السيّد عبّاس عليّ الموسويّ (رضوان الله عليه)
تتوالى التساؤلات عن كيفيّة ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بعد هذه القرون كلّها. يغوص هذا المقال في أعماق الأحاديث الشريفة التي رسمت لنا صورة واضحة لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكشفت عن إرادة إلهيّة تتجاوز المألوف، بحيث سيُصلح الله أمره في ليلة، ويُظهر قوّته في صورة شابّ أبديّ، ويُنجز ما كان يُعدّ ضرباً من الخيال قبل ألف عام، ليؤكّد أنّ قدرته سبحانه فوق كلّ قدرة.
• يصلح الله أمره في ليلة واحدة
من عنايات الله بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، أن يتولّى سبحانه بنفسه إصلاح أمره، فقد وردت الروايات عن الإمامين الصادق والباقرLتقول: «يصلح الله عزّ وجلّ له أمره في ليلة واحدة»(1). بعد أن احتجب هذا الإمام العظيم كلّ هذه المدّة الطويلة من عمر الزمن، أمره الله الآن بالظهور؛ فظهوره أوّل إصلاح أمره، ثمّ ما يرافقه من إعلان عالميّ عنه بحيث تصل أخباره إلى أطراف الأرض كلّها، فتسمعه الفتاة في خدرها وكلّ إنسان بلغته. ومن إصلاح أمره أن يتوافد إليه أصحابه الثلاثمئة والثلاثة عشر في الليلة نفسها أو صبيحتها عندما يعلن الظهور في مكّة، فإنّهم يأتون إليه في الهواء، أو السحاب، أو بوسائل أخرى. ومن إصلاح أمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يتوفّر له في مكّة مجال لإعلان الظهور وكشف أمره، وهكذا.
وفي بعض الأحاديث، ورد تشبيه أمره بموسى عليه السلام، الذي ذهب ليقتبس شعلة من النار، فإذا به يعود نبيّاً مرسلاً، ففي الرواية عن محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام قال: «المهديّ... من ولدي، وإنّ الله يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام، إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً، فرجع وهو رسول نبيّ»(2).
• يظهر في سنّ الشباب
الليالي والأيّام تفعل فعلها في الكون كلّه وما يحويه من جماد ونبات، فضلاً عن الإنسان الذي تنقله من طور إلى طور حتّى تأتي عليه وتنهي وجوده، وهذا شيء واقع أمامنا نراه ونشهده ونمرّ به باستمرار. ولكنّ هذا الزمن يتوقّف أمام شخصيّة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلا يعود له تأثير أو أثر، إذ تبطل مفاعيله وتتعطّل حركته، ويتوقّف الزمن وآثاره، ويتحوّل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى معجزة في استمرار عمره الطويل، وبدون أن تؤثّر فيه عوامل الزمان. عندما يأذن الله له بالظهور، يخرج وهو في سنّ الشباب، يراه الرائي فلا يحسبه إلّا ابن أربعين سنة، على الرغم من مرور مئات السنين على ولادته ووجوده في الحياة؛ لأنّ الله أعطاه قدرة وطاقة للتكيّف مع الزمان والمكان، وزوّده بقدرة فائقة يختصر فيها السنين والأيّام. وظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بصورة الشباب سيثير تشكيكاً عند بعض الناس، إذ كيف يبقى شابّاً؟! ففي الحديث عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: «لو قد قام القائم لأنكره الناس، يرجع إليهم شابّاً موفقاً، لا يثبت عليه إلّا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذرّ الأوّل»(3). وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام: «وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبهم –الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف- شابّاً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً»(4). وعن الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام وهو يتحدّث عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: «ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شابّ ذي أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير»(5).
إنّ خروج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف شابّاً يعطي الشباب دفعاً للالتحاق به وبمن معه، فإنّ الشباب هم العمدة في حقول الحياة كلّها، وعليهم تقع مسؤوليّة التغيير والتبديل، فيكون خروجه شابّاً داعياً من دواعي الالتفاف حوله ومساندته مع ما لهم من تطلّعات وقدرات وعزيمة قويّة وجرأة وإقدام. وقد ورد بعض الأحاديث التي تنقل أنّ أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من الشباب، ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أصحاب المهديّ شباب لا كهول فيهم إلّا مثل كحل العين والملح في الزاد، وأقلّ الزاد الملح»(6).
• الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يكلّم الناس من بعد
من دلائل صدق الحديث، أن ترى مضمونه في واقعك ومعك. ثمّة مجموعة من الأحاديث التي اخترقت جدار الزمن بحيث كان صدورها قبل أكثر من ألف عام، ويومها كانت أحلاماً؛ بعضهم صدّقها وآمن بها لأنّها صدرت عن الصادقين الذين يصدّرون عن الله ويوقّعون عنه بإرادته وأمره، وإن بقي معناها مجهولاً لديهم ولا يجدون تفسيراً لها، لأنّها خارج سياق الزمان والمكان وما اعتاده الناس وألفوه، فتركوا تفسير ذلك إلى من صدرت عنهم. وبعض الناس كانوا يستنكرون ذلك ويعيبون به على المؤمنين الذين صدّقوا ذلك وآمنوا به.
إنّ أيّامنا التي نعيشها حملت إلينا صدق ما أخبر به الصادقون، فكشفت عن الصناعات الحديثة، وما وصل إليه العقل البشريّ من إبداعات وتقنيّات، وصولاً إلى صدق ما صدر عن الصادقين قبل ألف عام، بل وجد الناس مصداق ذلك في حياتهم وتعاملوا معه بواقعيّة، وتداولوه في بيوتهم وأسواقهم ومدارسهم ومراكز عملهم. فاستمع إلى ما رواه الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: «إنّ قائمنا إذا قام، مدّ الله عزّ وجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلّمهم، فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه»(7). وفي حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتحدّث عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يقول: «ثمّ نودي بنداء يسمعه من البعد كما يسمعه من القرب، يكون رحمة للمؤمنين وعذاباً على المنافقين»(8).
انظر رعاك الله: هل تجد مصداق هذا الحديث في الواقع أم أنّه خيال؟ إنّه واقع نتداوله جميعاً؛ البثّ المباشر ينقل إليك الحدث نقلاً حيّاً بالصوت والصورة وأنت في بيتك، وإذا رأى الشيعة ذلك رآه الناس جميعاً. وإنْ تناول هذا الخطاب الشيعة، فلأنّهم المخاطَبون مباشرة والمقصودون به. وتترقّى الروايات لتقول إنّ الناس يرون بعضهم بعضاً ولو كان بعضهم في شرق الأرض وبعضهم الآخر في غربها. يقول الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق»(9).
ويمكن أن يكون مصداق ذلك الهاتف الذكيّ الذي يجرى تداوله اليوم وينقل الصوت والصورة، فيجري الحديث بين المتحاورين كأنّهم في مجلس واحد. ويمكن أن يكون غير ذلك.
توكّد لنا هذه الحقائق بأنّ ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس مجرّد أمل بعيد، بل هو وعد إلهيّ سيتحقّق بقوانين تتجاوز حدود إدراكنا البشريّ.
*مقتبس من كتاب: الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء، ص 280 - 285.
1. الغيبة، النعماني، ج 1، ص 231.
2. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 377.
3. الغيبة، مصدر سابق، ص 219.
4. المصدر نفسه، ص 194.
5. المصدر نفسه، ص 279.
6. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 333.
7. المصدر نفسه، ج 52، ص 236.
8. منتخب الأثر، الشيخ الكلبايكاني، ج 3، ص 902.
9. بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 52، ص 391.