مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

حلم الشهادة تحقّق

(من سيرة الشهيد محمّد محفوظ)
بقلم: علي حمّود


قبل أيّام من رحيله، تبدّدت حالة الخوف من حرمان الشهادة، إذ شاهد في الرؤيا الشهيد رضا حريري يجلس على قبر محاط بالنور ويناديه للمجيء. شعر بسكينة عجيبة، وتلا المنام على من حوله، وقال: «الحمد لله أنا مطمئن».
في الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر من العام 2024م، وفور عودته من عمله، اجتمع الحاجّ مع عائلته وأحفاده في المنزل، تبادل الحاضرون بثّ الأشواق إليه واشتكوا كثرة غيابه، لم يعلم الأولاد والأحفاد أنّهم سيرافقونه جميعاً إلى دار الخلد حيث لا غياب ولا وداع. بعد برهة من اللقاء، استهدفت غارة إسرائيليّة المنزل واستشهد جميع الحاضرين، سكنت الأرواح الشريفة وانتقلت إلى بارئها.


• النشأة والأسر في عمر مبكّر
نشأ الحاجّ محمّد محفوظ في منزل يراعي الضوابط الشرعيّة. عند بلوغه الخامسة عشرة من عمره، التحق بصفوف المقاومة الإسلاميّة، فكان رفيق درب المجاهدين الأوائل، كالشهيد سمير مطوط والشهيد الحاجّ عبد الله فنيش.
في عمر السادسة عشرة، وتحديداً في العام 1985م، ذهب مع عدد من المجاهدين ليكمنوا لجنود إسرائيليّين في بلدة طيرفلساي، لكنّ المجموعة الإسرائيليّة باغتت المجاهدين ليرتقي أفرادها شهداء، أمّا الشهيد محمّد، فتعرّض للأسر. خلال فترة الاعتقال، حاول المحقّقون أخذ اعترافات منه، ولكنّ أساليب الترهيب والترغيب لم تنفع، إذ أوحى المجاهد اليافع حينها أنّه مجرّد شابّ صغير لم يكن يعلم إلى أين يذهب، وأُفرج عنه بعد 7 أيّام فقط.

• عائلة كالجسد الواحد
الشهيد أصغر إخوته ومحبوب والديه، كثير الغياب عن المنزل، قويّ الحضور على الرغم من قلّة تواجده. سعيه حثيث للتخفيف عنهما، يبرّهما في كلّ الأوقات، ويواسيهما في أحلك الظروف. كانت سهرات العائلة في منزل أهله عادة لا تنقطع، وقد تحمّل والداه الكثير بسبب انخراطه في المقاومة، إذ استُهدفت سيّارته يوماً أمام منزلهما، ما شكّل خطراً على حياتهما. كما علاقته بوالديه، كانت علاقته بزوجته وأولاده وأحفاده تسودها المودّة والرحمة. تحمّلت زوجته الصعاب منذ بداية حياتهما معاً، فجرى الزواج بإمكانيّات شبه معدومة، فعلى سبيل المثال، كان الصالون عبارة عن عدد من الكراسي البلاستيكيّة. أمّا أولاده، فكانوا بمثابة أصدقائه، لا يهدأ حتّى تستكين همومهم، ولا يدخل بيته إذا لم يجلب الهدايا لأحفاده.
كان الشهيد لا يترك فرصة إلّا ويعرض فيها تجربته ليأخذ السامعون العِبرة. وكان غاية في اللطف والأدب، يجمع المحبّين حوله، فلا يلتقيه أحد إلّا أحبّه وتمنّى مجالسته مرّة أخرى. كان يتمنّى الخير لغيره، ودائم الاستعداد لتيسير أمور الناس، وسبّاقاً في الخدمة لا ينتظر أن يطلب منه أحد. يلتزم بتطبيق القوانين والضوابط قبل أن يرشد غيره إليها. ومن شدّة حبّه لأهل البيت عليهم السلام، أسّس حسينيّة صغيرة في منزله أسماها على اسم الصدّيقة الطاهرة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

• تاريخ حافل بالتضحية والبطولة
بخطا ثابتة ووتيرة متسارعة، خضع الشهيد لدورات تدريبيّة أوليّة ومن ثمّ تخصّصيّة، لتكون بمثابة جسر عبور للمشاركة في عمليّات المقاومة الإسلاميّة، فكان في قلب المواجهة خلال التصدّي للتقدّم الإسرائيليّ في بلدة صريفا، (كان السيّد عبّاس الموسويّ حاضراً). وفي العام 1986م، كان له بصمة في عمليّة الأسر في كونين، تحت قيادة الشهيد سمير مطوط، وفي اقتحام موقع الحقبان في ياطر، وهي العمليّة التي غنمت فيها المقاومة آليّة إسرائيليّة، وارتقى فيها الشهيد رضا حريري.
في العام 1988م، كان الشهيد محمّد حلقة وصل أساسيّة في عمليّة الاستشهاديّ هيثم دبوق، بحيث تولّى مهمّة إيصاله إلى دير ميماس قبل تنفيذه العمليّة. ولم يغب حضوره عن أيّ جبهة، فقد كان للشهيد القائد دور محوريّ في العمليّات البحريّة قبل العام 1990م. بعد تلك الفترة، ازدادت مسؤوليّاته لتشمل العديد من العمليّات الأمنيّة تحت جناح الشهيد عماد مغنيّة، وكان له الفضل في اعتقال العملاء اللحديّين والتحقيق معهم خلال فترة التحرير. وشهدت له حرب تمّوز في العام 2006م بصموده وبسالته، كما شارك في معارك سوريا ضدّ التكفيريّين، وتحديداً في هجومَي بيت سحم والجرود.
جسده الطاهر كان شاهداً على كلّ معركة خاضها، بحيث أُصيب مرّات عديدة، وبقيت آثار تلك الإصابات، خاصّة في قدمه، تذكّره بكلّ خطوة على طريق الجهاد، وظلّ يعاني من تداعياتها حتّى لحظة شهادته.

• قلق من نوع آخر
منذ انتسابه إلى صفوف المقاومة، توقّع الشهيد أن تكون شهادته سريعة. مع مرور السنوات، رافقته حالة من القلق، فكان يسأل نفسه دائماً: «ما النقص الذي حرمني من الالتحاق بقافلة الشهداء كلّ هذه الفترة؟ لقد شاركت في العديد من المعارك، وأُصبت مرّات عدّة، ولا أزال محروماً من هذا الفيض!». موت الفراش كان فكرة مرعبة بالنسبة إليه.
قبل شهادته بسنوات عدّة، كتب رسالة مناجاة مع الله عزّ وجلّ، جاء فيها: «إلهي، أنت تعلم أنّ إخواني الشهداء الذين كانت تربطهم بي أواصر العمل لا يمكن إحصاؤهم، اسمح لهم من عليائهم أن ينظروا إليّ بعين العفو، عسى أن أوفّق للحاق بهم.
يا إلهي، سيّد شباب أهل الجنّة سبط رسولك الكريم قام من أجلك، ومن أجل دينك، وقد برز إلى أعدائك مع القلّة القليلة من بنيه وصحبه، وكان معه جماعة ممّن اصطحبهم من ديارهم، وهناك من التحق به خلال الطريق، ومن أسلم له يوم المعركة، فلماذا لا تقبلني وأنا الذي أتوسّل إليك منذ أن حملت سلاحي في سبيلك؟ أنت تعلم أنّ طاقتي لم تعد كما هي، في كلّ يوم أجد نفسي خائفاً من التيه والضياع وأنت تعلم ذلك».
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع