مع إمام زماننا
السيّد عبّاس عليّ الموسويّ
إنّ بيعة جبرائيل عليه السلام للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كأوّل من يبايع فيها إشارة إلى تدخّل السماء في هذا الأمر، كما أنّها تنبّه الناس على أن يبادروا إلى البيعة.
ومن الملاحظ أنّ الخواصّ من أصحاب المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يبايعونه بعد جبرائيل عليه السلام لأنّهم قد حضروا خصيصاً للوقوف إلى جانبه وقد أُعدّوا إعداداً خاصّاً، بحيث كانوا صفوة العصور والأزمان وخلاصة بني الإنسان، فلا عجب أن يكونوا طليعة من يبايع.
* يسألونه ثمّ يبايعونه
بعد مبايعة جبرائيل عليه السلام والمخلصين من أصحاب المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، يقوم سائر الناس بمبايعته وإعلان طاعته والالتزام بأوامره. والإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف على أتمّ الاستعداد أن يرفع كلّ شكّ فيه؛ لأنّه يملك الإجابة عن كلّ سؤال يرد عليه، فلا يعجزه سؤال ولا يتوقّف في جواب لأنّه الحجّة الذي جمع العلوم كلّها وامتلك ناصية الأدلّة والبراهين وأعطاه الله الآيات والمعجزات؛ ولذا، من شكّ في دعواه أو تردّد، فعليه أن يوجّه السؤال الذي يخفيه في نفسه ويسأله عنه، فإن أجاب فهو، وإلّا، فله الحقّ أن لا يؤمن به.
وقد وردت الروايات المؤيّدة لهذا المعنى، ففي الكافي: عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله -الصادق- عليه السلام يقول: لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع فيها إلى أهله والأخرى يقال: هلك، في أيّ واد سلك. قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادّعاها مدّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله (1).
وبطبيعة الحال، لا يعيش الحيرة والقلق إلّا الناس البعيدون عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام، لأنّ أمرهم مكشوف لشيعتهم ولا يخفى على أحد من محبّيهم.
* رواية البيعة
في رواية عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام إنّ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف "يأتي المسجد الحرام، فيصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثمّ يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويصلّي عليه، ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد من الناس"(2)، ثمّ يأخذ البيعة. وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: "يبايعون على أن لا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا، ولا ينتهكوا حريماً، ولا يشتموا مسلماً، ولا يهجموا منزلاً، ولا يضربوا أحداً إلّا بالحقّ، ولا يركبوا الخيل الهماليج(3)، ولا يتمنطقوا بالذهب، ولا يلبسوا الخزّ، ولا يلبسوا الحرير، ولا يلبسوا النعال الصرارة، ولا يخرّبوا مسجداً،... و(يشترط) لهم على نفسه أن لا يتّخذ حاجباً، ويمشي حيث يمشون، ويكون من حيث يريدون، ويرضى بالقليل، ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما مُلئت جوراً"(4).
* البيعة للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ البيعة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في كلّ صباح أو في كلّ يوم توطّد الصلة بيننا وبينه، وتجعلنا باستمرار نعيش وجوده فينا وقربه منّا، وأنّنا لن نتخلّى عنه وعن أهدافه وغاياته، وهذا يستدعي منّا أن نكون على أُهبة الاستعداد إذا نادت السماء أنّ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف قد خرج، فنكون معه في الصفوف الأولى أنصاراً له وشيعة، نجاهد بين يديه حتّى الشهادة. إنّ شعوراً كهذا الشعور الذي يعيشه المؤمن زمن الغيبة، يعطيه دفعاً إلى الأمام في إصلاح نفسه وترويضها على كلّ ما يُرضي الإمام وما يتطلّع إليه من عزّ للإسلام ونشر لمبادئه وقيمه ومثله. وهذه البيعة لهذا القائد الربّانيّ تجعلنا نرفض البيعة للظالمين أو الركون إليهم والسير في ركابهم، بل تشكّل بيعتنا للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف حاجزاً منيعاً بيننا وبين هؤلاء وتجعلنا على طرف النقيض منهم، لا نقبلهم ولا نقبل وجودهم ولا أفعالهم وما يقومون به من ظلم واعتداء وخروج عن شرائع الدين وقواعده.
* لماذا يأخذ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف البيعة من الناس؟
الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إمامٌ معصوم وله الولاية والإمرة من عند الله الذي نصّبه وعيّنه لهذا المقام، وجعله الإمام الذي يجب طاعته، فلماذا يجب أن يأخذ البيعة من الناس وهو واجب الطاعة من الأساس، ولا يحتاج إلى البيعة؟
أولاً: قال تعالى في القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ (الفتح: 48). فقد وقعت البيعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -بيعة الشجرة-، أنّ على المؤمنين أن يطيعوا أمره ويلتزموا بما يقول، وله الولاية والقيادة والخلافة، فالحكم فيهما واحد للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ثانياً: إنّ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف -أو النبيّ- عندما يأخذ البيعة من الناس، إنّما يأخذها ليؤكّد مضمونها ويثبّت روحها وما له من الحقّ، وهي تشبه من يحلف أن يصلّي أو يتصدّق أو يصوم شهر رمضان، فإنّ هذه اليمين تؤكّد مضمون ما أقسم عليه وإن كان واجباً عليه أداؤه بموجب التشريع.
والبيعة تعني أنّ الأمّة كلّها تشترك في تحمّل المسؤوليةّ، وعليها واجب تنفيذ الرسالة التي يحملها القائد، والدفاع عنها وحفظها وصيانتها والبذل في سبيلها من أجل تحقيق النصر.
* أثر البيعة على الأنصار في عصر الغيبة
يحجبنا في عصر الغيبة الكبرى عن رؤية الإمام حواجب ماديّة كثيرة، وبالرغم من ذلك، يجب أن نكون إلى جانب ذلك الإمام، فنتشوّق إلى رؤيته وننتظر خروجه في كلّ لحظة، موطّئين أنفسنا على أن نكون في عِداد أنصاره وأتباعه وجنوده المقاتلين بين يديه. يجب أن نبايع هذا الإمام ونعطيه الولاء والطاعة ونعلن ذلك؛ ولذا، ورد أنّه يُستحبّ أن ندعو بدعاء العهد -البيعة- لأنّ فيه صفاء وولاء وبيعة وعهداً، ومعانيَ عالية راقية تجعل الإنسان القارئ له على صلة بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، "... واجعلني من أنصاره وأشياعه والذّابّين عنه...".
* مقتبس من كتاب: الإمام المهديّ عدالة السماء، ص 142- 145.
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 340.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 307.
(3) الهماليج جمع الهملاج من البراذين: الذي يمشي مشية الهملجة، وهي شبيهة للهرولة.
(4) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، السيّد ابن طاووس، ص 295.