مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1)

لقاء مع المجاهد الجريح لواء
حنان الموسويّ

 

طريق العودة من مهمّةٍ أُلغيت بدت طويلةً جدّاً. انتظرنا قليلاً علّ الأنباء القادمة تكون مشبعةً بالبشرى لاستكمال ما نُهينا عنه. قُدنا الآليّة ببطء شديد والأمل يحدونا. ومع تبادل النكات وارتفاع صوت ضحكاتنا، طارت آليّتنا فجأةً وانقلبت، بعدما عبرنا فوق لغم انتشرت شظاياه في أجسادنا ووجوهنا. بصعوبةٍ، حاولنا مغادرتها خشية انفجارها. أمّا أنا فقد هممت بسحب نفسي بمشقّة كي أبلّغ القيادة، لكنّ آلام الجرح استبدّت بي، خاصّةً وأنّ عيني بدأت تنزف بغزارة، ما أعاد إلى بالي أحداث إصابتي الأولى بكلّ خطورتها.

* حرب المدن
أجواء سوريا المشحونة بالغضب لما يقوم به التكفيريّون، دفعتني للمشاركة عام 2011م في تدريب القوّات الحليفة القادمة من الأحياء السوريّة، وقد تبلورت لدى أفرادها الفكرة عن طبيعة العدوّ الذي ينتظرنا.

مرّت سنة حتّى شاركنا في المعارك كمجموعة تملك خبرة عسكريّة. وقد وُفِّقنا في تحرير 17 قريةً من القرى الحدوديّة في ثلاثة أيّام.

حرّرنا منطقة جوسية ومحيطها، وجهّزنا أنفسنا لمعركة القصير بطبيعتها الجديدة، حرب المدن. خمسة أيّام كانت فترة الراحة ما قبل الهجوم، ثمّ حان وقت التجهيز عالي الدقّة.

* رأس الحربة
كنّا رأس الحربة في معركة القصير. الخطّة اقتضت أن يسبق دخول المدينة قصف تمهيديّ عنيف، فحصل ذلك قبل ليلتين من المعركة. أمّا المهمّة فهي الالتفاف حولها والإحاطة بخطوط العدوّ للوصول إلى مخزن أسلحة يمدّ المنطقة كلّها. قبل يوم من المعركة، تعرّضنا لإطلاق نار، فاضطررنا لتبديل الآليّات عند وصولنا إلى مطار الضبعة عبر الأوتوستراد من جهة شنشار، وهناك، وقعنا في كمين للجماعات التكفيريّة، إذ استُهدِفنا بقذائف عجل الله تعالى فرجه الشريف7 وبمختلف الأسلحة، ما أدّى إلى وقوع إصابات وارتفاع عددٍ من الشهداء في الخلف، بينما كنت أجلس في المقدّمة. كما أصيبت سيّارة الذخيرة المرافقة لنا، وانفجر كلّ ما فيها بعد أن أجلينا الجرحى عبر آليّاتٍ للجيش السوريّ كانت تواكبنا.

* مهمّةٌ مجهولة
اثني عشر مجاهداً بقينا، لا آليّة لدينا للمضيّ قُدماً. صادرنا حافلة أحد المسلّحين، وتمركزنا بعدها قرب مسجد الإمام الحسن عليه السلام في القصير بتاريخ 18/5/2013م بالقرب من خطوط التماس. بدأت المعركة صباحاً. كانت مهمّتنا قطع طريق إمداد المسلّحين من الضبعة، وأن نسيطر على مخزن أساسيٍّ لهم أو ندمّره، بينما يقوم المجاهدون بالهجوم عليهم من مدخل القصير، أمّا نحن فالتففنا عليهم من الخلف.

كنت قد جهّزت حقيبةً فيها ملابس وحصّة طعام إضافيّة في حال تعرّضنا للحصار، وهذا ما حصل بسبب عددنا القليل، إذ كنّا نطهّر المباني دون القدرة على التثبّت فيها، فطوّقَنا التكفيريّون بعد التفافهم حولنا، ما جعل ذخيرتنا تشحّ، وهذا ما أعاقنا عن متابعة الهجوم.

* هدف وجرح
عند وصولنا إلى سكّة القطار، طُلب منّا التثبيت. نصبنا كمائن بسيطة. وتلبيةً لطلب سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، ردّدنا نداء «يا بقيّة الله أغثنا». لقد كان سماحته بحقّ السند الأكبر والداعم النفسيّ الأعظم لنا في تلك اللحظات.

تسلّل مسلّحان إلى أحد البيوت القريبة منّا، فانطلقت ومعي أحد الإخوة للاستطلاع. حين اكتشفا وجودنا، تعرّضنا لإطلاق نار، فهاجمنا المنزل واشتبكنا معهما، قتلنا أحدهما وفرّ الآخر. وعند التفافي خلف المنزل لمنعه من الهرب، لقّم بندقيّته M16 وأخرجها من النافذة وصار يطلق النار عشوائيّاً، فاخترقت رصاصة رأسي وغادرته مصطحبةً معها عيني اليسرى تاركةً قطعة لحمٍ منها عالقةً! لم أشعر بأيّ ألمٍ، ولكنّ ضغط الطلقة دفعني إلى الخلف، وسقطت أرضاً. لطفٌ ربّانيّ لفت رفيقي للانتباه لما حدث، فعاجل المسلّح من داخل المنزل بطلقة أردته قتيلاً. كان ذلك في 20/5/2013م.

* نزفٌ ووصيّة
سحبني رفيقي إلى الخلف وأعادني إلى المنزل حيث تجمّع الإخوة حولي. نزف دماغي كان حادّاً، فبدؤوا بنزع العتاد عنّي. هبوط ضغط الدم لزمني، وكان دمي يسيل كالميزاب، عندها، نطقت بالشهادتين وأوصيت الإخوة بوصايا عدّة، أهمّها دفني في جوار ضريح عمّي الشهيد عاطف، القائد الكشفيّ الذي استشهد في اشتباكٍ مع العدوّ الإسرائيليّ خلال عدوان تمّوز 2006م، أثناء التصدّي لإنزال مستشفى دار الحكمة. كما طلبت منهم أن يوصلوا سلامي إلى أهلي وخطيبتي، وأن يتابعوا الطريق والمهمّة التي أصبح إتمامها قريباً، وفقدت الوعي!

* أملٌ مفقود
استعدت وعيي لبرهة، فوجدت الإخوة يحاولون إسعافي. ترنّحت بين وعيٍ سمح لي بالسير معهم قليلاً، ولا وعيٍ دفعهم لسحبي. وصلنا إلى منطقة أقلّ خطراً عند مستديرة القصير، حيث صادفنا محمولة دوشكا للإخوة اصطحبتني إلى مستشفى ميدانيّ يحوي أطبّاء مختصّين. سيل الدم ملأ أرجاء غرفة الطوارئ. حين رفع الطبيب يدي ليرى ما خلّفته الطلقة في رأسي، وجده قد انفلق، شخّص الحالة ميئوساً منها، وطلب نقلي إلى غرفة جانبيّة.

* دماغٌ حيّ
اتّجه نحوي مسؤول في الإسعاف الحربيّ، ناديته باسمه المدنيّ فبدا الذهول على محيّاه، التفت إليَّ مندهشاً لمعرفتي به، عرّفته عن نفسي فباشر بإجراءات مستعجلة لتأمين سيّارة إسعاف. كانت مهمّة شاقّة بسبب أعداد الجرحى والشهداء الهائلة، فوضعني أرضاً بمشقّة داخل سيّارة إسعاف تحمل شهداء وجرحى. طلبت منه قطعة إسفنج أتوسّدها، سرعان ما تضمّخت دماً وانتفخت. تقدّمت محمولة الدوشكا سيّارة الإسعاف لفتح الطريق وتأمينه، إلى أنّ وصلنا إلى مستشفى البتول. أقرّ الأطبّاء بخطورة إصابتي وعدم قدرتهم على التدخّل. حينها، توجّه بي مسعف إلى بعلبك. فقدت الوعي طوال الطريق، حتّى وصلنا بلدة مقنة، مطبّاتها تسبّبت باستعادة وعيي، سؤالي للمسعف إن كنّا في مقنة طمأنه أنّ دماغي حيٌّ ولم أفقد ذاكرتي.

وفي العدد المقبل تتمة المقال بإذن الله.

الاسم الجهاديّ: لواء.
تاريخ الولادة: 05/08/1990م.
تاريخ الإصابة الأولى ومكانها: القصير 20/5/2013م.
نوع الإصابة الأولى: استئصال العين اليسرى.
تاريخ الإصابة الثانية ومكانها: جرود عرسال 21/5/2017م.
نوع الإصابة الثانية: تلف القدم اليسرى.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع