الإمام الخامنئي دام ظله
في منطقتِنا، التي تُعدّ واحدةً من أكثرِ المناطقِ الحسّاسةِ في العالمِ، هناك اليومَ أحداثٌ تجري. ينبغي أن نفهمَ هذه الأحداثَ بشكلٍ صحيح، وأن نستخلصَ منها الدروسَ والعِبَر. من الضروري إزالةُ الغموضِ عن هذه الأمور. لا أنوي اليوم تقديمَ تحليلٍ حولَ قضايا سوريا - فهناك من يقومُ بالتحليلِ - بل هدفي اليوم هو “التوضيحُ والرسمُ”.
* أميركا والكيان خلف ما حدث
أولاً، لا ينبغي الشكُّ في أن ما حدثَ في سوريا هو نتيجةُ خطةٍ مشتركةٍ أمريكيةٍ وصهيونية. نعم، إحدى الدولِ المجاورةِ لسوريا لعبتْ دوراً واضحاً في هذا الشأن، ولا تزالُ تلعبُ هذا الدورَ - وهذا شيءٌ واضحٌ للجميع - لكنّ العاملَ الرئيسيّ هو الأمريكيونَ والصهاينة؛ هم المتآمرونَ الأساسيون، وهم واضعو الخطة، وغرفةُ القيادةِ الرئيسةُ توجدُ في أمريكا والكيانِ الصهيونيّ. لدينا أدلةٌ تُزيلُ أيّ شكٍّ في هذا الأمر.
* جبهة المقاومة
أود أن أقول بضع كلمات حول “جبهة المقاومة”. بعد هذه الأحداث في سوريا، أبدى عناصر الاستكبار فرحهم، معتقدين أنه بسقوط الحكومة السورية التي كانت داعمة للمقاومة، ستضعف جبهة المقاومة. هم سعداء ويقولون إن جبهة المقاومة قد ضعفت. لكنّني أرى أنّهم مخطئون بشكل كبير. فـ“جبهة المقاومة” ليست شيئًا ماديًا يمكن كسره أو تفكيكه أو تدميره. المقاومة هي إيمان، هي فكر، هي قرار قلبي وحاسم؛ المقاومة مدرسة، مدرسة عقائدية. ما يكون إيمانًا لشعبٍ ما ليس شيئًا اعتباريًا أو مصطنعًا – وسأوضح لماذا هو إيمان الشعب – بل هو شيء يتقوّى تحت الضغط بدلاً من أن يضعف.
دافع أفراد جبهة المقاومة وعناصرها يزداد قوّة بمشاهدة خباثة الأعداء، ويتّسع نطاق جبهة المقاومة. هكذا هي المقاومة. عندما تظهر جرائم العدو الوحشية، يخرج أولئك الذين كانوا متردّدين بشأن المقاومة من تردّدهم ويدركون أنه لا سبيل إلى النجاة إلا بالوقوف في وجه الظالم والمعتدي والطاغية. لا بد من الثبات، لا بد من المقاومة. هذه هي المقاومة.
* حزب الله تعزّزت قبضته
انظروا إلى حزب الله في لبنان، انظروا إلى حماس، انظروا إلى الجهاد الإسلامي، انظروا إلى القوى المناضلة الفلسطينية؛ كم تعرضوا لضغوط هائلة. هل كانت المصيبة التي أصابت حزب الله بسيطة؟ حزب الله فقد قائدًا كالسيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)؛ ومع ذلك، ازدادت قوّة هجمات حزب الله، وتعزّزت قبضته الحديدية، وأصبح أقوى ممّا كان عليه من قبل. حتى أنّ العدو اعترف بذلك. ظنّوا أنّهم بقتل القادة يمكنهم التقدّم في لبنان، وإضعاف حزب الله، ودفعه للتراجع إلى نهر الليطاني؛ لكنهم فشلوا. حزب الله صمد بكل قوّة، حتى أنهم هم من طلبوا وقف إطلاق النار. هذه هي المقاومة.
* غزّة صامدة رغم المجازر
انظروا إلى غزة! مضى الآن أكثر من عام وشهور وهم يقصفون غزة، قتلوا قادة بارزين مثل يحيى السنوار، أدخلوا ضربات قوية؛ ومع ذلك، الشعب صامد. كانوا يعتقدون أنهم سيضغطون على الشعب ليثور ضد حماس؛ ولكن النتيجة كانت عكسية، إذ أصبح الشعب أكثر دعمًا لحماس. الأمر نفسه ينطبق على الجهاد الإسلامي، وعلى بقية القوى الفلسطينيّة. هذه هي المقاومة، وهذه هي جبهة المقاومة: كلما زاد الضغط، أصبحت أقوى؛ كلما زادت الجرائم، أصبحت أكثر إصرارًا؛ وكلما حاربتهم، أصبحوا أكثر انتشارًا.
وبعون الله وقوته، ستنتشر المقاومة أكثر من أي وقت مضى لتشمل المنطقة بأكملها.
* المقاومة متأصّلة في الشعوب
المقاومة تعني الصمود في وجه هيمنة أمريكا وأيّ قوّة مهيمنة أخرى؛ هذا هو معنى المقاومة. المقاومة تعني النضال ضد التبعية لهذه القوى؛ المقاومة تعني أن لا تصبح الشعوب خاضعة لقوّة عظمى. هذا المفهوم للمقاومة متأصل في إيمان شعوب المنطقة. لا أتحدث عن الحكومات؛ الشعوب تعطي أهمية للمقاومة. جذور المقاومة تكمن في إيمان الشعوب وقناعاتها. رأيتم كيف كانت ردود فعل شعوب المنطقة في دعم غزة؟ أشخاص لا يتحدّثون لغتهم، ولم يزوروا مناطقهم، ولا يعرفونهم شخصيًا، وقفوا في جميع أنحاء المنطقة ضد الكيان الصهيونيّ ودعمًا لشعب غزة. هذا الاعتقاد المشترك بين شعوب المنطقة هو السبب.
لاحظوا، قد مرَّ الآن نحو 75 عامًا على اغتصاب فلسطين. حادثة وقعت قبل 75 عامًا كان من المفترض أن تفقد أهميتها تدريجيًا، وتُنسى، وتخبو. لكن ما نراه اليوم هو أن صمود شعوب المنطقة والفلسطينيين أنفسهم من أجل القضية الفلسطينية أصبح ربما أقوى عشر مرات مما كان عليه في البداية. بدلًا من أن تخبو القضية، تزداد قوة وتأثيرًا؛ هذه هي خاصية الاعتقادات المشتركة والعامة، وهذا بالطبع سيستمر. هذه سنّة إلهيّة، واليوم نشهد هذا الدرس التاريخي يتجلّى أمام أعيننا في غزة ولبنان.
*من خطاب لسماحته دام ظله ألقاه بتاريخ: 11/12/2024م. هذه سنة إلهية، واليوم نشهد هذا الدرس التاريخي يتجلى أمام أعيننا في غزة ولبنان.