الشيخ علي معروف حجازي
للدفن أحكام متعدّدة، يجب مراعاتها، ومنها دفن الوديعة، نطلّ في هذا المقال على عدد من الاستفتاءات المتعلّقة به.
* مَن يجب دفنه؟
يجب على نحو الكفاية دفن الميّت المسلم وأولاده، حتّى الجنين السقط مهما كان عمره، كما يجب دفن أشلاء المسلم.
* كيفيّة الدفن
يجب في الدفن تحقّق أربعة أمور:
الأول: المواراة في حفرة من الأرض، فلا يجزي الوضع على سطح الأرض والبناء عليه.
الثاني: أن تحمي الحفرة جثّته من السباع.
الثالث: أن تكتم الحفرة رائحته عن الناس. نعم، مع الأمن من السباع وأذى الناس من الرائحة، جاز مجرّد المواراة.
ويستحبّ أن يكون القبر بقدر قامة إنسان.
الرابع: يجب أن يستقبل الميّت القبلة، فيُضجع على جانبه الأيمن، بحيث تكون مقاديم بدنه تّجاه القبلة.
* الدفن في الأرض المباحة
لا يجوز الدفن في الأرض المغصوبة، وكذلك في الأراضي الموقوفة لغير الدفن.
* الدفن في المساجد
لا يجوز الدفن في المساجد حتّى لو لم يعطّل ذلك حركة المصلّين.
* الدفن في مقابر غير المسلمين
لا يجوز دفن المسلمين في مقابر غير المسلمين، كما لا يجوز دفن غير المسلمين في مقابر المسلمين. كما لا يجوز دفن المرتدّ في مقابر المسلمين.
* الأماكن غير المحترمة
لا يجوز دفن المسلمين في الأماكن غير المحترمة كالمزابل.
* أجزاء الميّت المنفصلة
الأعضاء التي فُصلت من بدن الميّت حتّى الشعر والسنّ والظفر، حكمها شرعاً أن تُدفن مع البدن. أمّا إذا كان لا يمكن تحقيق ذلك، فلا إشكال في دفنها منفصلة عنه.
* نقل الميّت إلى بلد آخر
يجوز نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر قبل دفنه، ولكنّ ذلك مكروه، إلّا في النقل إلى المشاهد المشرّفة والأماكن المقدّسة، فلا كراهة في النقل إليها، بل فيه فضل ورجحان. ولكنّ النقل مشروط بتحمّل الجثمان لهذا الأمر، بحيث لا يتغيّر حاله ولا يفسُده ولا يُسبّب هتكاً.
* هدم قبور المؤمنين ونبشها
1. لا يجوز هدم قبور المؤمنين ونبشها ولو لأجل توسيع الأزقّة، أو إحداث شارع، إلّا إذا كان إحداثه حيث وجود القبور ضروريّاً وطبقاً للقانون اللازم فلا إشكال عندها، (لا بدّ من مراجعة وكيل الحاكم الشرعيّ للتأكّد من جواز ذلك وإثبات الضرورة).
2. قبل أن تصير عظام الميّت تراباً، لا يجوز نبش القبر لأجل دفن ميّت آخر. والمراد بالنبش كشف جسد الميّت المدفون بعدما كان مستوراً بالدفن، فلو حُفر القبر وأُخرج ترابه، من دون أن يظهر جسد الميّت، لم يكن ذلك من النبش المحرّم.
نعم، يجوز فتح القبر دون الوصول إلى الجثمان المدفون أو أجزائه ولو إلى العظام، فيجوز عندها دفن ميّت آخر فوق السابق دون كشفه.
ویجوز نبش قبر المیّت المسلم في موارد خّاصة ومنها:
أ. إذا دُفن المیّت في مکان مغصوب لا یرضی به مالکه.
ب. إذا دُفن المیّت بکفن مغصوب أو دُفن معه مال آخر مغصوب، ولا یرضی مالکه ببقائه في القبر.
ج. إذا دُفن المیّت من دون غسل أو کفن، أو تبیّن بطلان غسله، أو دُفن من دون تکفین صحیح شرعاً، أو لم یوضع بدنه فی القبر تجاة القبلة، ففي هذه الموارد یجوز النبش إذا لم یوجب الهتك علی المیّت.
د. إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق علی مشاهدة جسده.
ولكن یحرم نبش قبور أولاد الأئمّة L والشهداء والعلماء والصلحاء إذا کانت مزاراً، ولو مرّت علیه السنین، بل لا یجوز نبشه علی الأحوط وجوباً إذا لم تکن مزاراً أیضاً.
3. يجوز بناء قبور المسلمين من طبقات عدّة تحت الأرض إذا لم يوجب ذلك نبش القبر ولا هتك حرمة المؤمن، من خلال تعميق الحفرة ثمّ دفن ميّت، ووضع بلاط أو ما شاكل ذلك لتغطية الجثمان، وبعد ذلك يُدفن جثمانٌ آخر، وهكذا.
* الوديعة
- تجوز الوديعة، وهي تجهيز الميّت ووضعه في صندوق خشبيّ تحت الأرض، وبعد ذلك يجوز فتح القبر وإخراج الصندوق لنقله للدفن في مكان آخر.
- سؤال: بعض الإخوة يقومون بدفن جثامين شهداء وغيرهم وديعةً في أكياس دون صندوق في الحقول والوديان بسبب عدم إمكانيّة نقلهم إلى المكان الأصليّ للدفن، علماً أنّ هذه الأماكن إمّا هي أملاك خاصّة أو مشاعات تملكها الدولة وليست مخصّصة لدفن الأموات، وفي بعض الموارد يُخاف على الجثامين من السباع والسيول. وبعد مدّة، يطالب أولياؤهم بنقل جثامينهم ليدفنوا في مقابر قراهم الأصليّة أو غيرها.
فهل يجوز أن يتصدّى عدد من الإخوة لفتح القبر وإخراج الجثمان ووضعه في صندوق محكم الإغلاق، بحيث لا يستوجب الهتك عند تشييعه بين الناس، ثمّ دفنه في مكان آخر؟
جواب: بالنسبة إلى من دُفن وديعة في أرض مملوكة لآخرين، يجب نقله إلى المقابر المعدّة للدفن.
ومن دُفن في الأرض المشاع؛ إذا كانت وصيّة الشهيد أو غيره تقتضي دفنه في مكان آخر، أو كان ثمّة مصلحة مهمّة في نقله، فلا مانع من ذلك، مع رعاية حرمته، بحيث لا يحصل هتك بنبشه ونقله.