن، خطبة 192.
5.كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق, ص670.