أولو البأس | بنت جبيل لا تركع الشهيد على طريق القدس طلال أرسلان آخر الكلام | هذا شَرطي لتسدّد دَينك الافتتاحية | أمريكا فرعونُ العصر إلى كل القلوب | مقاومتنا روحها حسينيّة (2)* تسابيح جراح| "مستعدّون بجراحنا" الشهيد على طريق القدس محمّد محمود إرسلان وسائل التواصل: معركة الوعي في زمن التضليل مقابلة | حين يرتقي القائد لا تنتهي المقاومة بل تستمرّ بدمه تكنولوجيا | كيف نمنع هواتفنا من التنصّت علينا؟ (1)

قيم التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

الشيخ محمّد حسن زراقط


عندما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار، وربط بين الجار والجار حتّى ظنّ بعض المسلمين أنّ الأمر سيصل إلى حدّ التوارث بالجوار، كان ذلك من المرتكزات الأساسيّة للتكافل الاقتصاديّ والتضامن الاجتماعيّ التي بُنِي عليها المجتمع الإسلاميّ.

* ماهية الرابط الاجتماعيّ
إنّ الرابط بين الناس جميعاً هو الشراكة في الانتساب إلى أب وأمّ يرجع إليهما جميع البشر على اختلاف انتماءاتهم اللاحقة التي اكتسبوها: «أيّها الناس، إنّ ربّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، كلّكم لآدم...»(1).

من هنا، نلاحظ أنّ انقسام الناس على أُسس دينيّة لا يُخرجهم من إنسانيّتهم وتناظرهم في الإنسانيّة: «النّاسُ صِنْفانِ: إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ» (2).

وبالرجوع إلى بدء الخلق، يرى بعض العلماء أنّ الغاية من خلق الإنسان هي الاستخلاف في الأرض، وهذا يضفي على العلاقة بين الناس شراكة في الهدف والغاية، ويحول بين أن يكون الإنسان بالنسبة إلى أخيه الإنسان موضوع استغلال واستثمار(3).

أمّا طبيعة العلاقة بين المؤمنين، فهي الأخوّة التي تمتاز عن سائر العلاقات بامتيازات لا تتوفّر في غيرها، فهي غير قابلة للانفكاك، وتقوم على المساواة في الموقع بين الطرفين بخلاف سائر العلاقات التي فيها سلطة أو احتياج (الأبوّة والبنوّة).

وهذا ما تؤكّده نصوص دينيّة عدّة، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10)، وقوله عزّ وجلّ: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103). والأحاديث الشريفة أيضاً تتضمّن ما يؤكّد هذا المعنى، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحُمِهم كمثلِ الجسدِ، إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمّى»(4).

* النظرة إلى المال
على الرغم من أنّ الإسلام يحترم المال ويصفه بأنّ فيه قيام الإنسان: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ (النساء: 5)، وتعامل معه على أنّه نعمة من الله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (الأعراف: 32)، إلّا أنّه ليس هدفاً في حدِّ ذاته، وإنّما وسيلة من أجل أهداف أعلى وأسمى هي نيل رضى الله في الآخرة: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ (القصص: 77).

وهو من جهة أخرى وسيلة اختبار للإنسان: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ (الأنفال: 28)، ووسيلة ينال الإنسان بها الطهارة: ﴿خُذ مِن أَموَٰلِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ (التوبة: 103).

من هنا، نلاحظ أنّ الشريعة الإسلاميّة تتضمّن الكثير من التعاليم التي تحثّ على السعي وبذل الجهد في تحصيل المال: «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً»(5)، ولكنْ مع الدعوة إلى عدم الإفراط في السعي لكسب المال ومراكمته: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (التوبة: 34).

* النظرة إلى المُلْكيّة
بحسب الرؤية الإسلاميّة، المالك الحقيقيّ هو الله تعالى. ولا يعني هذا أنّ الإنسان لا يملك ما تحت يده من أموال إن حصل عليها بطرق مشروعة، سواء كان ذلك بالحيازة أو الوراثة أو التجارة والعمل.

ومن المؤشّرات الدالّة على احترام الملكيّة في الإسلام أنّه سبحانه حرّم الاستيلاء على أموال الناس بوسائل غير مشروعة حتّى لو كان ذلك برضاهم، لأنّ بعض العقود والمعاملات يكون ظاهرها التراضي بين الطرفين، إلّا أنّ واقعها غير ذلك، وهذا مفاد القاعدة العامّة المقرّرة في القرآن الكريم بحيث يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 29).

ومع هذا الاحترام للملكيّة، فإنّ الشريعة تعدّ ما تحت يدي الإنسان من أموال ونِعَم أمانة هو مستخلَفٌ عليها: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (الحديد: 7). ولهذا الاستخلاف لوازم كثيرة تترتّب عليه في ما نحن فيه، أي التكافل.

* التشريعات الإلهيّة الماليّة
تحتوي الشريعة الإسلاميّة على عدد من التشريعات الماليّة، بحيث يمكن الكلام دون أيّ مبالغة عن صنف من العبادات هي العبادات الماليّة. فكما يعبد الإنسان الله تعالى بالصلاة والصوم، عليه أن يعبده بالالتزام ببعض الأعمال ذات الطابع الماليّ.

بعض هذه التشريعات رُبِطت بمواسم عباديّة كزكاة الفطرة المتّصلة بعيد الفطر، والأضحية المتّصلة بالحجّ وعيد الأضحى، ويُضاف إليها الزكاة والخمس، وغير ذلك. وقد أوجب الله تعالى هذه الأشكال من الإنفاق الماليّ على ضوء مبدأ عامٍّ تقرّه الشريعة، وهو مبدأ الحقّ الثابت للفقراء في أموال الأغنياء: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24-25).

* المسؤوليّة الاجتماعيّة
إلى جانب ما تقدّم كلّه، ثمّة مبدأ يمكن عدّه ركيزة أساسيّة تقوم عليها الكثير من التشريعات وتفضي إلى عدد من القيم أو تقترن بها، وهي قضيّة المسؤوليّة الاجتماعيّة.

وفي مقابل النظرة الفرديّة إلى الإنسان، أي تلك التي تعلي من شأن الفرد وتجعل منه المحور، نلاحظ أنّ الإسلام بنى الكثير من تشريعاته الأخلاقيّة والقانونيّة على مبدأ المسؤوليّة المشتركة بين البشر، ومن أبرز ما يدلّ على هذا المعنى ما ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته»(6).

وتتّسع دائرة المسؤوليّة لتشمل كلّ شيء: «اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم»(7).

هذه المبادئ العقديّة والفكريّة هي أبرز ما يخطر في البال عند التأمّل في قضيّة التكافل الاجتماعيّ عموماً، الاقتصاديّ على وجه التحديد. وإذا نظرنا في الأمر من زاوية النتائج والآثار التي تترتّب عليها فهي عديدة، نذكر منها:

أ. البُعد الاجتماعيّ: ذلك أنّ العدالة الاجتماعيّة هي أبرز ما يصبو إليه الإنسان في حياته؛ فجُعلت هدفاً وغاية للتمكين في الأرض، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاة﴾ (الحج: 41 ).

ب. البُعد الفرديّ: ذلك أنّ تطهّر الإنسان من الشحّ والبخل لهو من أهمّ الثمار التي تترتّب على الإنفاق: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 9).

إنّ ما وعد الله به المنفقين والقاضين لحوائج الناس ممّا لا يتّسع المجال لذكره، وتكفي الإشارة إلى أنّ الله يعدّ الإنفاق على الفقراء إنفاقاً في سبيله، وإطعامهم إطعاماً لهم لوجهه!


(1) تحف العقول عن آل الرسول، ابن شعبة الحرّاني، ص 34.
(2) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 3، ص 84.
(3) للمزيد انظر: تراث الشهيد الصدر: المدرسة القرآنيّة، السيّد محمّد باقر الصدر، ج 19، ص 108.
(4) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 58، ص 150.
(5) المراد من هذا الحديث حسب أحد تفسيراته الدعوة إلى عدم العجلة في إنجاز الأعمال المرتبطة بالدنيا، والتعامل معها وكأنّ الإنسان عنده الكثير من الوقت لينجزها، فلا داعي للعجلة فيها، بخلاف أمور الآخرة التي عليه أن يسارع إليها لأنّ الموت قد لا يمهله.
(6) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 72، ص 38.
(7) نهج البلاغة، مصدر سابق، ج 2، ص 80.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع