مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

نور روح الله | دور السـوق الإسلامـيّ في الإصلاح*


 
إنّ التحوّل الروحيّ أثمن من التحوّل الاجتماعيّ في أيّ ثورة كانت، والسوق أحد المرافق الأكثر تأثيراً في التقدّم.
في هذه البلاد التي نريد أن تكون إسلاميّة إنسانيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى، نريد للسوق أيضاً أن يكون إسلاميّاً؛ فقد كان له دور بارز في الثورة من خلال تعطيلاته الطويلة التي استمرّت أحياناً أشهراً، فشهد وسائر المرافق تحوّلاً روحيّاً عظيماً.

• مجابهة الاستغلال في السوق‏
كما أنّ للسوق دوراً بارزاً في الشؤون السياسيّة والإسلاميّة والاجتماعيّة، فإنّ له أيضاً القدرة على إحداث تحوّلات معنويّة مهمّة لدى الأفراد. مثلاً: يُشاع اليوم أنّ بعض التّجّار يسعون إلى تعويض ما خسروه في أيّام التعطيل، فيما تستغلّ فئة أخرى حاجة الناس فترفع الأسعار. لكنّ السوق نفسه قادر على مواجهة المستغلّين وكبح جماحهم. نحن لا نطلب من الناس أن يتصرّفوا بعنف مع هؤلاء لإيقاف ممارساتهم، وإنّما ندعوهم لأن يبادروا إلى مواجهة هذا الظلم بالأسلوب اللائق.
تخيّلوا لو اتّفقت مجموعة بارزة من السوق على أن تذهب إلى هؤلاء المُجحفين فرداً فرداً، فتُسلّم عليهم وتقول لكلّ واحد منهم بهدوء: «يا أخي، لا ترفع الأسعار، فهذا يخالف الإنصاف. هؤلاء الناس الفقراء بذلوا دماءهم، وأنت الآن تُضيِّق عليهم، وهم لا يستطعيون تكبّد هذه الأثمان الفادحة». لو فعل ذلك ألف شخص في يوم واحد مع تاجر واحد، لأدّى هذا العمل أثراً كبيراً في معالجة المشكلة.
رحم الله شيخنا المغفور له الشاه آبادي (رضوان الله عليه)، فقد قال لي: “في زمن الشّدّة ذاك، افتُتح دكّان مقابل منزلنا، وكان يبيع أشياء ممنوعة، فقلت لرفاقي: اذهبوا إليه واحداً واحداً، وانهَوه. فذهب إليه في يوم واحد زهاء مئتي رجل صباحاً، وكلّهم كانوا يقولون له بلطف ولباقة: سلام عليكم، يا سيّد، هذا الدكّان غير مناسب هنا. فطوى بِساطَه ومضى». فإذا تكرَّر النهي الجماعيّ، أثّر في روح الإنسان بشكل أقوى، بخلاف ما إذا كان الناهي شخصاً واحداً فقط، قد يكون تأثيره ضئيلاً.

• النهي الرشيد
إذا عزم شبّان السوق على الخير، وذهب عدد غفير منهم في يوم واحد إلى كل أولئك واحداً واحداً، وقالوا لهم قولاً ليّناً ليس فيه كلمة حادَّة أو جارحة، ونهوهم عمّا لا يرضاه الله تعالى نهياً حكيماً، من قبيل: «هذا الغلاء غير طيِّب، فَدَعْه»؛ فإنّهم يُؤَثّرون فيهم.
فالسوق والعاملون فيه- إذا جدّوا في هذه المسألة- يستطيعون بهذه النصيحة ورقّة القول والنهي الرشيد أن يردعوا هؤلاء الذين يبيعون غالياً.
ولا نريد أن يُعامَل مُخالِفو الإنصاف هؤلاء بِشِدّة، وإنّما نريد أن تُحلَّ قضايا الجميع بأُخوَّة وصداقة.
والأحسن أن يقول الكسبة أنفسهم لمن يبيع الفاكهة غاليةً في السوق مثلًا إنّ فعلهم مخالف للإنصاف، أن يقولوا قولاً وَدوداً، لكنه يوقظه.
فهنا يمكن أن يؤثّر في أولئك- إن شاء الله- ويكون السوق إسلاميّاً مثلما كان في إحدى مراحل هذه الثورة حين ساد بين الناس حسّ عالٍ من التعاون والإنصاف والأخوّة.

• روح الأخوّة عزيزة
حدّثني عددٌ ممّن شاركوا في مظاهرات الثورة، فقال أحدهم: «كنّا إذا جاء أحدنا بشطيرة مثلاً، قطّعها قطعاً صغيرة ووزّعها على من حوله؛ قطعة لهذا، وأخرى لذاك، وربّما لا يبقى له منها شيء. وعندما كان الناس يتظاهرون في الشوارع، كان الآخرون يسقونهم ويطعمونهم وهم سائرون».
هذا يعكس مطلباً دينيّاً وتحوّلاً روحيّاً يسعى الإسلام إلى ترسيخه، بحيث تسود في أسواقنا وشوارعنا وبيوتنا، في الداخل والخارج، نظمٌ إسلاميّة تشعّ تعاوناً ومحبّة، فتغدو بيئتنا محيطاً من المودّة يتراحم فيه الناس، ويتعايشون بالمحبّة، ويرى كلّ منهم الآخرين بمنزلة الأبناء والإخوة. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأس الجميع في الشفقة والرحمة، إذ كان جوهره محبّة عالميّة ورحمة كبرى استوعبت حتّى المشركين. وكان للأمّة كالأب الحنون يُحسن إليها ويدعوها إلى الخير والصلاح لما فيه نفعها وخيرها.
لو أنّ ألف شخص ذهبوا في يوم واحد إلى تاجر واحد ونهوه عن رفع الأسعار، لأدّى هذا العمل أثراً كبيراً في معالجة المشكلة


* من كلمة للإمام الخمينيّ قدس سره مع تجّار قمّ المقدّسة، التاريخ 11 خرداد 1358 ه-. ش/ 6 رجب 1399 ه.ق‏

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع