الشيخ بلال حسين ناصر الدين
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ (آل عمران: 200).
في هذه الآية المباركة نداءات ثلاثة إلى المؤمنين:
النداء الأوّل- الصبر: وهو حبس النفس في مواطن ثلاثة: على الطاعة؛ فلا يتركون ما أوجبه الله عليهم من فرائض، ويتحمّلون ما كلّفهم به ولو كان فيه جهد ومشقّة، وعلى الشهوات؛ فلا تنزلق أنفسهم في حُفر الأهواء والغرائز ولو كان إليهم ميل نحوها، وعلى البلاء؛ فيحبسون أنفسهم عن السخط والاعتراض على ما قضاه الله عليهم وقدّره من مصاعب وشدائد، فيحفظونها من اليأس وسوء الظنّ به سبحانه. وقد ورد في معنى الصبر في هذه الآية الكريمة أنّه بمعنى اصبروا على دينكم(1). ولو نظرنا إلى مواطن الصبر أعلاه، لوجدنا أنّ ثمرته إنّما هي حفاظ المرء على دينه، أكان ذلك في الشدائد أم عند الشهوات أم على الطاعات.
النداء الثاني- المصابرة: أي أن يصابروا، والمصابرة من المفاعلة، ففيها طرفان يتفاعلان في الصبر، فالمؤمنون بعد أن يكونوا قد استقاموا في جهات الصبر الثلاثة وأصبح لديهم قوّة وثبات، فإنّ صبراً إضافيّاً تُلقى على عاتقهم مسؤوليّة التحلّي به، وهو الذي يتجلّى عند مواجهة الأعداء الذين يتربّصون بهم ويكونون بعداوتهم صامدين ثابتين. وكما أنّ الأعداء يكونون في حالة صمود وهم على باطل، فمن الحريّ بالمؤمنين أن يقابلوا ذلك بالصبر والتحمّل والثبات أيضاً، ويتحقّق ذلك بأن ينشروا في ما بينهم روح العنفوان والأمل، ويبثّوا ما يزرع التفاؤل في النفوس في مقابل من يبثّ روحَ الخوف والضعف والوجل، ممّن لا يذكرون سوى ما يثبّط العزائم ويُضعف الهمم، كأولئك الذين لا يتحدّثون في جلساتهم العائليّة والاجتماعيّة أو في حواراتهم الإعلاميّة من محلّلين وغيرهم سوى في قدرات العدوّ، ويصوّرون للآخرين استحالة القدرة على مواجهته، ويقلّلون في الوقت عينه من أهميّة ما عليه المؤمنون من قوّة، وهذا من أخطر ما ينبغي التنبّه إليه ولو كان على صعيد سهرة عائليّة هنا أو حوار إعلاميّ هناك.
فالمصابرة إنّما هي تفاعل في ما بين المؤمنين أنفسهم من جهة، والمؤمنين والأعداء من جهة أخرى.
النداء الثالث- المرابطة: هي إقامة الجهاد ببذل النفوس والأرواح والتضحية بكلّ ما يُسهم في تقوية المؤمنين والمجاهدين في مواجهة الأعداء.
أن نصبر فهذا أمر عظيم، ولكن ما هو أرفع من ذلك وأمضى، هو أن نصبر ونصابر ونرابط، فنفلح عندها وننتصر، وهذا ما هم عليه مجاهدونا الأبطال في الثغور.
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 68، ص 195.